الرزاز "في متاهته.."
جهينة نيوز -
وليد حسني
كان علي إعادة قراءة رواية غابرييل ماركيز"الجنرال في متاهته" حتى استطيع كتابة هذا المقال عن السيد الرئيس د. عمر الرزاز، ولعل هذه إحدى النعم البهية للرئيس الذي ولد تائها سياسيا، ويبدو انه ظل محكوما لــ" توهانه" بالرغم من أن أحلامه وطموحاته بدت الأكثر قربا لطموحات الناس الذين لم يخفوا تفاؤلهم به حين قبله الناس رئيسا قبل أن ينتهي المطاف بالطرفين إلى حالة من البغضاء والتيه والإتهام وصلت الى حد فوضى العواطف.
حين جاء الرئيس د. الرزاز الى السلطة استحضر الناس معه روح أبيه منيف الرزاز وفكره الوقاد ــ رحمه الله ــ، وبالرغم من ان المقارنة بين الأب والإبن في حينه لم تكن أبدا في صالح الرئيس الرزاز إلا أنه بدا حالما أكثر مما يجب.
اليوم وانا أعيد قراءة رواية العظيم مركيز"الجنرال في متاهته" ظهر الرئيس الرزاز لي من تضاعيفها وكأنه صورة مستنسخة من بطل الرواية وبطل امريكا اللاتينية قاطبة وصانع استقلال كولومبيا الجنرال سيمون بوليفار الذي توفي في منفاه في بوجوتا على الساحل الكاريبي لكولومبيا وهو متوجه الى منفاه في اوروبا.
لم يصل الثائر المحرر سيمون بوليفار الى وجهته في المنفى، فقد مات في الطريق فقيرا وطريدا ومريضا ــ وهو ما لا أتمناه أبدا للرئيس الرزاز وادعو الله له بالصحة والعافية وبنهايات حكم سعيدة ــ، إلا أنه وهو في طريقه للمنفى "تذكر بأن" حلمه بدأ في الانهيار في نفس اليوم الذي فيه أكتمل حلمه " ــ كما يقول ماركيز عن بوليفار ــ فيما كان ماركيز يستهل روايته بحوار بين الجنرال بوليفار وخادمه قائلا له" فلنذهب طيرانا.. لا أحد هنا يريدنا ".
وليس في واردي هنا بناء اشتباك سردي بين السيد الرئيس د. الرزاز وبين رواية" الجنرال في متاهته" وبطلها المحرر الفذ سيمون بوليفار فهذا من المستحيلات الراسخة، لكنني أشير باطمئنان الى ان الرئيس الرزاز كان أكثر من حالم وهو يتحدث عن دولة القانون والمؤسسات، ودولة الإنتاج ووفاة الدولة الريعية، وانبثاق مرحلة النهضة الوطنية..الخ"،..
نعم فقد كان حالما كأي ثوري يمسك السلطة ويرعى شعبا رأى فيه مخلصا جيدا قبل ان يتحول الأمل للطرفين الشعب والرزاز الى مجرد كابوس ثقيل صاغته الظروف الاقتصادية والتحولات الإجتماعية الكبرى التي تضرب الان وعلى مهل في أسس البنية الإجتماعية الأردنية، وفوق هذا وذاك توافر تجمعات ذوي المصالح من واضعي العصي في دواليب حكومته، وأمامه تحديدا بهدف تحطيمه، فهذا الإصلاحي القادم من غرف التخطيط للمستقبل غرق تماما في بركة آسنة من الماضي، ومن رافضي "النهضة الرزازية" التي ولدت وهما، وانتهت بالتأكيد الى ظلمات من طبقات الوهم.
لا أرى في المشهد اليوم غير رئيس يملك فكرا لم يدافع عنه جيدا، ولم ينتصر له بما يليق عادة بالإصلاحيين التنويريين، وترك نفسه في متاهة علكته علكا، فلا يدري من يحمله، ولا يعرف أين تضعه تيارات المناوئين والكارتيلات السرية العابثة بالدولة حكما وتحكما.
اليوم أصبح الرئيس د. الرزاز التائه الأول في البلاد، وقاد معه شعبا كاملا الى التيه، وكما كتب بوليفار في إحدى رسائله التي اقتبس ماركيز منها في تقديم روايته" يبدو أن الشيطان هو الذي يوجه شؤون حياتي"، فلا أظن أن الرئيس الرزاز يمكنه اقتباس جملة أفضل من هذه الجملة لتلخيص صورة أيامه في السلطة.
وكما ختم ماركيز روايته بحوار بوليفار مع طبيبه" هل حالتي سيئة إلى حد يستدعي الوصية والإعتراف؟.. كيف سأخرج من هذه المتاهة؟"، فإن الرئيس الرزاز قد ينهي متاهته وهو يستعير ذات السؤال"كيف سأخرج من هذه المتاهة؟... فلنذهب طيرانا.. لا أحد هنا يريدنا ".
ومن المؤكد ان السيد الرئيس لم يعد احد يريده هنا، لكن المشكلة ليست فيه، وإنما في الخليفة الراشد الذي سيعود وسيسأل نفس السؤال" كيف سأخرج من هذه المتاهة..؟؟".//