مقالات مختارة
banner

الصادراتُ الأردنيةُ في مواجهةِ العاصفةِ الأمريكية: هل آنَ الأوانُ لبحثِ بدائلَ جديدة؟

{clean_title}
جهينة نيوز -

فارس متروك شديفات 
المحاضر والمدرب بالتمكين السياسي والاقتصادي. 

إعادةُ فرضِ الرئيسِ الأمريكيِّ دونالد ترامب تعريفاتٍ جمركيّةً متبادلةً على الوارداتِ الأمريكيةِ تُثيرُ مخاوفَ اقتصاديةً عالميّة، حيثُ يمكنُ أن تُؤدِّي هذه الإجراءاتُ إلى تبعاتٍ خطيرةٍ على الاقتصادِ الدوليِّ والتجارة العالمية.
فرضُ ترامب للرُّسومِ الجمركيّةِ قد يُؤدِّي إلى تضخُّمِ الأسعارِ، واضطرابِ الأسواقِ، وزيادةِ التوتراتِ التجاريةِ عالميًّا. وبينما تسعى الدولُ والشركاتُ إلى التكيُّف، يبقى التأثيرُ النهائيُّ مرهونًا بردودِ الفعلِ السياسيّةِ والاقتصاديّةِ في الأشهرِ القادمة.
تُواجهُ الدولُ الناميةُ والناشئةُ تحدّياتٍ متزايدةً في ظلِّ التغيراتِ الاقتصاديةِ العالمية، ومن بينها الأردنُّ، الذي يعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على التجارةِ الدوليةِ في دعمِه الاقتصاديِّ.
ومع فرضِ الولاياتِ المتحدةِ رسومًا جمركيّةً جديدةً على المُستورَداتِ، يتعيَّنُ على الأردنِّ وضعُ استراتيجياتٍ فعّالةٍ لتجنُّبِ التأثيراتِ السلبيّةِ على اقتصادِه الوطنيِّ، ولتقليلِ هذه التأثيراتِ وتعزيزِ استقرارِه الاقتصاديِّ.
في خطوةٍ أثارت موجةً من القلقِ في الأوساطِ الاقتصاديّة، أعلنت الولاياتُ المتحدةُ فرضَ رسومٍ جمركيّةٍ بنسبةِ 20% على الوارداتِ الأردنيّةِ، متجاوزةً بذلك النسبةَ المُطبَّقةَ على دولِ الشرقِ الأوسطِ والبالغة 10%، هذا القرارُ، الذي جاءَ دونَ سابقِ إنذارٍ، يُهدِّدُ بزلزلةِ أحدِ أهمِّ روافدِ الاقتصادِ الأردنيِّ، ويطرحُ تساؤلاتٍ مُلحَّةً حول مصيرِ اتفاقيّةِ التجارةِ الحرّةِ التي ظلَّت لسنواتٍ مسارًا أساسيًّا للتبادلِ التجاريِّ بين البلدين.
على وقعِ ما يحصل، يقفزُ إلى الأذهانِ السؤالُ حول اتفاقيةِ التجارةِ الحرّةِ: هل هي نعمةٌ أم نقمة؟ فمنذ عام 2001، شكَّلت الاتفاقيّةُ بين الأردنِّ والولاياتِ المتحدةِ بوّابةً ذهبيّةً للصادراتِ الوطنيّةِ، خاصّةً في قطاعِ المنسوجاتِ والملابسِ، الذي يُمثِّلُ لوحدِه ما يُقاربُ 78% من إجماليِّ الصادراتِ إلى السوقِ الأمريكية.
وبفضلِ الإعفاءاتِ الجمركيّةِ، نجحَ الأردنُّ في تحقيقِ فائضٍ تجاريٍّ مع الولاياتِ المتحدةِ تجاوزَ 1.24 مليار دولار عام 2024، لكنَّ هذا الإنجازَ أصبحَ اليومَ على المحكِّ.
الرُّسومُ الجديدةُ لا تعني مجرَّدَ زيادةٍ في التكاليفِ على المُنتَجِ الأردنيِّ، بل هي ضربةٌ مباشرةٌ لقدرةِ المنتجاتِ الأردنيّةِ على المنافسة. فمع ارتفاعِ الأسعارِ بنسبةِ 20%، قد تتحوَّلُ العينُ الاستهلاكيّةُ الأمريكيّةُ نحو موردينَ آخرينَ بأسعارٍ أقل، ممّا يُعرِّضُ آلافَ الوظائفِ للخطر، لا سيما في قطاعِ الملابسِ الذي يعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على العمالةِ النسائية.
وتُشيرُ تقاريرُ محليّةٌ إلى احتمالِ فقدانِ ما بين 10 إلى 15 ألف وظيفةٍ إذا تراجعت الصادراتُ بنسبةِ 20–30%، وهو سيناريو قد يُفاقمُ البطالةَ ويُضعِفُ الناتجَ المحليَّ الإجماليَّ.
القرارُ الأمريكيُّ، يبدو أنَّ توقيتَه ورسائلَه الخفيّةَ تُثيرُ تساؤلاتٍ حول الأجندةِ السياسيّةِ والاقتصاديّةِ الكامنةِ خلفَه. هل هو رسالةُ ضغطٍ لفرضِ شروطٍ جديدة؟ أم محاولةٌ لإعادةِ ترتيبِ أولويّاتِ التجارةِ الأمريكيّةِ في المنطقة؟ فالأردنُّ يُوجِّهُ رُبعَ صادراتِه إلى الولاياتِ المتحدةِ، ويبدو أنَّه الطرفُ الأكثرُ تضرُّرًا عربيًّا، ممّا يضعُ الحكومةَ أمامَ امتحانٍ عسيرٍ: إمّا الدخولُ في مفاوضاتٍ شاقّةٍ، أو البحثُ عن أسواقٍ بديلةٍ بسرعة.
ويبقى السؤالُ الأبرزُ: هل سيخوضُ الأردنُّ مفاوضاتٍ مع واشنطن لإعادةِ النظرِ في القرار؟ أم أنَّه سيتّجهُ نحوَ تنويعِ أسواقِه وتخفيفِ اعتمادِه على الولاياتِ المتحدة؟ في ظلِّ الغموضِ المُحيطِ بمستقبلِ اتفاقيّةِ التجارةِ الحرّةِ، يبدو أنَّ الاقتصادَ الأردنيَّ مُقبلٌ على تحدّياتٍ غيرِ مسبوقةٍ تتطلّبُ حلولًا جريئةً وسريعة.
في ظلِّ هذا المشهد، هل من مخرج؟ كالتنويعِ والمُفاوضة؟ وفي ظلِّ مُعطياتِ الواقعِ، تبرزُ دعواتٌ مُتزايدةٌ لتعزيزِ التبادلِ التجاريِّ مع أسواقٍ أخرى، مثلَ الاتحادِ الأوروبيِّ، وتركيا، وشرقِ آسيا، أو حتى استعادةِ الروابطِ مع الجوارِ الإقليميِّ (العراق وسوريا)، رغم التحدّياتِ السياسيّة.
كما أنَّ تطويرَ صناعاتٍ محليّةٍ قادرةٍ على المنافسةِ، ودعمَ القطاعاتِ الواعدةِ مثل الأدويةِ وتكنولوجيا المعلومات، قد يكونُ خيارًا استراتيجيًّا لتقليلِ الاعتمادِ على سوقٍ واحدة.
لكنَّ السؤالَ الأكبرَ يبقى: هل يملكُ الأردنُّ رفاهيةَ الوقت؟ القرارُ الأمريكيُّ قد يكونُ جرسَ إنذارٍ لإعادةِ هيكلةِ الاقتصادِ، لكن تنفيذَ ذلك يتطلّبُ إرادةً سياسيّةً وحُزمةً تحفيزيّةً سريعة.
فإذا ما فشلتِ الخططُ البديلةُ، فإنَّ العاصفةَ الجمركيّةَ قد تُخلِّفُ وراءَها أضرارًا يصعُبُ إصلاحُها.
وبينما تترقّبُ الأوساطُ التجاريّةُ خطواتِ عمّان المُقبلة، يبقى أحدُ الدروسِ واضحًا: الاعتمادُ المُفرطُ على سوقٍ واحدةٍ هو مقامرةٌ محفوفةٌ بالمخاطر.
والعاصفةُ الأمريكيّةُ، رغمَ قسوتِها، قد تكونُ الدافعَ الذي يحتاجُه الاقتصادُ الأردنيُّ كي يجدَ لنفسِه طريقًا جديدًا.
ورغمَ الصدمةِ الأوليّةِ للقرار، فإنَّ الأزمةَ الحاليّةَ قد تفتحُ البابَ أمامَ فُرصٍ جديدة.
فالتاريخُ الاقتصاديُّ يُعلِّمُنا أنَّ التهديداتِ غالبًا ما تدفعُ الدولَ إلى اكتشافِ نِقاطِ قوّةٍ لم تكن مرئيّةً من قبل.
فهل سنشهدُ تحوُّلَ الأردنِّ نحوَ تنويعٍ اقتصاديٍّ حقيقيّ؟ أم أنَّ الضغوطَ ستجبرُه على الرضوخِ لشروطٍ جديدة؟ الإجابةُ ربّما تكمنُ في السرعةِ والجرأةِ التي ستتعاملُ بها الحكومةُ مع هذا التحدِّي غيرِ المسبوق.
تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير