banner
مقالات مختارة
banner

التحولات الاجتماعية والسياسية في رواية "جبل التاج"

{clean_title}
جهينة نيوز -

فواز الخلايلة

تعتبر رواية جبل التاج للروائي مصطفى القرنة من الأعمال الأدبية المهمة التي تتناول التحولات الاجتماعية والسياسية في فترة مفصلية من تاريخ الشرق الأوسط، وتحديدًا في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين كانت منطقة الشام تمر بتغيرات عميقة في بنية السلطة والنظام الاجتماعي. تجسد الرواية التوترات السياسية التي نشأت بعد انهيار الدولة العثمانية وصعود القوى الاستعمارية، مستعرضة تأثير هذه التحولات على حياة الأفراد والمجتمعات.

تدور أحداث جبل التاج في بيئة ريفية عميقة في الأراضي الأردنية، حيث يُرصد التغيير في بنية المجتمع بشكل دقيق. المجتمع في الرواية يواجه صراعًا بين القديم والجديد، بين القيم التقليدية التي كانت تحكمه طوال فترة العهد العثماني، وبين التحديات الاجتماعية والسياسية التي فرضتها الهيمنة الاستعمارية.

أحد أبرز الرموز الاجتماعية في الرواية هو حسن الطنبور، الشخصية القادمة من القدس بعد هزيمة العثمانيين. يتمثل حسن في جيل قديم يتسم بالثبات والتمسك بالعادات والتقاليد، في مقابل فارس الذي يعمل لصالح العثمانيين ويمثل الجيل الذي يساند السلطة القديمة ويسعى للمحافظة على النظام الذي كان قائمًا. عبر هذه الشخصيات، يظهر الصراع الاجتماعي بين الأجيال التي تشهد التحول التدريجي في القيم والأيديولوجيات.

من خلال الشخصيات الأخرى مثل جمشيد الذي يعمل مع الإنجليز ويوسف وزوجته، تتضح التباينات الطبقية والاجتماعية بين الأفراد الذين يمثلون هذا المجتمع ، حيث تتكشف التحديات اليومية للمواطنين العاديين الذين يتعاملون مع القوى الأجنبية بأساليب مختلفة، سواء عبر التكيف أو المقاومة.

 أما على مستوى التحولات السياسية، فترصد الرواية آثار انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، والتي شكلت بداية مرحلة جديدة من الهيمنة الاستعمارية في المنطقة. وينقل الكاتب عبر شخصياته تلك الفترة الفارقة التي شهدت انقسامًا بين ولاءات متعددة: الولاء للإمبراطورية العثمانية التي انهارت، والولاء للإنجليز الذين دخلوا المنطقة بقوة.

تُظهر شخصية جمشيد، الذي يعمل مع الإنجليز، التغيرات السياسية التي فرضتها القوى الاستعمارية، وخصوصًا تأثيرات اتفاقيات سايكس-بيكو. أما فارس، فيمثّل الصراع مع الإنجليز ومحاولات الاستمرار في النظام الذي كان سائدًا. من خلال هذه الشخصيات، يقدم الروائي صورة عميقة للتنافس بين القوى الكبرى في المنطقة.

إحدى اللحظات السياسية المفصلية في الرواية هي صورة سكة حديد الحجاز، التي كانت مشروعًا عثمانيًا كبيرًا، ورمزًا للهيمنة العثمانية في المنطقة. يصف الكاتب كيف أن هذا المشروع الذي بدأ بنجاح أصبح جزءًا من الصراع السياسي بعد هزيمة العثمانيين، مما يعكس التغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة.

يمثل جبل التاج في الرواية رمزًا للتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها المنطقة. الجبل، الذي يطل على المنطقة ويوفر منظورًا شاملاً، يُستخدم للتعبير عن الثبات في مواجهة التغيير، بينما تُظهر الحكايات والشخصيات كيفية التكيف أو المقاومة للتغيرات الحاصلة.

أما وادي الرمم والجسور العشرة، فهما من التفاصيل الرمزية التي تشير إلى العوائق والتحديات التي تواجه الأفراد والمجتمعات في محاولاتها للتغيير. تعكس هذه التفاصيل الطبيعة الصعبة للصراع الاجتماعي والسياسي، وكيف أن التحديات تكون جزءًا من الطريق نحو التغيير أو الانهيار.

رواية جبل التاج هي عمل أدبي يتناول بذكاء التحولات الاجتماعية والسياسية التي عاشتها منطقة الشام في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى. عبر شخصياتها المتعددة وصراعاتها المعقدة، يقدم مصطفى القرنة صورة حية لتأثيرات انهيار الإمبراطوريات القديمة وصعود القوى الاستعمارية. تتجلى قوة الرواية في قدرتها على ربط الشخصيات بتفاصيل تاريخية دقيقة، ما يعزز من فهم القارئ لتلك الحقبة المعقدة وما خلفته من تحولات عميقة في المجتمع والسياسة.
تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير