تصفير البيروقراطية ما بين إيلون ماسك وخير أبو صعيليك
![{clean_title}](https://johinanews.com/assets/2025-02-14/images/263092_15_1739554494.jpeg)
تصفير البيروقراطية ما بين إيلون ماسك وخير أبو صعيليك
صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
في صباح يوم أمس، وفي قلب القمة العالمية للحكومات في دبي، كنا على موعد مع جلسة حوارية استثنائية مع إيلون ماسك، حيث استعرض رؤيته الجريئة "لتحسين كفاءة الحكومات"، متحدثًا عن تفكيك البيروقراطية، وتقليص الهدر المالي، عبر مبادرته "وزارة الكفاءة الحكومية"، التي أطلقها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
أما في المساء، وفي بيت الأردنيين، وبدعوة كريمة من القنصل الأردني في دبي، السيد عاصم عبابنة، اجتمعنا مع مجموعة من المستشارين الأردنيين العاملين في دبي، في لقاء جمعهم مع وزير تطوير القطاع العام الأردني، الدكتور خير أبو صعيليك، ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء عبدالله العدوان، لمناقشة سبل تطوير الأداء الحكومي وتبادل التجارب والخبرات.
وبين الجلستين، كان هناك سؤال محوري يفرض نفسه: هل الإصلاح الحكومي يحتاج إلى "ثورة جذرية" كما يرى إيلون ماسك، أم أن "النهج التدريجي والتكيفي" كما يطرحه خير أبو صعيليك هو الطريق الأكثر واقعية؟
إيلون ماسك ووزارة الكفاءة الحكومية: بين الجرأة والجدل
في إطار تعهده بإصلاح الإدارة الفيدرالية، أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن مبادرة "وزارة الكفاءة الحكومية"، وأسند قيادتها إلى إيلون ماسك بالشراكة مع رجل الأعمال فيفيك راماسوامي.
تهدف المبادرة إلى "خفض الإنفاق الفيدرالي بمقدار تريليوني دولار" من إجمالي 6.75 تريليونات دولار، وهو ما يعتبره ماسك خطوة حتمية لضمان كفاءة الحكومة، معتقدًا أن تقليص البيروقراطية هو الحل الأمثل لدفع عجلة الإنتاجية.
لكن هذه المبادرة لم تمر دون جدل، حيث شكك الكثيرون في جدواها، لا سيما أن القوانين الأمريكية لا تسمح بإنشاء وزارات جديدة دون موافقة الكونغرس. ومع ذلك، لم يتراجع ترامب، مؤكدًا أن الوزارة ستعمل "خارج الإطار الحكومي الرسمي"، وستكون محدودة المدة، حيث سيتم حلها بحلول الذكرى 250 لاستقلال الولايات المتحدة في 4 يوليو 2026.
لكن السؤال الأهم: كم سيخفض "أبو صعيليك" من الإنفاق غير المبرر على القطاع الحكومي؟
بينما يسعى إيلون ماسك إلى إصلاح حكومي جذري وسريع عبر تقليص الوكالات وإلغاء اللوائح التنظيمية، يقود خير أبو صعيليك نهجًا أكثر تدريجية وتكيفًا في إعادة هيكلة الإدارة العامة في الأردن.
فهل يمكن أن يتبنى الأردن نهجًا مشابهًا لمبادرة ماسك، أم أن الطريق الأمثل للإصلاح هو التطوير التدريجي، دون هدم البيروقراطية بالكامل؟
"ماسك في مواجهة الدولة العميقة" وحربه على البيروقراطية ومشروع التحديث الأردني – من يملك الجرأة؟
إيلون ماسك لا يخفي عداءه للبيروقراطية، بل يراها سرطانًا ينخر في جسد الحكومات، حيث وصف الحكومة الأمريكية بأنها "متضخمة للغاية وإنفاقها غير مستدام" ومن وجهة نظره، الحل ليس في الترقيع أو الإصلاح التدريجي، بل في إعادة هيكلة شاملة وجذرية، تشمل تقليص عدد الوكالات الفيدرالية من 450 إلى 99 فقط، مؤكدًا أن العديد من الجهات الحكومية لا تضيف أي قيمة حقيقية، بل تعرقل سير العمل الحكومي وتعيق سرعة الإنجاز.
