الدستور : هل أضحى تعديل المادة ٧٤ ضرورة؟!
كنت دوماً من أنصار الدستور "الجامد" الذي لا يمكن تعديله إلَّا بإجراءات معقدة باعتبار أن الدستور وثيقة الدولة الأساسية التي تحدد الحقوق، والواجبات الأساسية، وتشكل عقداً اجتماعياً، وسياسياً راسخاً بين الأردنيين؛ قيادةً، وشعباً، وسلطات، ومؤسسات، بل بقيت من غلاة المتشددين في تفهم مدى إمكانية تعديل الدستور، وكنت من الذين نادوا بضرورة العودة لدستور (1952) وإلغاء كافة التعديلات التي طرأت بعد إصداره، ورافقت تطبيقه؛ اللهمَّ إلَّا في المسائل الضرورية التي تتوقف عليها إدارة الدولة، وحسن سير المرفق العام، سيّما وأن التجارب الإقليمية في تطبيق الدساتير المرنة أفضت إلى نتائج ألهبت مشاعر الفقهاء الدستوريين في النقد، والتحليل، والتحذير من عواقب "اللهو" بالنصوص الدستورية.
في لجنة الحوار الوطني التي أعقبت الثورات العربية في عام (2011) كان لنا موقف من بعض النصوص الدستورية بالإضافة، أو التعديل، أو الإلغاء؛ لتحقيق متطلبات الإصلاح الشامل الذي كان مطلباً جماهيرياً -وقتذاك- وتضمنت ديباجة عمل اللجنة كافة المقترحات التي رأتها في التعديلات التشريعية، والدستورية وعلى رأسها الهيئة المستقلة للانتخاب، والمحكمة الدستورية، وزيادة مدة الدورة العادية لمجلس النواب، ووجوب استقالة الحكومة التي نسبت بحل مجلس النواب خلال إسبوع من تاريخ الحل، وعدم جواز تكليف رئيس الوزراء الذي جرى بعهد حكومته حلّ المجلس، وكنت من الذين صوتوا على هذا التعديل؛ لحرصي على ضرورة توازن السلطات، وعدم تغوّل إحداها على الأخرى.
التوصية الأخيرة تلك المتعلقة بوجوب استقالة الحكومة التي يجري حل مجلس النواب في عهدها أخذت بها اللجنة الملكية لتعديل الدستور، وتضمنتها التعديلات الدستورية التي تم إقرارها بعد ذلك، في الفقرة ٢ من المادة ٧٤ من الدستور، وجرى تطبيق أحكام هذه المادة من قبل حكومتي الدكتور فايز الطراونة والدكتور عبدالله النسور، وما زالت آثارها باقية حتى الآن، لكن التجربة العملية أكدت على عدم صواب ما ذهبنا إليه آنذاك، وبدلاً من أن تكون أحكام هذه المادة ضمانة من عدم تغوّل السلطة التنفيذية على مجلس النواب في الحل، أضحت هذه المادة قيداً على الضرورات الديمقراطية للحل، وخاصة عندما يصبح التعايش بين الحكومة، ومجلس النواب صعباً، ويمسي الطلاق بينهما ضرورة وطنية، إلَّا أن الممارسة العملية أفضت إلى زواجٍ قسريٍ بين الطرفين لا يقبل الطلاق إلَّا بمرور عمر المجلس أياً كانت الأسباب والمبررات.
الآن ورغم قناعتي بوجوب استقالة الحكومة التي تحل مجلس النواب من الناحية السياسية، أرى ان واقع الحال لا يشي بما كنا نتمناه، وأن الضمان الحقيقي للحفاظ على المسار الديمقراطي، ووظيفة مجلس النواب يكمن في وجوب إجراء الانتخاب خلال أربعة أشهر من الحل، والعودة الى احكام دستور ( ١٩٥٢ ) في هذا الشأن، واعتبار الحكومة التي تقوم بإجراء الانتخابات حكومة موقتة وعودة مجلس النواب المنحل للانعقاد في حال عدم إجراء الانتخابات خلال تلك المدة، وضرورة وجود رقابة دستورية، وقضائية صارمة، ودقيقة على أي قيد لإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري المحدد، دون اشتراط ان لا يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة المكلفة بإجراء الانتخابات.
