البلاد وحالتها تحت الأشعة التشخيصية
جهينة نيوز -
وليد حسني
تصفحت تقرير"حالة البلاد" وهو الأول من نوعه في تاريخ الأردن الصادر الاسبوع الماضي عن المجلس الإقتصادي والاجتماعي تصفح من يعاين المنهجيات في ظواهر القشرة الخارجية لحبة الجوز، قبل ان اخوض غمار قراءته مؤجلا قراءات أخرى احسست أن الاولوية لقراءة هذا التقرير الذي بدا لي وكأنه تقرير طبي لخلاصة التشخيص الإشعاعي المغناطيسي لمريض تعددت أمراضه واوجاعه فاحتار الأطباء والحكماء في تحديد أسرار الداء، واسباب تنوعه وسيطرته على جسد مريض أقرب الى الموت منه الى الحياة.
والتقرير على طوله (1590 صفحة )لا يعني عدم قراءته كاملا لمن ألقى السمع وهو شهيد، وبالرغم من انني قطعت 560 صفحة حتى عصر امس فلا أظنني ساتركه إلى حين أن انتهي الى النقطة الأخيرة فيه.
وليس هناك سبب واحد يدفعني للإعتكاف على قراءة تقرير الأشعة التشخيصية وبالرنين المغناطيسي هذه المرة لحالة البلاد، بل هي أسباب متدافعة لعل في مقدمتها أنه اول تقرير من هذه النوع يصدر عنا نحن الشعب والارض والمؤسسات والدولة والحكومات والسلطات..الخ، ويصدر عن مؤسسة حكومية تتبع لرئيس الوزراء وتصرف من اموال الموازنة العامة للدولة التي يمولها المواطنون من اموالهم الضريبية، وهذه ميزة للتقرير توجب على كل مسؤول في الدولة قراءته حتى تتضح صورته في الخلفية الداكنة للمعطيات التي حاول التقرير نبشها والتجول في خباياها ومكنوناتها معترفا بالكم الهائل من الخطايا التي تراكمت عبر العقود القليلة الماضية واودت بجثمان هذا المريض فأنهكته وتركته أضعف من ان يقوى على تلقي العلاج.
ان الحديث هنا عن معطيات تقرير "حالة البلاد" قد يطول ويتشعب، وهذا فوق ما تحتمله هذه المساحة إلا أن الواجب يحتم عليَّ هنا الإعتراف بأن التقرير بكل ما فيه أعجبني، وأثارني إلى حد الفرح به بالرغم من ان البعض من المؤسسات وفي حالة الدفاع عن نفسها رأت فيه تقريرا انشائيا تماما لم يقدم جديدا.
والحقيقة فان اي قارىء للتقرير سيشعر بأنه صورة اشعاعية بالرنين المغناطيسي قدمها 667 مشاركا انخرطوا في ورشات عمل وجلسات حوارية مفتوحة ومغلقة على مدى سنة كاملة من أجل تقديم صورة تشخيصية لأمراض البلاد والعباد.
وعلي الاعتراف هنا بانني تشككت تماما في عدد المشاركين وقمت بالاتصال بالعديد من الأضدقاء ممن وردت أسماؤهم في قائمة المشاركين لأتأكد من مساهمتهم وماهية المساهمات التي قدموها، وما الذي فعلوه لصالح التقرير، لتاتي اجاباتهم بانهم كانوا قد شاركوا في ورشات عمل عقدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي على مدى سنة كاملة مما اعتبرهم المجلس مشاركين في وضع التقرير وهو امر محمود أظنه قد منح التقرير ميزات إضافية بعد ان حقق كل هذا التنوع في صفوف المشاركين من مختلف التوجهات والقطاعات والمسؤوليات.
تقرير"حالة البلاد" لا يحتاج للعنعنة العصبية لإتهامه بــ "الإنشائية"، وبأنه كلام معاد يخلو من اي جديد، بقدر حاجته لمن يلتقط تشخيصه المباشر لكامل بنك الأزمات والمصائب التي أودت بالبلاد والعباد الى ما أودت اليه للتوقف عند النتائج والمقترحات ومحاولة مناقشتها ووضع الخطط والاستراتيجيات المحددة بمواعيد زمنية لحلها ومعالجتها حتى وإن تطلب الأمر تدخلات جراحية صعبة.
على كل مسؤول عمومي هذا الأوان الجلوس مع مستشاريه وكبار المسؤولين لديه وقراءة ما يخصهم من تقرير"حالة البلاد" والتأشير بكل شجاعة على مكامن القصور والخلل والضعف والمباشرة الفورية بادخال المريض الى غرفة العناية الحثيثة لإطلاق مرحلة العلاج وبوقت زماني محدد لدراسة النتائج ومقاربتها، وبغير ذلك سيبقى تقرير" حالة البلاد" مجرد صرخة في واد مجدب لا ماء فيه ولا شجر، وسيأخذ مكانه اللائق به في زوايا الحفظ وملفات النسيان أسوة بالأجندة الوطنية وبالاستراتيجيات التي لا تعد ولا تحصى والتي شهدت موتها بنفسها، وربما في مقدمتها الأوراق النقاشية الملكية، ناهيك عن وجود 120 استراتيجية قال التقرير انه راجعها مؤكدا انه لم تطبق ولم تحظ باي دعم مالي او معنوي.
ويبقى القول ان لي عودات لهذا التقرير في قابلات الأيام بعد إنجازي قراءته، ويكفيني القول إنه تقرير جرأة ويحتاج لجرأة مماثلة لإلزام الإدارة العامة في الدولة على اختلاف مستوياتها وتنوع عملها للتعامل معه باعتباره روشيتة علاج قدمها 667 مواطنا وضعوا كامل خبراتهم في تقرير يكشف فيه عن مدى ضعفنا وحجم أخطائنا وخطايانا..
وبالنتيجة المحضة فإنني اجدني متوافقا تماما مع ما قاله رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي د. مصطفى حمارنه في ختام تمهيده للتقرير حين قال"ان الخطوة الاولى للخروج من الحالة التي نعيشها تقوم على اساس فهم موحد للمصلحة الوطنية، كما تؤكد ان الظروف الموضوعية التي تمر بها بلادنا تسمح بالوصول الى توافقات واجماعات توحد الصف، وتسمح بإحداث تغيير جوهري في النهج الحالي الى نهج فكري وعملياتي جديد، نحقق به اختراقا يقودنا نحو التجديد والتقدم على مشارف مئوية الدولة الاردنية، ومن دون ذلك سنبقى نعيد إنتاج التراجع).
وليس بعد هذا الكلام ... كلامٌ..//