ويرى ماسك أن البيروقراطية ليست مجرد مشكلة إدارية، بل هي منظومة قديمة تعيش على التعقيد والتأخير، إذ أن بعض اللوائح والتنظيمات عفا عليها الزمن، لكنها لا تزال تُكبّل الأداء الحكومي دون مراجعة أو تعديل، ما يجعل الحاجة إلى إصلاح جذري أمرًا لا يقبل التأجيل.
التكنولوجيا كحل جذري: بين ماسك والوزير الأردني
إذا كان هناك سلاح فعال ضد البيروقراطية، فهو التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو ما يطرحه ماسك كحل أساسي لتحديث الحكومات. أحد الأمثلة التي يستشهد بها هو نظام التقاعد الأمريكي، الذي لا يزال يعتمد على ملفات ورقية تُخزّن في مناجم تحت الأرض في بنسلفانيا! وعندما سُئلت الحكومة عن سبب عدم رقمنة هذه العملية، كان الرد أن مشروع الرقمنة بدأ في 2014، لكنه بعد 11 عامًا لم يصل إلا إلى حرف "B" في الأرشفة الرقمية"!
ولكن في المقابل، هناك وزير تطوير إداري في الأردن يؤمن أيضًا بأهمية تحديث الإدارة العامة والاعتماد على التكنولوجيا، لكنه يقف أمام مفترق طرق حاسم:
- هل ستكون لديه الجرأة الكافية لاتخاذ قرارات حازمة وجريئة لإحداث قفزة نوعية في تحديث القطاع العام؟
- أم أن حساسية المشهد السياسي والإداري ستجعله يتردد، ويؤثر المسار التدريجي خوفًا من الارتدادات؟
بين الجرأة والتردد.. من يمتلك القرار؟
ما بين "النهج الثوري" لماسك و"الإصلاح التدريجي" في الأردن، يبقى التحدي الأكبر هو: هل يستطيع الأردن المضي قدمًا بجرأة في إصلاح بيروقراطي شامل، أم أن التغيير سيظل مقيدًا بحسابات الواقع؟
القرار بيد صناع القرار، لكن الفرصة لا تنتظر المترددين.
التجربة الأردنية في تحديث الإدارة العامة
على الطرف الآخر، يقود خير أبو صعيليك مشروع تحديث الإدارة العامة في الأردن، وفق رؤية متكاملة من الحكومة تستند إلى ثلاث مسارات رئيسية:
- التحديث السياسي عبر إصلاح قوانين الانتخابات والأحزاب.
- التحديث الاقتصادي لتقليل البطالة وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
- التحديث الإداري لضمان كفاءة المؤسسات الحكومية.
من بين الإصلاحات الرئيسية التي نُفذت، تم إعادة هيكلة ديوان الخدمة المدنية، حيث تم التحول من نظام التوظيف القائم على الدور إلى نموذج قائم على الكفاءات والجدارة، مما يضمن اختيار الموظفين الأكفأ للوظائف الحكومية.
كما شهد معهد الإدارة العامة الأردني نقلة نوعية، حيث أصبح التدريب الحكومي مرتبطًا باحتياجات المؤسسات الحكومية الفعلية، بدلًا من اتباع أساليب التدريب التقليدية غير الموجهة.
الذكاء الاصطناعي ومستقبل الخدمات الحكومية
يُدرك الأردن، مثل الولايات المتحدة، أهمية الذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات الحكومية. ولهذا، يتم العمل على إدخاله في عمليات التوظيف والتعيين، وتوسيع نطاق الخدمات الحكومية الرقمية، لتقليل الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف الحكومي.
وقد مرت رحلة التحول الرقمي في الأردن بثلاث مراحل رئيسية:
- تبسيط الإجراءات.
- رقمنة العمليات.
- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة.
اليوم، يعمل الأردن على إنشاء 15 مركزًا رقميًا للخدمات الحكومية، مما يساهم في تقليل البيروقراطية وتحسين تجربة المواطن، وفق ما أكده معالي الوزير خير أبو صعيليك خلال اللقاء.
وحديثاً تم تشكيل مجلس وطني جديد لـ«تكنولوجيا المستقبل» بمتابعة الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد وبرئاسة د. جعفر حسان، رئيس الحكومة، بهدف تعزيز مكانة الأردن كدولة متقدمة في مجال التكنولوجيا تتمتع باقتصاد ومجتمع رقمي مزدهر خصوصاً في ظل التنافسية العالمية لتبني واستخدام التقنيات الحديثة.
ما بين ماسك وأبو صعيليك: أي نموذج هو الأكثر نجاحًا؟
رغم أن كلاً من إيلون ماسك وخير أبو صعيليك يسعيان إلى تحديث الإدارة العامة، إلا أن نهجيهما يختلفان جذريًا، حيث يمثل كل منهما مدرسة إصلاحية مختلفة في التعامل مع البيروقراطية الحكومية:
- إيلون ماسك يؤمن بالنهج الثوري والجذري، عبر تفكيك البيروقراطية بالكامل، وإلغاء القوانين واللوائح التي تعيق الكفاءة، بحيث تصبح الحكومة أقل تدخلاً وأكثر رشاقة.
- خير أبو صعيليك يتبنى نهجًا تدريجيًا وتكيفيًا، يركز على إصلاح الأنظمة بدلًا من هدمها، وتحقيق تحول سلس ومستدام يحافظ على استقرار مؤسسات الدولة.
لكن السؤال الأهم: هل يمكن للحكومات أن تصل إلى "تصفير البيروقراطية" كما يريد ماسك، أم أن الحل الأكثر واقعية هو التطوير التدريجي كما ينفذه أبو صعيليك؟
الإجابة تعتمد على طبيعة كل دولة، ومدى تعقيد نظامها البيروقراطي. ففي الولايات المتحدة، قد يكون نهج ماسك ضروريًا بسبب التضخم الهائل في البيروقراطية الفيدرالية، بينما في الأردن، فإن التطوير التدريجي قد يكون الخيار الأكثر واقعية للحفاظ على استقرار المؤسسات الحكومية.
لكن في النهاية، سواء كان الحل "الثورة البيروقراطية" كما يقترح ماسك، أو "التحديث التدريجي" كما ينفذه أبو صعيليك فيما يشبه "الثورة البيضاء"، فإن الهدف الأسمى يبقى بناء حكومات أكثر كفاءة، وشفافية، وقدرة على مواكبة العصر.
وأنا، صالح الحموري، كخبير في التميز المؤسسي والتدريب والتطوير، وبخبرة تتجاوز 20 عامًا، أؤمن بأن "الثورة على البيروقراطية" والعمل على تصفيرها هو المفتاح الحقيقي لبناء مؤسسات أكثر كفاءة وإبداعًا في المستقبل. فالتحديث الإداري ليس ترفًا، بل ضرورة تفرضها تحديات العصر ومتطلبات التنمية المستدامة.
وكما قال جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين” :لا بد من الإسراع في تحديث القطاع العام، وصولًا إلى إدارة عامة كفؤة وقادرة على تقديم الخدمات النوعية للمواطنين بعدالة ونزاهة. وهذا نهج يجب أن يلتزم به."
إن تحقيق هذا الطموح يتطلب إرادة حقيقية، ورؤية واضحة، ونهجًا جريئًا في تبني الحلول الابتكارية، لأن المستقبل لن ينتظر من لا يواكبه.