أنا متهم بحب سوريا
جهينة نيوز -
بلال العبويني
على امتداد السنوات السبع الماضية، كنت وغيري متهمين بـ "حب سوريا"، وفي الواقع هذه الجريمة ارتكبناها بدافع حبنا لبلدنا أولا وأخيرا، وهي من أجمل التهم، وقد عبرت وما زلت عن جريمتي بعشرات المقالات والتحليلات وأدليت بآراء لعدد من الفضائيات والإذاعات منذ بدء الأزمة إلى أن كتبت بعد عودة حلب لحضن الدولة مقالا عنونته بـ "الحرب السورية تضع أوزارها".
على امتداد الأزمة خضنا نقاشات مختلفة ومتعددة مع طيف واسع من أصحاب الرأي، بعضهم اختلف معنا وقد كان يقدم رأيا سياسيا معتبرا من الممكن الاستماع إليه والحوار معه مرات ومرات.
والآخر، وإن كان غالبا، اختلفنا معه جذريا ولم يكن ينطلق في معارضته من منطق سياسي معتبر، بل كان مدفوعا بحقد انطباعي دفين، وبما يتلقاه من جرعات إعلامية موجهة ومركزة دون أن يكلف نفسه عناء التمحيص والتدقيق، فتماهى في موقفه مع الجماعات الإرهابية واختلط عليه الأمر، حتى بات يطلق عليها تسميات مقدسة، من مثل "المجاهدين" أو "الثوار" أو ما إلى ذلك من تسميات لا تستقيم ووظيفتهم الحقيقية بـ "الإرهاب" الهادف لتمزيق الدولة السورية بين طوائف وإمارات متصارعة تابعة لقوى ودول خارجية.
بل إن "تهمة الحب" جعلتنا نخوض نقاشات اختلفنا فيها بالرأي مع مجموعة كبيرة ممن شاركناهم الموقف، تحديدا أولئك الذين كانوا مؤيدين على طول الخط دون أن يستوقفهم حتى ولو موقف أو تصريح سياسي أو ممارسة خاطئة فرضتها طبيعة المعركة الشرسة.
مثل أولئك، كنا على قناعة وما زلنا أنهم سواء اتخذوا مواقفهم عن وعي مطلق أو غير ذلك، فإنهم أحدثوا في بعض المحطات ضررا بشكل أو بآخر بمشروع ومشروعية الدفاع عن الدولة السورية، عن وحدتها الجغرافية ووحدة مكوناتها الاجتماعية.
فكنا وما زلنا على قناعة أن هذا المشروع وتلك المشروعية لا تقبل القسمة على أي خطأ أو موقف أو تصريح من الممكن أن يؤثر على وحدة الدولة ومكوناتها وعلى ما ندافع عنه من مشروع نؤمن أنه مقدس.
على امتداد عمر الأزمة كنا على قناعة أن سقوط الدولة السورية بيد الإرهابيين هو تهديد لنا ولكل دول المنطقة، وأن في صمودها ونصرها على قطعان الإرهابيين هو نصر لنا ولدول المنطقة وحماية لها من أن تصلها يد الغدر والإرهاب.
كل ذلك من منطلق الحب الذي نحن متهمين به وهوجمنا من أجله، لذلك ولأجل ما نحن متهمين به، فإننا نختلف مع غالبية الآراء التي انتقدت حج الأردنيين إلى دمشق منذ فتح معبر جابر/ نصيب سواء أولئك الذين قصدوا دمشق للتعبير عن الفرح بعودة الحركة البرية، أو قصدوها من أجل السياحة أو التسوق أو غير ذلك.
أن يقصد الأردنيون سوريا هو أمر محمود مهما كانت غايته، حتى أولئك الذين صوروا مشاهد الدمار التي لحقت بالبنية التحتية، فإنهم بشكل أو بآخر ساهموا في تصوير "الغزو" الذي استطاعت الدولة السورية وحلفاؤها أن ترده رغم شراسته.
أن تقصد سوريا اليوم لشراء "المكابيس الشامية" أو لتأكل من بوظة بكداش أو من كباب بلودان أو من مبرومة البرامكة والميدان، فإنه أمر مطلوب، وهو ليس مذموما بأي حال من الأحوال، وقد خان بعض أصدقائنا الرأي السديد في نقدهم لكل من قصد سوريا من أجل هذه الغاية.
لقد خانهم التعبير عندما لم يدركوا أن من قصد دمشق ليشتري من المكابيس الشامية فقد ساهم بشكل أو بآخر في تقديم الدعم لها، وهي بأمس الحاجة لذلك في هذه المرحلة، هي بأمس الحاجة لفتح سوق جديدة لتصريف منتجاتها وبأمس الحاجة لتحسين، ولو بنسبة بسيطة، سعر صرف الليرة السورية.
لذلك، هنيئا لكل شخص استطاعت قدماه أن تطأ أرض سوريا، وهنيئا لكل من عقد العزم على زيارتها مهما كانت غايته من ذلك، فإنه بذلك يؤكد أن الحياة عادت في سوريا إلى طبيعتها وهذا يعد من أبلغ الرسائل بعد أكثر من سبع سنوات على اندلاع الأزمة.//