النخبة عبر مؤسسات ثلاث

بهدوء
عمر كلاب
استكمالًا لملاحظة غياب المسؤولين السابقين عن المشهد بالحزن أو العتب أو قلة الحيلة ، فإن معالجة هذه المعضلة تتطلب حلولًا جذرية يكون لها بناء مؤسسي قادر على تفريخ النخبة ويقلل من الرأي الشخصي في البناءات السياسية عبر إعادة تفعيل أبناء الدولة واستثمار خبراتهم لرفع سوية العمل العام , لوقف التلاوم وإنهاء حالة الانحسار العام في أعصاب الدولة الحساسة وقرون استشعارها المجتمعية .
يوجد فرصة سريعة لإنتاج نخبة على أسس مؤسسية قابلة للاستثمار والاستدامة دون إغفال الطريق الحزبي الرئيس , الذي يحتاج إلى وقت وإجراءات وإرادة حقيقية للخلاص من شخصنة المناصب العامة واعتماد مبدأ العلاقات السياسية والشخصية على قاعدة الموافقة الأمنية أو مباركتها, فالمؤسسات المقترحة هي ركائز للحياة السياسية والحزبية وليست بديلًا عنها , فالأصل أن تكون الحزبية والبرامجية هي الطريق لإنتاج النخبة وتوفير المسؤولين المؤهلين مع مؤسسات المجتمع المدني وكوادر مؤسسات الدولة .
المؤسسة الأولى والتي تحتاج فقط إلى قرار من وزير الخارجية هو نادي الدبلوماسيين أو جمعية لهم، بحيث تكون هناك مظلة للسفراء والدبلوماسيين السابقين للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم، بدل تركهم على مقاعد التقاعد وتبادل الآراء على الموائد والدعوات الشخصية , فمجموع السفراء في دولة واحدة أو منطقة قادرين على توفير صورة ورؤيا لصانع القرار كي يكون التعامل مع العالم وفق أسس منهجية وقواعد معرفية .
نادي الدبلوماسيين يحتاج إلى مقر يمكن توفير نفقاته من الاشتراكات والهبات وسيكون هذا النادي بيت خبرة سياسي قابل للتطور والتطوير وتوفير مستلزمات المعرفة من اشتراكات في وسائل الإعلام المختلفة من كل الدول التي نملك فيها تمثيلًا دبلوماسيًا لبقاء الدبلوماسيين على تواصل واطلاع مع مشهد تلك الدول والعالم الآن مفتوح من خلال الشبكة العنكبوتية التي توفر الاطلاع على كل الاصدارات مجانًا أو من خلال الاشتراك في المؤسسات البحثية والمجلات المحكمة .
المؤسسة الثانية التي نحتاجها وتخلق نخبة من طراز مهم ومختلف هي نادي القضاة , الذي سيوفر قاعدة استشارية مهمة للتشريع والتقاضي ويسند أجهزة الدولة في التعامل المهني والاحترافي في إدارة قضايا الدولة وتجويد المخرجات القانونية والتشريعية بدل حالة الانفلات التشريعي حيث بات كل قانون بحاجة إلى تعديل لحظة إقراره ودخوله حيز التنفيذ، فالسادة القضاة هم القادرون على معرفة خطايا وأخطاء واختلالات القوانين والتشريعات لكونهم المختبر التنفيذي التطبيقي وكلفة هذا النادي متوفرة ويمكن رفدها بسرعة ومهابة ووقار, فثمة نادٍ للقضاة موجود في الادراج ويمكن دعمه من خلال اقتطاع نسبة من غرامات القضايا حتى لا نرهق جيب المواطن والخزينة وهذا النادي سيكون مركزًا استشاريًا مهمًا في التعديلات والتشريعات بحكم امتلاك السادة القضاة خبرات متميزة سواء في المسائل الدستورية أو التشريعات المختلفة .
آخر بيوت الخبرة وإنتاج النخبة واستدامتها هي أندية الضباط التي كانت معلمًا بارزًا من معالم المحافظات أو أندية المحاربين القدامى فمؤسسة المتقاعدين العسكريين مهتمة بالشأن المعاشي والاقتصادي للمتقاعدين ولكن المطلوب الاستفادة من خبرات أبناء المؤسسة العسكرية الذين يملكون خبرات متقدمة في مجالات متعددة سياسية وتقنية وخدماتية بحكم تجاربهم السابقة ولديهم مقدرة تنظيمية مدهشة لإدارة الأفراد ما زالت غير مستغلة للصالح الوطني العام وهذا النادي يغطي مساحة الأردن كلها ويخلق نخبة ويشجع على وجودها في كل رقعة من رقاع الجغرافيا الأردنية ويكسر نمطية العاصمة واستئثارها بالنخبة فنحن في أمس الحاجة إلى نخبة المحافظات التي تشكو الوجع دومًا وتشكو أكثر من انحسار الوجود أساسًا.
هذه الأندية الثلاث يمكن أن توفر بيئة حاضنة لإنتاج نخبة وطنية بأسرع مما نعتقد مع الحفاظ على إرادة التوجه نحو العمل الحزبي البرامجي وضرورة وجود أحزاب قوية على المسارات الفكرية والاتجاهات السياسية الثلاث "وسط، يمين، يسار" وتوفير حماية حقيقية للحياة الحزبية بدل تكسير مجاديفها في كل مرة وهذه مسيرة تحتاج إلى وقت وإلى تغيير عقلية رسمية وتغيير سلوك اجتماعي وشعبي عانى كثيرًا من انتمائه الحزبي الذي كان عائقًا حتى في الوظيفة البسيطة ومنحة التعليم.
omarkallab@yahoo.com