جديد الساحة السياسية الأردنية
![{clean_title}](https://johinanews.com/assets/2025-02-09/images/262786_10_1739133575.jpg)
حاتم النعيمات
تغيرات سياسية عميقة تشهدها الساحة السياسية الأردنية، إذ أمست الكثير من التيارات السياسية الكلاسيكية التي كانت تملك تأثيرًا على التوجه العام ضعيفة ولم يعد لها حضور مؤثر؛ فمعظم المشاريع العابرة للحدود التي كانت تنادي بها هذه التيارات تهاوت بسقوط الدول والإيديولوجيات الداعمة لها.
في الأردن، هناك ما قد يعتبر فراغًا سياسيًا، إذ أن معظم هذه القوى (المرتبطة بالخارج) انهارت في فترة زمنية قصيرة؛ فالبعثيون تراجعوا بسبب تغيير النظام في سوريا والعراق، واليسار الفصائلي ضعف نتيجة توافق المصالح الأردنية مع حركة فتح بعد وصول محمود عباس إلى السلطة وتمركز حماس في غزة، وأخيرًا، خسر الإخوان معظم الدول الداعمة لهم ماليًا ولوجستيًا بعد هزيمة الربيع العربي.
إن زوال هذا التشويش الخارجي المدعوم بأذرع داخلية، سيرفع يد الكثير من التيارات عن المزاج السياسي العام في البلاد، وسيخلق حتمًا تيارات وقوى جديدة قادرة على التعامل مع الشأن الأردني بفهم أعمق. وأقصد بهذا الفهم هو أن تكون النوايا الفكرية منبعها مصلحة الأردن كدولة وطنية، دون الارتهان للمؤثر الخارجي. وأود أن أؤكد هنا أن هذا لا يعني، بالمطلق، الانعزال عن المحيط، لكنه بالضرورة يعني أن أي تيار سياسي يجب أن تكون دوافعه محلية. وهذا بالمناسبة، يختلف عن مفهوم العلاقات الدولية، فالأخيرة من مهام السلطة الحاكمة، وليست من مهام أي فصيل سياسي عامل على أرض الدولة.
إن استغلال حالة الفراغ هذه يجب أن يكون عبر التأسيس لمنظومة جديدة لصناعة الرأي العام، من خلال الدخول بقوة في مفردات لغة النشء والأجيال الصاعدة ومخاطبتهم، خصوصًا أن هذه الأجيال لم تنشأ على صخب الخطاب الخارجي، بالتالي فإنها تحمل نقاءً يجب أن يتم الاهتمام به. لن يتحقق ذلك إلا عبر عقلية فذة تجمع بين الخبرة والقدرة على التواصل مع الجمهور. فالوقت مناسب اليوم لتشكيل رأي عام أردني يتحول في قادم الأيام إلى مصدر تأثير حقيقي لا مجرد متأثر بما يأتي من الخارج.
إن صناعة الرأي العام تتطلب القدرة على النظر إلى الأمور من جميع الزوايا، كما تحتاج إلى آلية دائمة لإعادة تقييم المواقف. باختصار، لا أتمنى أن تضيع هذه الفرصة التاريخية لتأسيس فكر سياسي أردني محلي قادر على تحمل تبعات الأدوار التي تحتاجها الدولة، لنستعيد دولتنا ونعود كما هو الحال في معظم دول العالم.
اليوم، وخصوصًا بعد السابع من شباط، نشهد تنامي تيار وطني جديد استطاع بذكاء التقاط معادلة الدولة والمنطقة، فتقدّم خطوة إلى الأمام ليصنع ببساطة شديدة حالة داعمة لمعركة الدولة ضد تقلبات المحيط الملتهب دون مقابل، ودون محاولة لاستغلال ظرف الدولة كما فعلت القوى القديمة.
لا تقبل الدول بطبيعتها، أي ذراع سياسية أو فكرية خارجية، ولكي لا يُساء فهمي، فأنا مع وجود تيارات سياسية متمايزة ومتنوعة، لكن بشرط أن تولد أهدافها ومنطلقاتها طبيعيًا من رحم المجتمع، لا أن تكون مستوردة. هذا ما نحتاجه في هذه المرحلة، ليواصل هذا البلد النهوض والصمود.