banner
أخبار محلية
banner

إشهار "خرائط النسيان" لمحمد رفيع في "شومان"

{clean_title}
جهينة نيوز -
إشهار "خرائط النسيان" لمحمد رفيع في "شومان"


 الانباط-عمان
نظمت مكتبة عبد الحميد شومان العامة، مساء أمس الأربعاء، حفل توقيع وإشهار رواية 'خرائط النسيان' للروائي المهندس محمد رفيع.
وقال الزميل الصحفي وليد حسني في قراءة له بالحفل الذي يأتي ضمن برنامج قراءات في المكتبة، وأداره الباحث الدكتور زهير توفيق، 
لا أبدو هنا ناقدا أدبيا بالمفهوم التقليدي الراسخ في خرائط التثقيف، وحبائل التصنيف، ولست معنيا تماما بالقيام بهذه الوظيفة، وبالأمس كنت أحاور نفسي على جداري الخاص "الفيس بوك "قائلا( المؤلف يعبث، والقاريء يلهث، و الناقد يمتهن عملا خبيثا )، وعلى غير عادته لم يضع محمد رفيع إعجابه او تعليقه، وسألت نفسي"لماذا لم يفعلها في معاندتي على غير عادته"، ولمعاندته عدت كاتبا على ذات الجدار معلنا الدعوة لقتل محمد رفيع مساء هذا اليوم هنا في هذه المؤسسة الشامخة، والبارة بنا كأم، حينها كتب لي "دعوة للقتل كأنها عبادة في ثقافتنا"، فاسترخيت كثيرا" وقلت في نفسي" هذا الرجل يتقن العبور"..

"خرائط النسيان" حكاية الراوي الساحر الذي يبدأ سرديته "من ثقب الباب" وينهيها بفقدانه لبصره بسبب "لطخة دم " أصابته من ثقب الباب الذي كان ينظر منه لواقعنا، فكفت عينه" عن ممارسة القدرة على الإبصار" [1].

هذا ما يمثل بالنسبة لي جزءا من "ثقب باب الرواية "، فـ " قراءة الخرائط " تحتاج وبالضرورة لـ " تبصر المستقبل، ورؤية الواقع بببصيرة" تجتاز الرؤية الى "رؤيا" القادمات من المستقبل المجهول، وهذا ربما ما يتسق تماما مع مناخ الرواية التي تتكيء على الالتقاطه الذكية التي بنى الراوي رفيع روايته على أساسها وهي المزاوجة بين حادثة اغتصاب "فتاة العتبة" التي حدثت فعلا في شهر آذار مارس سنة 1992، في ميدان العتبة في شهر رمضان وامام الناس، والعدوان الثلاثيني على بغداد.

هذه الفكرة لم يوظفها احد من قبل محمد رفيع في نسيج روائي مكتمل ــ على حد علمي ــ، ومن حادثة العتبة، والعدوان على بغداد يمنح الراوي لنفسه بناء سرديته على مدى عشر سنوات حين يتم احتلال بغداد، ليعود مرة أخرى وفي ذات المناخ السياسي لتمثيل حادثة الإغتصاب لكن هذه المرة على المسرح وبمشاركة شخصية مباشرة من ضحية العتبة "فاتن الخزندار" مقابل 70 الف دولار، وهذا ما لا يخفيه الراوي "فكرة تمثيل فاتن حدث الإنتهاك مرتين كتجسيدٍ لا واعٍ لحال بغداد "[2]،

"خرائط النسيان" سيرة لمسرحي عربي "يوسف المعني" يمثل بالنسبة لي حالة النخبة العربية المثقفة الخائفة والمرتجفة التي لا تقوى على إحداث أي تأثير أو تغيير في مجتمعها، فيوسف المعني كان خطيب" فتاة العتبة"، وحين تعرضت للاغتصاب امام الجمهور لم يستطع فعل شيء لها، لم يدافع عنها، ولم يتقدم ليكون في مواجهة مغتصبيها، وبدلا من ذلك أصيب بمرض نفسي وانزوى بعيدا عن واقعه وعن حياته.

هذه هي الصورة التي يقدمها محمد رفيع لحال المثقف العربي، قد كان يوسف المعني قبل حادثة اغتصاب خطيبته في ميدان العتبة سنة 1992 يلقي في القاهرة محاضرة بعنوان"تأثير المسرح في الوعي العربي "، وبعد عشر سنوات إبان تهيئة المسرح العربي والدولي  لاحتلال بغداد يعيد يوسف ذات المحاضرة ولكن هذه المرة في عمان وبتغيير في العنوان لتصبح" تأثير الواقع في المسرح العربي"[3]، و من "المؤكد ان بغداد كانت هي المبتدأ والمنتهى والخبر في محاضرة  يوسف، أو قل "كانت مسرح ربيع فرجة العرب آنذاك".[4]

ثمة ما يقوله محمد رفيع هنا عن المؤثر والمتأثر، عن الواقع في مواجهة الفكر والوعي، ففي القاهرة سنة 1992 أصبح الوعي غائبا ومعطلا ولا أثر للمسرح في خرائط الوعي، حتى إن يوسف نفسه"غاب عن الوعي أشهرا بعد مشاهدته مسرحية اغتصاب خطيبته"، وكأن المؤلف يقول لنا إن الوعي لا يقوى على مواجهة الواقع، والمثقف غائب وبطريقة مواربة يقول رفيع"يا إلهي.. كم يتسمَّر المكان والزمان في نفوس مرضى ثقافة العرب !"[5].

يعني وبالضرورة ان ثقافة العرب ومثقفيهم موتى بلا أي حياة او تأثير، فالموتى او فاقدي الوعي هم وحدهم من تتساوى لديهم حركة الزمان وتغيرات المكان.

ولعل أهم ما تريد "خرائط النسيان" تأكيده لنا هو إدانة الجمهور العربي، الشارع والناس، حتى المسرحية المرتجلة التي كان يوسف المعني يريد عرضها في عمان ضمن"المسرح المرتجل" كانت تنبني على إشراك الجمهور في إعادة الفرجة على حادثة إغتصاب خطيبته، تنفتح الستارة على حادثة الإغتصاب مباشرة وبين الجمهور، هنا يعيد يوسف المعني إدانة الجمهور الذين مارسوا الفرجة في العتبة، ليعودوا ويمارسوا الفرجة مرة ثانية في مسرحية مرتجلة لا تتجاوز مدتها ست دقائق" ففكرة مسرحية العتبة لا تقوم على إعادة تمثيل جريمة، بل تقوم على محاولة الربط بين الواقع وبين المسرح، وتحويل  كل من عناصر الطرفين إلى مشاركين فعليين في حدث واحد هو الجريمة والفرجة معا "[6].
ما الذي يريد محمد رفيع قوله هنا بالضبط؟ وما هو نص الاتهام ؟.
أظنني فهمته كقاريء مرتجل أيضا، إنه يدين الجمهور بوضوح، ويحمله المسؤولية التامة عن حادثتي اغتصاب فاتن الخزندار في ميدان العتبة في القاهرة، والحرب على بغداد، ففي الحادثتين مارس الجمهور الفرجة ولم يدافع عن شرف الخزندار وبغداد بالرغم من استطاعته، لكنه"فاقد للوعي تتساوى لديه حركة الزمان والمكان"، ويتساءل" هل كانت هنالك علاقة بين مشهد عجز الناس العام عن فعل أي شيء إزاء قصف بغداد الأول، أو تأثير ما مباشر أو غير مباشر، وبين رد الفعل العام بما في ذلك رد يوسف نفسه لما وقع مع فاتن في ميدان العتبة.. هل يمكن لإمتهان الكرامة الجماعية للناس أن يؤثر على إحساس الفرد بكرامته الذاتية، أو بسلوكه العام"[7].

"تلك هي العتبة يا صديقي، عتبة العرب في العبور من الواقع الى المسرح، وبالعكس"[8]، وجريمة اغتصاب قام بها مجتمع بأكمله، اغتصاب فعلي، واغتصاب المجتمع لأخلاقه وقيمه الجماعية والعامة من خلال الفرجة "[9]، وجمهور يتفرج على جمهور، وكلاهما يمارس فرجة على انتهاك نفسه وقيمه وأخلاقه "[10].

