الكيزر والجامعة الخاصة وقروض السكن
جهينة نيوز -زمان وأقصد حتى مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، كان الحصول على الماء الساخن للاستحمام بطرقه التقليدية، التسخين عبر الغاز، والبابور أو البريموس كما يقال، إذ يشعل البابور في الحمام، فيزود المستحم بالدفء والماء الساخن أيضاً، وفي أوائل الثمانينيات دخل الكيزر للبيوت، مع طفرة البناء التي احدثتها عملية منح الناس القروض عبر البنوك.
لم يكن سهلاً أن يقدم مواطن على قرض اسكان من البنوك الموجودة آنذاك وهي محدودة في هذه الخدمة، إلا إذا كان موظفاً، وأذكر أن أول من اخذ قرضا من البنك في قريتنا كان استاذا يعمل في وزارة التربية، وآنذاك بدأ حديث الناس عن الربا والحرام، لكن المعلمين دوما يقودون الناس للجديد، وتطور الأمر لاحقاً إلى منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، وكانت أسعار الاسمنت والحديد جيدة، وبدأ الناس يعمرون طابقاً ثانياً في القرى، وبدأت القروض تشعل المنافسة بين فلان وفلان، وبدأ التعمير، ودخل الكيزر كعنصر جديد في العمار الريفي، وسكن الناس البيوت الجديدة، وبعضهم حدّث بيته القديم، وكانت فاتورة الكهرباء تأتي بحدود من 5-7 دنانير، وإذا ما ارتفعت إلى حدود العشرة دنانير، يحدث كارثة منزلية، فيعصب الأب ويحدث الارتباك، وغالباَ ما تكون مسؤولية الارتفاع على الكيزر الذي يصُب الغضب عليه، كان الناس آنذاك بسطاء، وحياتهم ابسط وتكاليف العيش أقل من اليوم. والصراخ على الكيزر حين تنفذ المياه منه ويكون هناك شخص يستحم هو قصة ودراما منزلية.
لاحقاً مع مطلع التسعينيات بدأت القروض تجتاج الاقتصاد وتحول الناس إلى النمط الاستهلاكي، حتى رحلات العمرة صارت بالأقساط، وكذلك شراء الأثاث والسيارات، التي توسع الناس بشرائها ورهنها للبنوك بعد العام 1999 حيث تم تخفيض رسومها الجمركية.
ظهرت مطلع التسعينيات الجامعات الخاصة،، وأصبح هناك توسع بالجامعات الخاصة وكان يفضل تحديد عددها بحيث لا تزيد عن خمس جامعات؛ لانها اصبحت فيما بعد سبيلاً لبطالة مؤجلة، بعد الثانوية، فزاد عدد الخريجين وتكدست طلبات من مئات الآلاف في ديوان الخدمة المدنية، وقد انهى التوسع في فتح الجامعات الخاصة والحكومية كليات المجتمع والدبلوم، وهذا أحدث خللاً كبيراً.
زمان كانت القرية أو الحي يتخرج منهما في الثانوية من 2- 3 للجامعة ويذهبون في رحلة هجرة علمية لليرموك او الأردنية، والبقية فبعضهم إما يدرس دبلوما أو يعمل بشركة أو يربي حلالا او يفتح مصلحة أو يذهب للجيش، أما اليوم فبات كل من ينجح بالثانوية يذهب للجامعات على اختلافها، والتي اصبحت اشبه بمدارس كبرى في كل محافظة، فتدحرجت كرة البطالة واختلت المعادلة بين السوق والطلب.
أيضاً زاد عدد البنوك والمؤسسات المانحة،، ولدينا اليوم 26 بنكا بين وطني وعربي واجنبي وإسلامي. هنا كثرت القروض، وتوسع الاقتراض الشعبي وارتهن المواطن للبنوك، في سبيل سيارته او تدريس ابنه وبيته وزواجه. ولم تزداد الدخول إلا قليلا. فصرنا كمواطنين مزودي فوائد للبنوك.
المهم أن هذه التحولات في الخدمات والبناء والتعليم والاقتصاد، لم يصاحبها دعم للقطاع الزراعي او الحرفي، بل هشمت الزراعة والثروة الحيوانية، زمان كان أفضل الناس قدرة على تعليم أولادهم من يملك الغنم أو الحلال؛ لأنه لا يحتاج لبنك، وإنما على الموسم يؤمن رسوم الأبناء، أما اليوم بعنا كل شيء واقترضنا لكل شيء وانتشرت موضة الخدامات التي يجب التفكير جيدا في تقنين اقتنائها وربطها بالدخل ودعمها بالاعفاء من الإقامة للكبار وهو ما يحدث حالياً.