أحمد الضرابعة يكتب : الأردن وسورية ما بعد حكم الأسد
لم تتسرّع عمّان في استخدامِ مفاتيح الاتصال السياسي مع دمشق الجديدة، رغم محاولاتِ الدفع بهذا الاتجاه منذ اليوم الأول لسقوط حكم الأسد، وفضّلت قبل ذلك، أن تستخدمَ مجسّاتها الأمنية أولاً، لاستيعاب التحولات في المشهد السوري، والوصول إلى فهمٍ مُعمّق لمتغيراته، وتقدير أوزان الفواعل الجُدد فيه، ورصد الاتجاهات الدوليّة في التعامل معه، وفي الأثناء كانت تعمل على صوغِ رُؤية عربيّة مُسانِدة للسوريين في بناء دولتهم على أنقاض النظام المخلوع، والتي تجلّت بإعلان العقبة، وما سبقه من تصريحاتٍ ملكية وضعت الخطوط العريضة للموقف الأردني تجاه الواقع السوري الجديد، وبالتالي، فإن زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى دمشق في الأمس، والتقاءه قائد الإدارة السورية أحمد الشرع، تعد أولاً، بمثابة اعتراف أردني بشرعيةِ سلطة الأمر الواقع في سورية، وضرورة منحِها الفُرصة لبناء الدولة السورية، وثانيًا، نقطة انطلاق للاشتباك السياسي مع السلطاتِ السورية، فقد حَمل الصفدي في حقيبتهِ الدبلوماسية سبع ملفات مرتبطة بالمصالحِ الوطنية الأردنية، تَطرق إليها مع ساكني قصر الشعب الجدد، وهي: تهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم طوعًا، والتجارة بين البلدين، وضبط الأمن، والسيطرة على الحدود، إلى جانب الربط الكهربائي، وإعادة الإعمار، حيث سَتحدد التفاهمات أو الاتفاقيات بشأن هذه الملفات، إلى جانب ملف المياه وحقوق الأردن المائية بحوض نهر اليرموك، شكل العلاقات الأردنية - السورية، والتي لطالما رغب الأردن في نقلها رسميًا إلى مستوى يُعبر عن عمقِ العلاقة بين الشعبين الأردني والسوري، ولكن كانت سياسات نظام الأسد تحول دون ذلك.
إلى هذه اللحظة، تستمر الإدارة السورية بإرسالِ إشاراتٍ إيجابية للجميع، وتُظهر حُسن نواياها، ورغبتها في تبني سياسة "صفر مشاكل" مع دول الجوار، وإدارة العلاقات معها بِمنطق العقلانية السياسيّة، وهذا يُطمئِن الدول التي تضررت من السلوك السياسي لنظام الأسد، مثل الأردن، لكنه ليس كافٍ، ولا بد من تحويله في وقتٍ لاحق، إلى سياسات فعلية، واتفاقيات طويلة المدى، لا يتم الرجوع عنها أو الإخلال في تنفيذها، ويجب التوضيح أن الأردن لا يتعامل بأنانية، فهو لا يُركز على مصالحه الوطنية ويتجاهل مصالح سورية ذاتها، وهذا يمكن استنتاجه من تصريحاتِ وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي أكدَّ دعم الأردن العملية الانتقالية في سورية وصوغ دستور جديد لها، وإدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، فالمنطلقات القوميّة حاضرة على الدوام في السياسة الخارجية الأردنية، ولطالما عبّرت مواقف الأردن السياسية ودوره الإنساني عن ذلك.