لماذا تشتري المرأة أغراضاً لا تحتاجها؟ علم النفس يجيب: غريزة أنثوية منذ آلاف السنين
في مركز التسوق، وأمام أحد المحلات التجارية، تقف إحداهن وتمعن النظر بالأغراض المعروضة، في حين تتبادل فتاتان الهمس من الخلف وتلقيان نظرات خاطفة على أغراض المتجر في أثناء تناولهما المثلجات. يحصل ذلك في الوقت نفسه الذي كانت تدفع فسه أخرى داخل المحل حساب المشتريات التي اقتنتها.
عند رؤية هذا المشهد سيتبادر إلى ذهنك سؤال: هل تحب المرأة التسوق؟ وهل تتعامل بعض النساء مع الأمر برمته، لكونه متعة خالصة؟
الحقيقة أن هناك صورة نمطية وهي أن المرأة تتسوق أكثر من الرجل، وهذه في الواقع من أكثر الصور النمطية الدقيقة علمياً. تعال نتعرف على الأسباب، حسب ما يذكره علم النفس.
غريزة قديمة تعود لآلاف السنين
قبل آلاف السنين كان عمل الرجل ينصب على صيد الحيوانات وكانت وظيفة المرأة تتجسد في جمع الثمار، وبعد تحول المجتمعات للزراعة، انغمس الرجال في أعمال الأرض واستمرت وظيفة المرأة في الجمع، إذ كانت تتجول من شجرة لأخرى للحصول على الثمار الناضجة.
وتربط بعض الدراسات في علم الأنثروبولوجيا بين وظيفة المرأة القديمة والتسوق، ولكن ما العلاقة بينهما؟
الصلة وثيقة، إذ انغرس لدى المرأة الأولى غريزة الحصول على الثمرات الناضجة تلقائياً، حتى وإن كانت أحياناً لا تحتاج إلى الكثير منها.
خلال القرن التاسع عشر ومع هيمنة الثورة الصناعية على المجتمعات الأوروبية، تغيرت بنية تلك المجتمعات بالكامل.
فوفقاً لدراسة أجرتها إريكا رابابورت أستاذة التاريخ المقارن في جامعة كاليفورنيا الأميركية، توافرت السلع الاستهلاكية بأسعارٍ معقولة آنذاك؛ وهو ما دفع الطبقة المتوسطة إلى الشراء بشكل كبير، وخاصة المرأة التي مثل التسوق بالنسبة لها الاحساس الأول بالحرية الحقيقية.
ومع إقبال النساء حينها على شراء الكثير من الأغراض فإنهن، وبحسب دراسة رابابورت، وضعن لأنفسهن موطئ قدم في «المدينة الحديثة».
كما ساعد التسوق المرأة في الظهور بقوة في الأماكن العامة وفي ترتيب المشهد المجتمعي، إذ ظهرت النوادي النسائية العامة وانتشرت أماكن احتساء المشروبات المخصصة للسيدات.
بعض النساء يتفاعلن بشكلٍ عاطفي مع عملية التسوق (iStock)
التسوق بالعاطفة
أجرى باحثون بشركة «جاي بيكر» الاستثمارية في مدينة تورونتو الكندية دراسة بعنوان «شراء الرجال وتسوق النساء» على عينة عشوائية من 1250 متسوقاً.
وتوصلوا إلى نتيجةٍ مفادها أن بعض النساء يتفاعلن بشكلٍ عاطفي مع عملية التسوق، وذلك عكس الرجال الذين يتعاملون مع التسوق بشكلٍ أكثر عملية.
وفقاً لمنظمة WomenCertified في مدينة هوليوود بولاية فلوريدا الأميركية والتي تدافع عن حقوق المستهلك، تنفق النساء في أميركا 4 تريليونات دولار سنوياً، وتشكل نسبة 83% من الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة ، وهو ما يمثل ثلثي الناتج القومي الإجمالي للبلاد.
وطبقاً لما ذكرته ديلا باسي مؤسسة المنظمة، فإن المرأة تذهب لشراء شيء محدد من المتجر، ولكنها سترغب في المزيد، لأنها تتفاعل مع كل السلع الموجودة أمامها، وبمجرد أن تنال إعجابها سلعة ما؛ تقوم بشرائها على الفور.
