banner
سيدتي
banner

في عالم الموضة والأزياء.. إقبال هائل على ملابس المحجَّبات يقلب الموازين

{clean_title}
جهينة نيوز -

كانت أول مرة ترتدي فيها ماريا آليا الحجاب في أول يوم لها كطالبة في مدرسة بيكر الثانوية في مدينة موبيل بولاية ألاباما الأميركية. والدها مسلم سُني، وكل النساء في عائلتها يرتدين غطاء الرأس، بما في ذلك والدتها ذات الأصول البورتوريكية. أحبت ماريا الملابس، لكنها لم تر أي سيدة تشبهها في المظهر على مدونات الموضة أو في المجلات. ونادراً ما يتجسد الجمال في أحدث صيحات الموضة في شكل فتاة مسلمة محجبة.

وحالما بدأت في نشر صور سيلفي لها على حسابها على موقع إنستغرام، بدأت فتيات مسلمات أخريات بالتواصل معها، وطلبن بعض النصائح. لدى ماريا، 26 عاماً، أكثر من 400 ألف متابع على إنستغرام، مما جعلها واحدة من الشخصيات المشهورة المؤثرة في مجال «الأزياء المحتشمة» على المنصة.

 

عملت ماريا لدى العديد من العلامات التجارية المعروفة في مجال الموضة والأزياء مثل Tiffany، وGiorgio Armani، وH&M، وغيرها،  وغالباً ما كانت ترتدي غطاء رأس بألوان وأشكال مختلفة. وفي بعض الأحيان كانت ترتدي فستاناً طويلاً من تصميم كارولينا هيريرا، وترتدي أحياناً أخرى سروال جينز مع حذاء رياضي لشركة Nike من طراز M2K Tekno.

وماريا هي واحدة من العديد من نجمات الإنترنت اللواتي جعلن «الأزياء المحتشمة» في العامين الماضيين هي الكلمة الطنانة الأبعد احتمالاً في عالم الموضة وذلك منذ موضة «حقيبة الخصر».

هذا النوع من الملابس قديم قدم آدم وحواء، ولكنَّه أصبح مثيراً للإعجاب مؤخراً. تقول ماريا: «لدى كل شخص مفهومه الخاص عن الاحتشام. ولكن فكرة أنَّها مجرد طريقة بسيطة للغاية لارتداء الملابس بشكل متواضع ودون زينة هو تعريف بعض الأشخاص الآخرين».

في صناعة لا يزال فيها وضع صورة عارضة أزياء سمراء على غلاف إحدى مجلات الموضة بمثابة خبر مهم، منحت المتابعات الضخمة لعارضة أزياء مسلمة أنيقة مثل ماريا شركات الأزياء الشجاعة للتفكير خارج حدود الصورة النمطية للأزياء التي تستعين بعارضات الأزياء النحيفات الهزيلات ذوات البشرة البيضاء لاحتضان مجموعة أوسع من الأجسام والثقافات.

تقول عليا خان لموقع Bloomberg، وهي رئيسة المجلس الإسلامي للأزياء والتصميم ومقره دبي: «شكلَّت الشبكات الاجتماعية صبية مُبدعة جديدة في المجتمع. الآن السيدة المحتشمة لها جمهورها. ولم يعد عليها أن تشعر أنَّها وحدها».

لم تتوقع بروزها لأنها سوداء ومسلمة

عارضة الأزياء المسلمة حليمة عدن واحدة من أروع هؤلاء المبدعات الجدد ولديها 780 ألف متابع على إنستغرام. بعد أن جذبت الأنظار لارتدائها الحجاب والمايوه الشرعي المعروف باسم «بوركيني» في مسابقة ملكة جمال ولاية مينيسوتا الأميركية قبل عامين، ظهرت على أغلفة 10 مجلات، بما فيها مجلتا Vogue البريطانية وAllure الأميركية.

تقول حليمة، التي ولدت في أحد مخيمات اللاجئين الكينيين: «لدي نساء يُراسلنني عبر الشبكات الاجتماعية كل يوم لشكري بالأساس على جعل الملابس المحتشمة صيحة من صيحات الموضة في نظرهم. لم أكن أعلم أبداً أنَّ امرأة مسلمة سوداء ترتدي الحجاب يمكن أن تكون ضمن أحدث صيحات الأزياء. من الصعب تصور شيء لم تره من قبل».

 

كان المتسوقون سبّاقين في كسر التقاليد المتعارف عليها مقارنة بالعلامات التجارية. وقد انخفضت أسهم شركة  L Brands Inc. الشركة الأم للعلامة التجارية الشهيرة Victoria’s Secret لأكثر من 65% منذ عام 2015 في ظل تواصل حملتها المُجملة لاختيار النساء الأكثر إثارة في مختلف المجالات. وفي الوقت نفسه، تنجح الشركات الناشئة التي تبيع أزياءها عبر الإنترنت مثل Fashion Nova، ومجموعة Savage x Fenty لصاحبتها ريهانا من خلال التركيز على «إيجابية» الجسم في المقام الأول.

القوة الشرائية قلبت الموازين

في أكتوبر/تشرين الأول، عرَّف منتدى عُقِد في معهد الأزياء للتكنولوجيا في مدينة نيويورك «الأزياء المحتشمة» بأنَّها في العموم «ملابس فضفاضة تغطي معظم الجسم على حسب رغبة من يرتديها».

يقول ستيفن فرومكين، مدرسة كلية بيكر للأعمال والتكنولوجيا في المعهد إنَّ هذا الاهتمام الجديد هو نتيجة لعوامل عدة لكنَّه يرجح أنَّ هذا الاتجاه حفزَّه في المقام الأول التأثير الجديد للنساء المسلمات وقوتهن الشرائية. أنفق المستهلكون في جميع أنحاء العالم 254 مليار دولار على الملابس الإسلامية في عام 2016، وفقاً لآخر تقرير عن وضع الاقتصاد الإسلامي العالمي. وقدَّرت تقارير أخرى أنَّ السوق قد تبلغ قيمتها أكثر من 350 مليار دولار في غضون عامين، لتحتل مرتبة تلي سوقي الولايات المتحدة والصين فقط.

وأضاف فرومكين: «لطالما كان إجمالي عدد النساء المسلمات كبيراً، لكن عندما يصل هذا العدد إلى كتلة حاسمة، يصبح أمراً مهماً في السوق». وقد هيمنت مجموعات أخرى من النساء على الملابس المحتشمة والأنيقة كذلك، سواء كانت سيدات من اليهود الأرثوذكس أو من الكاثوليك أو أولئك اللاتي لا ينتمون لدين معين ويُفضِّلن عدم كشف أجزاء كبيرة من أجسادهن. يقول ريتشارد كوين، المصمم البريطاني الذي حضرت عرض أزيائه لخريف 2018 ملكة إنكلترا، إنَّ تصنيف الأزياء على أنّها «محتشمة» كان له دلالات سلبية. مضيفاً: «إنَّه يشبه ما يفكر فيه الناس عندما تقول موضة ‘أخلاقية’. ما تحبه هؤلاء النساء هي تغطية أجزاء كبيرة من أجسادهن بطريقة أنيقة».

أصبحت متاجر التجزئة تفطن على نحوٍ متزايد إلى طرق جذب هؤلاء المستهلكات مباشرة. ففي شهر فبراير/شباط، قدمت سلسلة متاجر Macy’s Inc مجموعة فيرونا، وهي مجموعة من الملابس «المحتشمة» التي تضمنت السترات الطويلة والحجاب الملون. وفي هذا الصيف، أضافت سلسلة Net-a-Porter عملاقة التجارة الإلكترونية قسماً للأزياء المحتشمة على موقعها الإلكتروني، بجانب الأقسام الخاصة بالملابس المنزلية المريحة والسراويل، حيث تستطيع المولعات بالموضة تصفح مجموعة الملابس المعروضة بعناية، بما في ذلك فستان من الساتان الحريري من علامة Hillier Bartley بقيمة 1370 دولاراً، وسترة بطبعة أزهار من علامة Gucci بمبلغ 4500 دولار. جاء هذا التحديث على الموقع بعد أول مجموعة ملابس لشهر رمضان في شهر أبريل/نيسان. وضمت المجموعة تصميمات لإيلي صعب وريم عكرا ومصممين آخرين من الشرق الأوسط، ولكن معظم المجموعة كانت لأشهر المصممين العالميين أمثال أوسكار دو لا رينتا، وماري كاترانتزو، وجيني باكهام.

أناقة بأزياء محتشمة

وهذا العام، دعا المجلس الإسلامي للأزياء والتصميم الذي ترأسه عليا خان، المصممين الإقليميين، بالإضافة إلى مصممين من علامات Burberry، وDKNY، وDolce & Gabbana، إلى تصميم ملابس لمجموعة الأزياء المحتشمة. وتقول عليا خان إنَّ تلك السوق يسهل اختراقها أكثر مما كانت عليه الصين قبل 20 عاماً. وتقول: «من منظور علامة تجارية، يمكنك استهدافها (هذه السوق) بشكل أفضل بكثير.. أنت تعرف على الفور الأمور المُنفرة التي لا يمكنهم ارتداؤها من قبيل الملابس الضيقة للغاية والملابس الشفافة والمفتوحة من الصدر. هي قواعد بسيطة. والطلب يفوق العرض حالياً».

كانت منصات عروض الأزياء هذا العام مليئة بالملابس الأكثر احتشاماً والبعيدة كل البعد عن الصورة النمطية للملابس المتحفظة المهلهلة وغير العصرية. تصدرت المسيرة بيوت أزياء مثل Valentino SpA الإيطالي، وRow الأميركي بإنتاج أقمشة وتصاميم فاخرة كثيرة الزخرفة ومتعددة الطبقات لتعطي شعوراً بالفخامة والاحتشام، ولكن مبالغ فيها. حقق كوين أيضاً نجاحاً في أسواق الشرق الأوسط بفضل القطع التي يمكن ارتداؤها في الفترات بين الفصول مثل الملابس العلوية المشجرة والسترات الملفوفة الرقبة. وقال كوين من مشغله في لندن: «أنت لن تنظر إلى ما أُصممه وتقول: أوه، إنَّها مغطاة بالكامل’. المرأة التي لا تركز حقاً على الاحتشام ستظل تراه قطعة جذابة من الملابس».

كان النجاح الأكبر في هذا المجال حتى الآن من نصيب منصة The Modist للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت. أسستها غزلان غوينيز عام 2017 بعد 13 سنة من العمل في المجال المالي، وقد أنتجت الشركة ملابس مع نخبة المصممين، بدءاً من الفساتين الطويلة ذات طبعات الأزهار من تصميم بيت أزياء Erdem البريطاني إلى بلوزات الشيفون عالية العنق من بيت أزياء  Petar Petrov في النمسا. قالت لي غزلان، أثناء زيارة إلى نيويورك في وقت سابق من هذا العام: «هناك اعتقاد خاطئ بأنَّك تساومين على أناقتك إذا أرتديت ملابس محتشمة. لكن هناك قسماً من الملابس المحتشمة في دولاب كل امرأة».

 

وانطلاقاً من هذا الأمر، تقول غزلان إنَّها لا تملي على عملائها تعريفا محددا للاحتشام. وتميل الملابس التي تصممها إلى أن تكون ذات خطوط رقبة مرتفعة، وخطوط باترون طويلة، وأكمام، وألا تحتوي على خامات شفافة. تقول حليمة، عارضة الأزياء: «من الجيد أن يكون لكل شخص تعريف مختلف. أفضّل أن تكون الأكمام ثلاثة أرباع الطول أو تكون كاملة الطول، واستناداً إلى كيفية ممارستي لعقيدتي، أرتدي بلوزة ذات عنق مرتفع أو وشاحاً يغطي رقبتي وحجاباً أو عمامة تغطي شعري».

