إضراب المعلمين الى أين
جهينة -ا قد دخل الإضراب الذي أعلنته نقابة المعلمين أسبوعه الرابع وهو لا يزال يراوح مكانه رغم التطورات الحاسمة التي حصلت في الايام الماضية ، حيث اعلن دولة الرئيس في يوم الخميس الموافق ٢٦ / ٩ / ٢٠١٩ عن انطلاق اتصالات جديدة مع نقابة المعلمين وعن امله بالوصول الى اتفاق مع النقابة خلال ٤٨ ساعة وان يكون يوم الأحد الموافق٢٩ من نفس الشهر يوم دوام في المدارس . وقد جرت عدة اجتماعات بين الطرفين ، الا ان مصيرها كان الفشل بالرغم من قول وزير التربية والتعليم ان الحكومة عرضت في هذه الاجتماعات على النقابة أرقاماً تستهدف تحسين الوضع المالي وانهم طلبوا من النقابة ان تقدم عرضاً ليتم تدارسه الا انها لم تقدم أي مقترح . اثر ذلك اعلنت النقابة ان إضرابها مستمر للأسبوع الرابع على التوالي . وفي يوم الأحد عقد دولة الرئيس لقائاً صحفياً في دار رآسة الوزراء بحضور وزير التربية والتعليم ووزير الدولة للشؤون القانونية والناطق الرسمي بإسم الحكومة ، تحدث فيه دولة الرئيس عن تفاصيل ما جرى في موضوع الخلاف مع نقابة المعلمين حول مطالبهم من وجهة نظر الحكومة وأعلن عن لقاء جرى بينه وبين نائب نقيب المعلمين عُقد في منزله وان كل اللقاءات لم تسفر عن نتيجة ، كما اعلن زيادات ومن طرف واحد على رواتب المعلمين أورد تفاصيلها . واعلن عن العودة لمتابعة العملية التدريسية اعتبارا من اليوم الذي يليه طالباً من ذوي الطلبة إرسالهم لمدارسهم . كما تحدثت الناطق الرسمي بإسم الحكومة عن جولات المباحثات التي عُقدت مع النقابة على مختلف المستويات لإيجاد مخرج من هذه الأزمة وقالت انه في الجلسات الاولى لم تطرح أرقاماً للزيادات من أي طرف وانه في مرحلة لاحقة أخذت وزارة التربية والتعليم تطرح أرقاماً وتطلب من النقابة طرح أرقامها الا انها لم تكن تفعل وكانت دائماً تتمترس وراء مطالبها المسبقة . وفور انتهاء المؤتمر الصحفي اعلن نائب نقيب الصحفيين عن رفضه للزيادات التي ذكرها رئيس الحكومة وطالب بأن تعتذر الحكومة أولاً عما جري في يوم الخميس على الدوار الرابع وان تقر بعلاوة الخمسين في المائة . في الواقع ورغم ان الحكومة لم تلبي جميع مطالب المعلمين الا انها كانت تطرح أفكاراً وحلولا وتطلب من النقابة طرح أفكارها . الا ان النقابة كان طرحها ومنذ البداية هو ان تقر الحكومة العلاوة بواقع الخمسين في المائة وعلى ان تُدفع فوراً وكاملة غير منقوصة ولا مجزوئة ، بالإضافة لطلب الإعتذار وتشكيل لجنة تحقيق في احداث الدوار الرابع . التطور الوحيد الذي حصل من قبل النقابة في الفترات الأخيرة من جلسات الحوار هو القول ان على الحكومة ان تعتذر أولاً ، ثم ان تقر بعلاوة الخمسين في المائة بعدها نقعد على طاولة الحوار لنتناقش في آليات التنفيذ وذلك في تلميح منهم الى إمكانية بحث موضوع تجزئة هذه العلاوة على اكثر من سنة ، الا ان هذا الموقف كان يتلاشى عند اول حالة عصبية يتعرض لها نائب النقيب او الناطق الاعلامي بأسمها ويعودان لتكرار مطالبهما السابقة . وفي نفس يوم الأحد هذا صدر قراراً مستعجلاً عن المحكمة الإدارية في الشكوى التي كان قد رفعها اثنان من ذوي الطلبة ضد وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين والتي تطالب بإنهاء إضراب المعلمين والعودة لمقاعد الدراسة ، ثم قدما طلباً مستعجلاً لإيقاف الإضراب لحين البت في موضوع الشكوى . وقد ورد في قرار المحكمة على هذا الطلب بأنه ( وبفحص البينة المقدمة في الطلب فأننا نجد ان شروط الطلب متوفرة فتقرر المحكمة وقف تنفيذ قرار اعلان الإضراب المفتوح مؤقتاً الى حين البت في الدعوى ، قراراً صدر تدقيقاً قابلاً للطعن لدى المحكمة الإدارية العليا ) . هنا ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتحليلات والتفسيرات لهذا القرار ففي حين ذهب البعض الى انه واجب التنفيذ فورا دون انتظار انقضاء مدة الطعن والبالغة خمسة عشر يوماً لإحتمال ضياع هذا الحق على الطاعن خلالهما او تحقق الضرر الذي لا يمكن رده . وانه يمكن للشخص المتضرر من هذا القرار المؤقت الاعتراض عليه امام المحكمة الادارية العليا خلال المدة القانوية ، الامر الذي لا يعني وقف العمل بقرار المحكمة الإدارية بوقف الإضراب الا اذا رأت المحكمة العليا خلاف ذلك . فيما ذهب البعض الآخر الى ان القرار غير واجب النفاذ الا بعد مرور فترة الطعن به والمقدرة بخمسة عشر يوماً من غير طعن النقابة به ، وفي حال طعنها الى حين صدور قرار نهائي من قبل المحكمة الادارية العليا . وهم بذلك وللأسف يتجاهلون الغاية والهدف من القضاء المستعجل ويجعلون وجوده من قبيل العبث والقانون لا عبث فيه . وقد ورد ذكر القضاء المستعجل في المادة ٦ من قانون القضاء الإداري الاردني وان المحكمة الادارية مختصة بنظر الطعون المتعلقة بالقضايا التي تنظرها بما فيها وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤقتاً اذا رأت ان نتائج الاستمرار في تنفيذه قد يتعذر تداركها ، وان المحكمة لها ان تُلزم الطاعن بتقديم كفالة مالية تحددها لمصلحة الطرف الآخر مقابل أي ضرر يمكن ان يلحق يه نتيجة إيقاف القرار عند صدور القرار النهائي بالدعوة وان من حق المتضرر من إيقاف القرار الطعن بهذا القرار مام المحكمة الإدارية العليا . وهذا دليل على ان المشرع قصد إيقاف تنفيذ القرار المطعون فيه حالاً ومن غير اي تأخير مع احتفاظ الطرف الآخر بالتعويض حال ثبوت ان الطاعن غير محق بطعنه . وقد أكدت ذلك المادة ٢٨ من نفس القانون حيث نصت لا يترتب على الطعن امام المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذ الحكم المطعون به الا اذا امرت المحكمة بغير ذلك . وهذا النص يشمل جميع قرارات المحكمة الإدارية التي يطعن فيها امام المحكمة العليا سواء في اصل الدعوى او في القرارات المؤقتة ( المستعجلة ) . كما ذهب البعض الى القول ان قرارات النقابة غير قابلة للطعن بها امام المكمة الإدارية بأعتبارها ليست من أشخاص القانون العام متجاهلين اجتهاد المحكمة الإدارية العليا القضائي والذي صدر عام ٢٠١٧ والتي اعتبرت خلاله ان النقابات المهنية من أشخاص القانون العام وقراراتها قابلة للطعن امام المحكمة الادارية كما ذهب البعض للقول ان قرار المحكمة الادارية مخالف للدستور الاردني الذي يضمن لهم حق الإضراب ، متناسين بأن الديوان الخاص بتفسير القوانين سبق وان قرر عدم مشروعية الإضراب ومخالفته لأحكام الدستور والقانون ونظام الخدمة المدنية بسبب ما يسببه من أضرار بمصلحة الدولة . والبعض ذهب الى القول بعدم وجوب الأخذ بهذا القرار اعتماداً على دفوع تتعلق بأساس الدعوة والتي لا يمكن الحكم بصحتها او عدم صحتها الا مع القرار النهائي للدعوى والتي ذا أخذت المحكمة بهذه الدفوع يسقط القرار المستعجل حكماً . اما البعض الآخر فقد قدم اقتراحات غريبة تمكن النقابة من التهرب من تطبيق هذا القرار مثل ان تعلن قبول القرار وفي اليوم التالي تعلن الإضراب من جديد . والبعض قال ان النقابة تستطيع ان تجري تعديلا على قيمة مبلغ العلاوة التي تطالب به وجعله مثلاً ٥١ % مثلاً او ٤٩ % معتبرين ان القرار لن ينطبق على النقابة في هذه الحالة حيث ورد في قرار المكمة الادارية ان نسبة العلاوة ألتي تطالب بها النقابة هي ٥٠ % ولهذا اذا تغير المبلغ الذي تطالب به النقابة فأن هذا بوجهة نظرهم يلغي مفعول القرار على النسبة الجديدة ، متجاهلين ان القرار بتعليق بألإضراب وليس بقيمة العلاوة التى تطالب بها النقابة وان قيمتها ليست من اختصاص المحكمة الادارية أصلاً . كما ان هذه الإقتراحات تشير الى عزم النقابة على اطالة مدة إضرابها الى اطول مدة ممكنة والتي فد تستمر اشهراً ولو عن طريق استخدام وسائل احتيالية على القانون . وعلى اثر صدور قرار المحكمة الادارية فقد أصدر مجلس النقابات المهنية والذي كان يعقد اجتماعات له منذ اليوم السابق للتباحث في أزمة نقابة المعلمين بياناً تضمن دعمهم لنقابة المعلمين وبنفس الوقت الدعوة الى عودة الحياة الدراسية اعتبارا من يوم الاثنين ( الماضي ) حفاظاً على مصلحة الطلبة وتغليب لغة العقل والحوار والمنطق . الا انه لم تمضي ساعات على إصدار هذا البيان حتى أخذت بعض النقابات بأعلان مواقف مغايرة عن طريق دعمهم لمطالب نقابة المعلمين وحقها في الإضراب حتى تلبى مطالبهم ، ويبدوا انهم قد شعروا ان هذا البيان الذي صدر سوف يُشهر في وجههم من قبل الحكومة في مواجهة مطالبهم المادية حالياً او التي سوف تظهر مستقبلاً . اما بالنسبة لنقابة المعلمين فقد كان رد فعلها على هذا القرار انفعالياً بإمتياز متحدية السلطة القضائية وقررت رفض القرار او الامتثال له واعلنت استمرارها بالإضراب وانها سوف تطعن بهذا القرار خلال المدة القانونية . وان قالت انها تحترم القانون والسلطة القضائية والقضاء المستقل وذلك على لسان نائب نقيبها الذى واصل مسلسل تصريحاته الانفعالية والمتشنجة قائلاً غداً ألإضراب مستمر وهو حق دستوري ومحمي بالقانون ومجلس النقابة يتحمل المسؤولية عن كافة قرارات المجلس ، أدعو جميع الزملاء الى الإلتزام بقرار النقابة مطالباً الحكومة بتقديم الاعتذار والاعتراف بالعلاوة خاتماً حديثه بألقول نجوع معاً او نشبع معاً . كما دعى المعلمين الى عدم التعاطي مع كتب الوزارة الرسمية . وفي حديث لنائب النقيب لإحدى المواقع الإخبارية وعندما سأله هل تقبلون بتجزئة مبلغ العلاوة اذا عرضت الحكومة عليكم ذلك ، اجاب وبحدة لتقدم الحكومة اعتذارها للمعلمين ولتقر بعلاوة الخمسين في المائة وبعدين بنشوف موقفنا من التجزئة . هذا وفي نفس الوقت فقد استمرت فعاليات اعضاء النقابة في المحافظات المختلفة والتي رُفعت خلالها شعارات سياسية عالية السقوف . وفيما أصدرت وزارة التربية والتعليم مناشداتها الى ذوي للطلبة لارسال ابنائهم للمدارس وطلبت من الطلبة الالتزام بنصوص أسس النجاح والإكمال والرسوب المرتبطة بحضور الطلبة والتزامهم في الدوام ، فقد استمر المعلمين في غالبية المدارس تمسكهم في الإضراب بل ان بعضهم طرد الطلبة الذين حضروا للدوام الى خارج أسوار مدارسهم واغلقوا ابوابها في وجوههم على خلاف ما نصت عليه تعليمات الإضراب التي اصدرتها النقابة في بداية الاضراب . كما شهدت بعض المدارس مشاحنات ومشاجرات ما بين اعضاء الهئيات التدريسية وذوي بعض الطلبة . وفيما تهدد الوزارة بمزيد من الإجراءات العقابية بحق المعلمين المتمسكين بإضرابهم والحديث عن عزمها الاستعانة بمعلمي التعليم الاضافي مكان المعلمين المضربين تبقى المشكلة والأزمة قائمة ويزيدها توتراً مواقف بعض الداعين لدعم المعلمين من قبل المواطنين الذين يخلطون ما بين عدائهم للحكومة ورغبتهم في رحيلها وبين الصالح العام ومصلحة الطلبة الذين أصبحت الشوارع مرتعاً لهم فيما معلميهم استبدلوا قيامهم بواجبهم الأخلاقي والوظيفي بتناول الشاي والقهوة في المدارس وتحول البعض الى فتوة على ابوابها وبعضهم تحول في مواقع الاعتصامات الى ابواق تردد أقذع الكلمات التي لا تليق بمن هم مربي الأجيال القادمة وتعليمهم الأخلاق قبل المواد الدراسية . وفيما لا يلوح في الأفق أملاً بإنفراج قريب بهذه الأزمة بل على العكس من ذلك فأن الطرفان النقابة والحكومة يتجهان للتصعيد مما يجعلنا نتسائل الى أين نحن ذاهبين ؟ . او الى اين هم ذاهبون بنا ؟