وبسبب التفاعل العاطفي مع التسوق؛ فالكثير من النساء يشعرن بأنه متنفس لضغوط الحياة، ففي حال واجهت إحداهن يوماً عصيباً في العمل قد تلجأ إلىالتسوق عوضاً عن الاستسلام للحزن واليأس.
وقد تتذكر أخرى تلك الهوايات التي كانت لديها ولم تمارسها والأماكن التي كانت ترغب في زيارتها ولم تذهب إليها؛ فتقرر القضاء على الفجوة النفسية بين الحياة التي كانت تتمناها وتلك التي تعيشها بالفعل من خلال التسوق.
ما دور الإعلانات التجارية إذن؟
ذكرت بولي يونغ-إيسينراثاث، أستاذة الطب النفسي في جامعة فيرمونت الأميركية، أن الإعلانات التجارية لها دور كبير في تشجيع النساء على شراء الكثير من الأغراض التي لا يحتجن إليها، وأضافت إيسينراثاث أن الطريقة التي ترتكز عليها الإعلانات التجارية هي منح المرأة شعوراً بأن التسوق يعزز من قوتها وكيانها الخاص.
والحقيقة أن تلك الطريقة في التسويق قد بدأت منذ أواخر العصر الفيكتوري وقبل أن تتمتع النساء بحق التصويت، إذ ارتكزت الإعلانات التي أنشأتها الشركات التجارية على أن التسوق يعطي للمرأة الفرصة في المشاركة بالأنشطة الاقتصادية الهامة.
وبعد إقرار حق التصويت في الولايات المتحدة كانت المرأة الأميركية، وفقاً لإيسينراثاث، تشعر بالسعادة حين تدخل أحد المتاجر وتسأل عما تريد إذ بدأت حينها تشعر بأهمية إرادتها الخاصة.
وعلى مدار العقد الماضي، شهد التسوق لدى النساء تحولاً جذرياً؛ فمع خروج بعضهن لسوق العمل، والتنشئة الاجتماعية والسفر حول العالم أصبح لديهن دخلٌ خاص.
ومع ذلك، استمرت الإعلانات التجارية تعامل المرأة بالطريقة نفسها؛ فالتسوق ليس مجرد شراء أشياء، ولكنه قوة اتخاذ القرار الخاص وتحمل مسؤولية ذلك القرار. وبمرور الوقت، شُجِّعت المرأة على الذهاب بشكلٍ متكرر إلى المتاجر وشراء المزيد والمزيد من الأغراض.
ما تفعله بنا العطور والموسيقى
أفضل طريقة للتنبؤ بالأغراض التي ستشترى من مكانٍ ما، هي معرفة مدة الوقت الذي تقضيه في هذا المكان، إذ لا يتعلق الأمر عملياً بالأموال التي تمتلكها أو الأشياءالتي تحتاج إليها، فالمعادلة ببساطة: الوقت الذي تقضيه = الأغراض التي ستشتريها.
في عام 2013، توصلت دراسة بريطانية أجريت على 2000 شخص، إلى أن الرجال يشعرون بالملل بعد 26 دقيقة من التسوق ولا يقدرون على المواصلة بعد هذه المدة.
في حين تزداد رغبة المرأة في الشراء بعد مضي ساعتين من عملية التسوق، وعليه فالحيل التسويقية التي لجأت إليها المحلات التجارية هي إبقاء النساء أطول فترة ممكنة داخل محلاتهم.
وهنا يطرح السؤال: كيف يتمكن أصحاب المحلات التجارية من إبقاء بعض النساء في محالهم أطول مدة ممكنة؟
إذا كنت تفكر في أنهم يفعلون ذلك عبر وضع أفضل منتجاتهم وأكثرها رواجاً في أبعد نقطة من المحل، أو بوضع العديد من المرايا التي تجعلك تتفقد نفسك عند كل واحدة منها، فالأمر ليس كذلك! بكل بساطة، هم يلجؤون إلى الإضاءة والفن ودرجةالحرارة والموسيقى، والروائح العطرية المميزة، إذ تجتمع كل تلك العوامل لخلق تجربة تجارية تجمع بين العناصر البصرية والسمعية التي تثير خيال المرأة وتدفعها للبقاء مدة أطول؛ و من ثم شراء الكثير من الأغراض التي قد لا تكون في حاجة إليها.