في شهر سبتمبر/أيلول، أعلنت منصة The Modist عن شراكة مع سلسلة Farfetch الشهيرة التي تستهدف الشباب لمساعدتها على التوسع إلى ما هو أبعد من سوق الشرق الأوسط، والذي يعد أكبر أسواقها باحتلاله بنسبة 35% من أعمالها. في العام المقبل ستقدم المنصة مجموعات حصرية مع رولاند موريه، إلى جانب مجموعة من القفاطين الرمضانية.

لا تشعر بعض بيوت الأزياء بالحاجة إلى جعل نطاق تصميماتها محدداً إلى تلك الدرجة. تقول ناتالي كينغهام، مديرة قسم الأزياء والمبيعات في موقع Matchesfashion.com ومقره المملكة المتحدة، إنَّ الشركة لم تُحدِّث موقعها بأي علامة تجارية «محتشمة»، ولكنها توافق على أن التغيير معدي بطبعه.  وتضيف: «لقد حظينا بعمل جيد في الشرق الأوسط لأننا فضَّلنا تلك الجماليات طوال الوقت، مثل الأكمام الطويلة التي كانت غاية في الأناقة».

تشير ناتالي إلى التغيرات الاجتماعية، وليس الثقافية، في مفهوم الاحتشام. وتقول: «نحن نذعن لبعض التفضيلات في مواسم مختلفة. هذا العام رأيت المرأة المحاربة تتجه نحو تغطية المزيد من جسدها، وفي الوقت نفسه لا تزال مُتمكنة، إذ تمتلك كتفاً قوياً، وحساً عالياً. نحن نعيش في زمن متقلب، لذلك يبدو أنَّها تتهيأ بالمزيد من التغطية كدرع للدفاع عن نفسها».

وهذا الدرع سيبقى لبعض الوقت. تقول دانييلا كارنوتس، المصممة لعلامة Safiyaa التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها: «الأمر أوسع نطاقاً من (مجرد مجموعة) النساء المتدينات». ودانييلا هي إحدى مصممات الأزياء المفضلات لدى ميغان ماركل وكيت ميدلتون، ويعرض تصميماتها منافذ البيع الشهيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك Boutique 1 في دبي وHarvey Nichols في الرياض.

تضيف دانييلا: «تبحث المتسوقات اليهوديات والمسلمات عن الشيء نفسه مثلما يحدث مع زوجة سفير، التي سترتدي ملابس محتشمة عادة، أو مثلما تذهب مديرة تنفيذية إلى المنتدى الاقتصادي العالمي. وبعيداً عن الاحتشام! هناك الكثير من العلامات التجارية معروفة بأزيائها العارية، والنساء لا يشعرن بالراحة دائماً عندما تكون بشرتهن مكشوفة بهذه الطريقة. المرأة لن تكون جذابة أبداً إذا لم تكن مرتاحة لمظهرها».

تروي عليا خان قصة ذات صلة تتعلق بأحد الأعمال التي كانت تنفذها مؤسستها مؤخراً في إيطاليا، حيث يشكل المسلمون ثاني أكبر طائفة دينية في البلاد. سرعان ما بدأ فريقها يحصل على طلبات من السيدات الكاثوليك اللواتي لم يتمكنَّ من إيجاد ملابس مناسبة لحضور القداس. وتقول: «هناك الكثير من أوجه التشابه في مظهر المستهلكات.  لكنَّ ولاءهن هو ما  يجب أن يكون أكثر جاذبية للعلامات التجارية. لقد اختارت غالبية هؤلاء المستهلكات أزياء محتشمة على أساس العقيدة اللواتي يؤمنَّ بها، وهو قرار يكون عادة لمدى الحياة».

تابعو جهينة نيوز على google news