سؤال يطرد"عبد الصمد" من البلدية
جهينة نيوز -
وليد حسني
فقد عبد الصمد وظيفته كعامل تنظيفات في البلدية بعد اسبوع من التحاقه بالوظيفة لأنه أراد أن يفهم كيف يمكنه التبرع لمديره بثلاثين دينارا في الشهر من راتبه.
وللحقيقة فان عبد الصمد مثله مثل كل عمال النظافة في البلدية أصبحوا أكثر خبرة في كيفية التنازل عن حقوقهم المالية من أجل مدرائهم العديدين الذين يفرضون عليهم ما يشبه دفع الخاوات، وكان لا بد لهؤلاء العمال من الدفع شهريا حتى لا يتعرضوا للفصل او لخصم الراتب او لعقوبات أخرى تطردهم خارج الوظيفة.
أدرك عبد الصمد ذلك فور التحاقه بالوظيفة التي نجح نائب حارته بتامينها له، فقد تلقى اول نصيحة او توجيه في الساعة الأولى من التحاقه بالعمل، وكان صاحب هذه النصيحة عامل نظافة مثله تطوع ربما مدفوعا من المدير الميداني ليشرح لعبد الصمد شكل ومضمون السلطة هنا، وكيف يمكنه المحافظة على وجوده في وظيفته طالما رضي عنه سيده، ومديره وطالما كانت يد عبد الصمد حانية إلى أبعد الحدود على جيب مديره .
"إذن كلكم تدفعون رشاوى "، سأل عبد الصمد زميله" ولكن اذا دفعت ماذا سيتبقى لي؟.
واصل عبد الصمد طرح الأسئلة، دون ان يتلقى أية إجابات من زميله، وقرر التوجه مباشرة الى المدير الذي كان يقف بعيدا عنه الى جانب عدد من العمال مثل نسر يحلق فوق جثث هامدة، ويشعل سيجارة ويتكىء على البكب ذي اللوحة نصف الحمراء الحكومية ويحمل بيده كاسة قهوة تكرم بها عامل يتقرب للمدير بشتى الطرق.
ــ صباح الخير، طرح عبد الصمد التحية على المدير ودون ان ينتظر الاجابة تابع عبد الصمد حديثه، قال لي الأخ هناك وأشار بيده اليه إنني يجب علي ان ادفع 30 دينارا شهريا من راتبي لحضرتك ولا أعرف لماذا؟.
نظر المدير اليه باستغراب وعدل من وقفته وقال له انت العامل الجديد..
ــ خادمكم عبد الصمد.
ــ اهلا وسهلا، لكن انا لا اخذ 30 دينار يا عبد الصمد من العمال ، وإنما هم يتطوعون بدفعها.
سأل عبد الصمد "طيب ليش يتطوعوا، ما انت موظف مثلك مثلهم؟، وإذا حدا منهم ما دفع شو راح يصير؟؟".
نظر المدير اليه نظرة في غاية الغرابة وادار رأسه وعينيه في كامل قوام عبد الصمد، ودون ان ينبس ببنت شفة اشار المدير بيده الى احد العمال الذي ترك كل ما في يده وحضر مهرولا، وأعاد المدير على العامل سؤال عبد الصمد.
قال العامل" نحن نتبرع لسعادة المدير من خاطرنا يا خيوه، ما حدا بيجبرنا، وهذا المدير على سلامته شبعان من دار أبوه".
لم يفهم عبد الصمد ما يدور في تلك الوقفة وفي ذلك الحوار إلا أنه ترك المدير في مكانه وتوجه لعمله ينفض الحاوية المتخمة بقمامة المجتمع وهو يلعن"أولاد الكلب" الذين لا يحترمون رمي النفايات في الحاويات ويلقونها خارجها..
ظل عبد الصمد يلوك أسئلته بينه وبين نفسه، وبالرغم من أنه لم يكرر أسئلته على مسمع أحد من زملائه، إلا أنه وبعد اسبوع بالضبط استدعاه المدير وقال له ان عليه مراجعة الادارة وشؤون الموظفين لأمر هام، ولم يسأل عبد الصمد عن هذا الأمر الهام، لكنه وللحقيقة فقد ظن في نفسه أنه مطلوب لأمر يتعلق باستكمال بعض الأوراق من أجل تثبيته في الوظيفة..
في اليوم التالي كان عبد الصمد يخرج من دائرة شؤون الموظفين وهو يحمل كتاب الإستغناء عن خدماته لأنه لا يصلح للعمل، وفي ظل شروده وعشرات الأسئلة تتزاحم في رأسه عن قادمات الأيام سمع صوت مديره يخرج خلفه ويسأله" ايش بدهم يا عبد الصمد؟." فرد عليه ودون ان يلتفت اليه" استغنوا عن خدماتي يا سيدي".
تابع عبد الصمد خطواته وهو يسأل نفسه الشاردة" الله أكبر ما ليش اسبوع مداوم وصاروا مقررين طردي ؟ طيب ليش؟؟؟".
تنبه عبد الصمد من شروده على يد تستلقي على كتفه الأيسر" مش قلت لك لازم تتبرع". كان صوت مديره يخترق شروده، نظر عبد الصمد اليه فرأى ابتسامة منفرجة تماما على شفتيه .
ظل عبد الصمد سادرا في تساؤلاته وفي شروده، كانت أسئلة المستقبل تتراقص أمامه، طردوني لأنني سألت ، فقط لأنني سألت؟ ردد عبد الصمد هذه الجملة بينه وبين نفسه..
وقبل ان يقطع الشارع للجهة اليمنى المقابلة سأل نفسه" كيف لو أنني تمردت ورفضت التبرع؟ شو كان مصيري؟؟ شو كان مصيري..؟؟".//