لم أعد أجد مبرراً لعدم جواز تكليف رىًيس الحكومة عند حل مجلس النواب، أو على الأقل لم أجد سبباً لعدم العودة لأحكام دستور (١٩٥٢) في هذا الصدد، ذلك أن التجارب السابقة أثبتت وجود نوع من التحالف الخفي بين الحكومة، ومجلس النواب في تأخير الحل لأقصى درجة ممكنة، وإذا كان المقام السامي يملك الحق الدستوري في إقالة الحكومة إلا أن حل مجلس النواب يتطلب تنسيب من الحكومة؛ الأمر الذي يشكل قيداً على صلاحيات جلالة الملك باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية لم يختبر بعد، ولكنه قابل للاختبار مع الوقت.
في كل الأحوال فإن الفقه الدستوري لم يعالج عوار تلك النصوص، ولم يحلل أهدافها، ومراميها، والقضاء الدستوري لم يتصدى لتفسير تلك النصوص، ودراسة مدى توافقها مع تدرج الصلاحيات وتكاملها؛ لأن قواعد اللعبة الديمقراطية في حجب الثقة ومنحها تتآكل امام هذا الواقع، ربما لأن المحكمة الدستورية لا تقبل إسلوب الدعوى المباشرة أمامها، وتقتصر في قبول طلب التفسير على طلب من الحكومة، أو مجلس الأعيان، أو النواب، أو في دفع مثار في قضية تقبله محكمة التمييز، ومن هنا فإن حلّ مجلس النواب مع وجود ضمانات دستورية لإجراء الانتخابات خلال أربعة أشهر أقل كلفة على الوطن من إسقاط الحكومات في الشارع، ولكي لا يفهم رأينا على غير مراميه فليكن التعديل في البرلمان القادم الذي سيتم انتخابه بعد عام،
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء....!!!
كنت دوماً من أنصار الدستور "الجامد" الذي لا يمكن تعديله إلَّا بإجراءات معقدة باعتبار أن الدستور وثيقة الدولة الأساسية التي تحدد الحقوق، والواجبات الأساسية، وتشكل عقداً اجتماعياً، وسياسياً راسخاً بين الأردنيين؛ قيادةً، وشعباً، وسلطات، ومؤسسات، بل بقيت من غلاة المتشددين في تفهم مدى إمكانية تعديل الدستور، وكنت من الذين نادوا بضرورة العودة لدستور (1952) وإلغاء كافة التعديلات التي طرأت بعد إصداره، ورافقت تطبيقه؛ اللهمَّ إلَّا في المسائل الضرورية التي تتوقف عليها إدارة الدولة، وحسن سير المرفق العام، سيّما وأن التجارب الإقليمية في تطبيق الدساتير المرنة أفضت إلى نتائج ألهبت مشاعر الفقهاء الدستوريين في النقد، والتحليل، والتحذير من عواقب "اللهو" بالنصوص الدستورية.
في لجنة الحوار الوطني التي أعقبت الثورات العربية في عام (2011) كان لنا موقف من بعض النصوص الدستورية بالإضافة، أو التعديل، أو الإلغاء؛ لتحقيق متطلبات الإصلاح الشامل الذي كان مطلباً جماهيرياً -وقتذاك- وتضمنت ديباجة عمل اللجنة كافة المقترحات التي رأتها في التعديلات التشريعية، والدستورية وعلى رأسها الهيئة المستقلة للانتخاب، والمحكمة الدستورية، وزيادة مدة الدورة العادية لمجلس النواب، ووجوب استقالة الحكومة التي نسبت بحل مجلس النواب خلال إسبوع من تاريخ الحل، وعدم جواز تكليف رئيس الوزراء الذي جرى بعهد حكومته حلّ المجلس، وكنت من الذين صوتوا على هذا التعديل؛ لحرصي على ضرورة توازن السلطات، وعدم تغوّل إحداها على الأخرى.
التوصية الأخيرة تلك المتعلقة بوجوب استقالة الحكومة التي يجري حل مجلس النواب في عهدها أخذت بها اللجنة الملكية لتعديل الدستور، وتضمنتها التعديلات الدستورية التي تم إقرارها بعد ذلك، في الفقرة ٢ من المادة ٧٤ من الدستور، وجرى تطبيق أحكام هذه المادة من قبل حكومتي الدكتور فايز الطراونة والدكتور عبدالله النسور، وما زالت آثارها باقية حتى الآن، لكن التجربة العملية أكدت على عدم صواب ما ذهبنا إليه آنذاك، وبدلاً من أن تكون أحكام هذه المادة ضمانة من عدم تغوّل السلطة التنفيذية على مجلس النواب في الحل، أضحت هذه المادة قيداً على الضرورات الديمقراطية للحل، وخاصة عندما يصبح التعايش بين الحكومة، ومجلس النواب صعباً، ويمسي الطلاق بينهما ضرورة وطنية، إلَّا أن الممارسة العملية أفضت إلى زواجٍ قسريٍ بين الطرفين لا يقبل الطلاق إلَّا بمرور عمر المجلس أياً كانت الأسباب والمبررات.
الآن ورغم قناعتي بوجوب استقالة الحكومة التي تحل مجلس النواب من الناحية السياسية، أرى ان واقع الحال لا يشي بما كنا نتمناه، وأن الضمان الحقيقي للحفاظ على المسار الديمقراطي، ووظيفة مجلس النواب يكمن في وجوب إجراء الانتخاب خلال أربعة أشهر من الحل، والعودة الى احكام دستور ( ١٩٥٢ ) في هذا الشأن، واعتبار الحكومة التي تقوم بإجراء الانتخابات حكومة موقتة وعودة مجلس النواب المنحل للانعقاد في حال عدم إجراء الانتخابات خلال تلك المدة، وضرورة وجود رقابة دستورية، وقضائية صارمة، ودقيقة على أي قيد لإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري المحدد، دون اشتراط ان لا يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة المكلفة بإجراء الانتخابات.
لم أعد أجد مبرراً لعدم جواز تكليف رىًيس الحكومة عند حل مجلس النواب، أو على الأقل لم أجد سبباً لعدم العودة لأحكام دستور (١٩٥٢) في هذا الصدد، ذلك أن التجارب السابقة أثبتت وجود نوع من التحالف الخفي بين الحكومة، ومجلس النواب في تأخير الحل لأقصى درجة ممكنة، وإذا كان المقام السامي يملك الحق الدستوري في إقالة الحكومة إلا أن حل مجلس النواب يتطلب تنسيب من الحكومة؛ الأمر الذي يشكل قيداً على صلاحيات جلالة الملك باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية لم يختبر بعد، ولكنه قابل للاختبار مع الوقت.
في كل الأحوال فإن الفقه الدستوري لم يعالج عوار تلك النصوص، ولم يحلل أهدافها، ومراميها، والقضاء الدستوري لم يتصدى لتفسير تلك النصوص، ودراسة مدى توافقها مع تدرج الصلاحيات وتكاملها؛ لأن قواعد اللعبة الديمقراطية في حجب الثقة ومنحها تتآكل امام هذا الواقع، ربما لأن المحكمة الدستورية لا تقبل إسلوب الدعوى المباشرة أمامها، وتقتصر في قبول طلب التفسير على طلب من الحكومة، أو مجلس الأعيان، أو النواب، أو في دفع مثار في قضية تقبله محكمة التمييز، ومن هنا فإن حلّ مجلس النواب مع وجود ضمانات دستورية لإجراء الانتخابات خلال أربعة أشهر أقل كلفة على الوطن من إسقاط الحكومات في الشارع، ولكي لا يفهم رأينا على غير مراميه فليكن التعديل في البرلمان القادم الذي سيتم انتخابه بعد عام،
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء....!!!