شيزوفرينيا الخطاب الحزبي تحت القبة
من السمات البارزة في ردود جزء كبير من النواب على بيان الحكومة، التباين الحاد في الآراء والمواقف السياسية بين أعضاء الحزب الواحد، وخلو العديد منها من برامج الأحزاب كخيارات واقعية لمعالجة المشاكل الاقتصادية وغيرها من التحديات الضاغطة على الموازنة العامة. كما أن هذا التباين، الذي يزداد وضوحاً مع كل خطاب، يظهر حتى في أحزاب ذات اللون الواحد ضمن الطيف السياسي، مما أدى إلى بهتان لونها مع تبعثر خطاب أعضائها.
ويعكس هذا المشهد حالة "انشقاقية" أشبه ما تكون بجزر منفصلة داخل الإطار الحزبي نفسه الذي أوصل الأعضاء إلى قبة العبدلي. وفي تقديري، هذا الوضع يعبر عن حالة من التفكك، ناجمة عن غياب الانسجام الفكري والكيمياء بين الأعضاء، خاصة في الأحزاب حديثة العهد بالعمل السياسي. وقد زاد الأمر تعقيداً اعتماد بعض الأعضاء على نهج التمركز حول الذات، إلى جانب ضعف التكوين السياسي والثقافي لديهم.
هذا السياق المضطرب سيؤدي بلا شك إلى انعكاسات سلبية على أداء العمل البرلماني داخل أروقة المجلس، ويؤثر كذلك على طبيعة العلاقة مع السلطة التنفيذية. علاوة على ذلك، فإن هذه الأوضاع تحمل في طياتها بوادر صراعات واختلافات تتمحور حول التزاحم على المواقف والمكاسب، ويعززها تضخم الذات كوسيلة للتعويض عن غياب النضج والتأهيل السياسي الضروري لهذه المرحلة.
وأعتقد أن كل ذلك سيلقي بظلاله على مستقبل تجربة التحديث السياسي برمتها، خصوصاً في المدد الزمنية لكل مرحلة. وما أعنيه هنا أن المرحلة الأولى لن تتوقف عند مجلس النواب العشرين، بل ستمتد إلى الواحد والعشرين، مدفوعاً هذا الاعتقاد بواقع الملاحظات الموصوفة أعلاه، وما علق في الذاكرة الشعبية من انطباعات في الانتخابات الأخيرة، والتي سوف تتسع على صعد عديدة وتتعمق في مقبل الأيام، سواء في صراعات أيديولوجية تارة، أو في صراعات بنيوية داخل الأحزاب تارة أخرى، تتجلى في فصل وإحلال وتدافع حول كل ما قد يعزز موقفاً أو بإنصاف الفرص لتحقيق مكاسب هنا وهناك.
كل تلك التباينات والمشاغبات الذاتية تحدث تحت ستار العمل الحزبي، الذي غدا واهناً ومستنزفاً في عصب نموه، في اختبار التجربة الحزبية في برلمان التحديث السياسي الأول.