ما يقرره رفيع في "خرئط النسيان" بكل وضوح ودون النظر من"ثقب الباب" أن المجتمعات العربية عاجزة تماما، غائبة عن الوعي، لا تدافع عن مصالحها، وتتقن الفرجة على نفسها، حتى إبان احتلال بغداد، هي ذات الفرجة تتكرر هنا دون أن يقدر الجمهور العربي على فعل شيء.

في القصف الأمريكي البريطاني على بغداد سنة 1992 "شاهده الناس كعرض مسرحي بلا دماء ولا بشاعة، وتوقف تأثيره في نفوس الناس عند حد الإعتياد على مشاهدة إنتهاك جماعي لعاصمة عربية، وعكس هذا الفعل نفسه على ردة فعل الناس الواقعية في القاهرة، ومارسوا الفرجة والحياد الجماعي على حالة انتهاك فردي هي في جوهرها انتهاك لقيم وثوابت وأخلاق المتفرجين أنفسهم"[11].

هنا تكتمل لائحة الإدانة والإتهام للناس وللجمهور، فما يجري من انتهاك لبغداد هو انتهاك للجمهور الذي أتقن الفرجة، تماما كما كانت الصورة عليه في حادثة "العتبة"، يكرر رفيع لائحة اتهامه قائلا".. فرجة سلبية يمارس فيها على الفرد كل حالات الإنتهاك المعنوي التي يرفضها عقله، وترفضها قيمه وأخلاقه، مع عجزه الواعي عن فعل أي شيءء لوقف ذلك الإنتهاك، فالبيوت العربية استحالت في الأسابيع الأخيرة إلى مسارح عائلية مغلقة لجلد الذات العربية الجماعية، فترقب أحوال العراق، ومتابعة التلفاز جعل من مشاهدة الأخبار حالة انتهاك متواصلة وعلى مدار الساعة للحالة النفسية لكل فرد من أفراد العائلة العربية..!"[12].
لن أذهب بعيدا في استنطاق خرائط رفيع ، لكنني أظنني كقاريء سيء عثرت على المفتاح الذي سيسمح لي ولكم بالتجول في تضاريس هذه الخرائط دون الحاجة لعيني الساحر  اللتان عميتا عن استمرار التحديق في القادم باستثناء طبيب يوسف المعني د. انطون عساف، الذي كتب في دفتر يومياته معلقا على حالة مريضه" الطوفان آتٍ لا محالة "[13]..
وهذا ما يجب أن نراه نحن، ونغادر سرير غيبوبتنا وندفعه عنا بدلا من البقاء في مقاعد المتفرجين...من جهته، قدم الكاتب نضال القاسم ورقة بعنوان 'الهندسة التعبيرية والتشكيل الجمالي.. المكان ودلالته الجمالية في رواية خرائط النسيان'، قال فيها إن أحداث الرواية مرتكزة على التوالي والتتابع والحكائي، وأن الكثير من التقنيات السردية التي استعملت تكسر من هذا التتابع بواسطة الاستحضار والحوار والتداعي المتكرر، وبث حكايات متعددة بتعدد الاحداث والشخصيات والخطابات اللغوية الملائمة لأجواء الرواية. كما اعتبر أن محمد رفيع يرسم صورة لعمان، بعد أن تبدلت معالمها، ومسحت حاراتها، معتمدا على استرجاع الماضي البعيد للمدينة، فضلا عن رسم الشخصيات والامكنة والاحداث، مع الاتكاء على التراث والسرد والتقارير الصحفية وأدوات الكتابة المسرحية.
ولفت توفيق في معرض تقديمه للحفل، إلى أن الرواية تشمل على أجزاء من كتاب علميّ في علم النفس كبعض من نسيج الرواية، مبينا أن في الأعمال الثلاثة، التي تأخذ شكل الرواية، في البناء والسرد والحبكة، في بناء متّسق ومتسامٍ في تصاعد أحداثه وشخوصه وأمكنته، يحلّق القارئ مع لغة الرواية العالية، التي تحمل قارئها من أرض واقعه إلى سماءات أخرى.
وصدر للروائي رفيع العديد من الكتب الوثائقية في التاريخ الاجتماعي والسياسي والعمراني والفني.
تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير