banner
كتّاب جهينة
banner

عودة الهند إلى الشرق وتنافسها مع الصين

جهينة نيوز -

عودة الهند إلى الشرق وتنافسها مع الصين

أنس الطراونة 

 

تاريخيًا , جلب التجار الهنود الذين أبحروا تجاه الشرق - أي عبر خليج البنغال وجنوب شرق آسيا – علاقات وثقافات لمنطقتهم مع ماليزيا وإندونيسيا والهندوسية والبوذية. من ثم ربطت هذه العلاقات بعضها البعض لدرجة تشكلت فيها أبهى الصور ، حيث تطرق رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" إلى علاقاتهم الثقافية والدينية المشتركة من خلال دبلوماسية القوة الناعمة كجزء من سياسة حكومته في الشرق.

ينظر "ناريندرا مودي" للاصلاح الهندي بنظرة قومية من خلال 1.85 مليار شخص وناتج محلي إجمالي مجتمع 3.8 تريليون لتوسيع الروابط الاقتصادية والاستراتيجية للهند في المنطقة ، لكن السياسة الشرقية حسب قانون الرئيس مودي يقودها مجموعة من العوامل. وتشمل هذه الجهود الانتقال الى عاملين مهمين : أولاً - موازنة صعود النفوذ الاقليمي الصيني , ثانيا - تعزيز صادرات الخدمات والسلع الهندية وتحفيز تنمية الجناح الشمالي الغربي الفقير في البلاد من خلال مشروعات البنية التحتية التى تربط الهند بميانمار وتايلاند وما وراءها. 

ومع ذلك ، هناك عدة عقبات تقف بين الهند وأهدافها، بما في ذلك "الحواجز الحمائية" في دول جنوب شرق آسيا للتجارة في قطاع الخدمات ، والقيود المالية المحلية التي تعرقل التقدم في مشاريع البنية التحتية والحجم المحدود لقطاع التجارة الهندي.

- نقطة تحول

في عام 1991، أدى الاستنزاف شبه التام لاحتياطيات النقد الأجنبي في الهند إلى حدوث أزمة في ميزان المدفوعات تطلب ذلك تدخل الطوارئ من صندوق النقد الدولي. وبينما تكشفت تلك الأزمة، شاهدت الهند انهيار أقوى شريك لها آنذاك وهو الاتحاد السوفييتي. هذا الانهيار في النظام العالمي أعطى رئيس الوزراء "ناراسيمها راو" ووزير المالية، "مانموهان سينغ"  الفرصة للمضي قدماً في عمليات إزالة القيود والعولمة الجارية في البلاد بطريقة أكثر فئوية، مما يمثل نقطة تحول بالنسبة لاقتصاد الهند.

استهدفت الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها "سينغ" في سياسة البلاد للتحول الى الصادرات والاستثمارات الاجنبية كوسيلة لتعزيز النمو الموجه نحو التجارة. ومع تسارع النمو الاقتصادي بدأت الهند في فتح نفسها أمام العالم، حيث بدأت شرقا نحو الاقتصادات سريعة النمو لرابطة دول جنوب شرق اسيا / الاسيان . وكانت مبادرة "نظرة الشرق" جزءا من جهد واعي من الحكومة لإعادة توجيه التجارة الهندية نحو آسيا. بعد ذلك أصبحت التجارة مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا قد توسعت من 2 بليون دولار في عام 1992 إلى 72 بليون دولار في عام 2012.

- قانون الشرق

منذ دخوله منصبه في عام 2014، سعى الرئيس مودي إلى المزيد من إلقاء الضوء على سياسة خارجية أكثر طموحا وعمليا لترفع من مكانة الهند العالمية. وتعتبر الدبلوماسية الاقتصادية عنصرا أساسيا في سياسة مودي الخارجية: فاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة يسهم في النمو الاقتصادي. ومن شأن الارتفاع المتوقع في الإيرادات الضريبية , أن يسمح للحكومة بزيادة ميزانيتها الدفاعية لإنفاق المزيد على قواتها البحرية، مما يزيد من قدرتها على تقديم الطاقة على نحو أكثر فعالية. وكجزء من ذلك أعلن مودي خلال قمة شرق آسيا في 2014 أنه كان يرفع مستوى نظرة الشرق إلى قانون الشرق، مما يدل على أن الهند توسعت نطاق مشاركتها خارج نطاق الآسيان لتشمل قوى إقليمية أخرى، بما في ذلك أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان.

يشكل تعزيز تنمية الجناح الشمالي الشرقي الفقير للهند هدفا اقتصاديا رئيسيا آخر من أهداف قانون الشرق. وبسبب ضعف البنية التحتية في المنطقة التي تشترك في حدودها 1،674 كيلومترا مع ميانمار فان معظم التجارة بين الهند وشركائها من الآسيان تجرى عن طريق البحر. ولتصحيح هذا الوضع، عملت نيودلهي على مشروعين رئيسيين للبنية التحتية هما الطريق السريع الثلاثي بين الهند وميانمار وتايلاند , ومشروع كالادان متعدد الوسائط للنقل. والذي يربط الطريق السريع موره في مقاطعة مانيبور بمقاطعة تاك في تايلاند ويوفر طريقا برى تجاريا الى جنوب شرق اسيا. يذكر ان مشروع كالادان الذى بدأ في عام 2008 سيربط مدينة كلكتا الساحلية الهندية في ولاية البنغال الغربية بميناء سيتوي فى ولاية راخين فى ميانمار ويمتد الى ولاية ميزورام شمال شرقي الهند. غير أن القيود المالية وأوجه قصور إدارة المشاريع كثيرا ما تؤدي إلى بطء تطوير البنية التحتية في الجناح الشمالي الشرقي الوعرة، مما يشير إلى تأخيرات في إكمال الصلة بين المنطقة، وهذا ما يشير بدوره إلى أن "التجارة البرية في الهند ستظل متخلفة عن التجارة البحرية

- حراسة المحيطات

في حين أن التجارة مهمة ، فإن ما يميز قانون الشرق عن غيره هو تركيزه على تعزيز الدور الأمني الإقليمي للهند داخل دول الآسيان وخارجها، حيث يسعى في الدرجة الأولى إلى الحفاظ على الطموحات البحرية الإقليمية للصين. وفي هذا الصدد، فإن التنافس المشترك مع الصين يقود الهند واليابان والولايات المتحدة نحو تعاون عسكري أوثق – ظهر ذلك من خلال التدريبات البحرية السنوية في مالابار التي جرت هذا العام في خليج البنغال- . لكن إذا استمرت الصين في تأكيد سيادتها على المنطقة ، فإن هذا الاتجاه من التعاون الأمني بين الدول لن يتعمق .

وبالاضافة الى ذلك تقوم نيودلهي وطوكيو باقامة علاقات ثنائية أقوى , عن طريق رغبة زيادة التعاون في مكافحة الارهاب والمناورات العسكرية المشتركة. ومن الناحية الاقتصادية، وعدت اليابان باستثمار 35 مليار دولار في الهند على مدى السنوات الخمس المقبلة . ويشمل ذلك اتفاقا مشتركاً لبناء خط سكك حديدية بين مومباي وأحمد آباد بحلول عام 2022. فهذا ما يعتبر رداً على "مبادرة الحزام والطريق الصينة"، حيث يعزز كل منهما ممر النمو الآسيوي الأفريقي، ومجموعة من مشاريع البنية التحتية والتنمية . 

تثير الشكوك والمخاوف حول نتائج الحوار الرباعي المُرتقب والذي كان محصورا لعقد من الزمان خلال قمة شرق آسيا في هذه الفترة . بالنسبة للهند فهي تتضمن إستراتيجية مزدوجة مع واشنطن لفرض تكاليف ثانوية على الصين تحديدا على الجبهة البحرية وغزوها لها . كما أنه في إشارة دبلوماسية بالإضافة الى الأهمية التي يوليها البيت الأبيض للهند كمرساة غربية لإستراتيجيتها لمواجهة توسع الصين .. أبدت الإدارة الأمريكية استعدادها لاستخدام مصطلح " الهند - الباسفيك" بدلاً من "منطقة آسيا - الباسفيك".

وفي الوقت الذي تسعى فيه الهند لتوسيع وجودها الاقتصادي في جنوب شرق آسيا وخارجها، فإن صعوبات تأمين الوصول إلى أكبر الأسواق والبطء في تطوير بنيتها التحتية ستحد من دفعها نحو مزيد من العلاقات التجارية مع التصدي للتحديات الأمنية الإقليمية والداخلية في جنوب آسيا . بيد أن صعود الصين سيدفع الهند إلى تأكيد وجودها البحري في المنطقة إلى جانب الولايات المتحدة.

نرى ذلك من خلال زيارة ناريندرا مودي إلى واشنطن عام 2015، حيثُ قال :  "عندما أنظر الى الشرق ، أرى الشواطئ الغربية للولايات المتحدة , أما بالنسبة إلى نيودلهي، فهي منطقة سيختلط فيها الماضي مع الحاضر ليتشكل مستقبله".

تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير