banner
كتّاب جهينة
banner

يوم أعدم عبد الصمد كلبه

جهينة نيوز -

 

يوم أعدم عبد الصمد كلبه

وليد حسني

لا يتوانى عبد الصمد عن الاهتمام بكلبه الأليف، فهو آخر ما تبقى له من عائلته التي تضم زوجته وابنته"دنيا"،وبالرغم من بلوغه الستين وتقاعده النهائي من وظيفته الحكومية إلا ان كلبه بالنسبة اليه كان كل عالمه، ويمثل له ذاك  الآخر الذي يشاطره المكان والزمان، وينسج معه علاقة عائلية احتار الجيران في فهمها وتفسيرها، يفسح له مساحة واسعة من بيته المكون من غرفتين وحمام ومطبخ لا تكاد تميزه عن مجمع نفايات يقع على مدخل منزله المتهاوي تماما.

عندما تركته زوجته محتضنة ابنته"دنيا ابنة الثماني سنوات ذات صباح قبل عشر سنوات لتتزوج بجابي الكهرباء، انكفأ عبد الصمد على نفسه، وقرر أن يعيش حياته كيفما اتفق له، لا يولي أي اهتمام بالجيران والناس، حتى اطفال الحارة الذين اعتادوا اتخاذ فناء منزله مكانا للعب وإشاعة الفوضى لم يسجل عليه أنه عاتب احدا أو طلب من احدهم الهدوء او مغادرة ملكيته الصغيرة، لكنه كان يشتد به الغضب إذا ما تطاول احدهم على كلبه او ضايقه، وقد ادرك الجميع ذلك فكانوا يتحاشون الاقتراب من كلبه، بل كانوا اكثر جرأة على عبد الصمد من كلبه الذي تعددت أسماءه حتى إن احدا لا يستطيع تحديد هوية كلب عبد الصمد إن كان "كلبا افرنجيا" أم هجينا نتيجة تزاوج غير شرعي بين كلب بلدي وكلب افرنجي، فمرة يطلقون عليه اسما أجنبيا، ومرات يطلقون عليه أسماء عربية.

وبدا ان كلب عبد الصمد يدرك الحظوة التي يتمتع بها عند سيده، فيبذل كل ما وسعه لإرضائه وإسعاده ولهذا اتقن كلب عبد الصمد هز ذنبه لدرجة انه كان يتعمد أن يلامس ذيله ذقن سيده إذا ما انحنى عليه ممسدا ظهره او مقدما له الطعام، وللحقيقة فان كل من يرى عبد الصمد في هذه الحالة يشعر ان الرجل في قمة سعادته وتجليه.

وليس غريبا ان يهتم عبد الصمد بطعام كلبه متعدد الهويات والأسماء، ولذلك نسج علاقة وطيدة مع بائع الدجاج أبو زينه وسط السوق فقد تعود عبد الصمد فور استقباله نهاره الذهاب الى بائع الدجاج لينتقي بقايا احشاء الدجاج والرؤوس والأرجل ويضعها في كيس أسود ويشرب فنجان قهوة ويتبادل حديثا مقتضبا مع ابو زينه ثم يعود أدراجه لمنزله ليقدم الطعام الطازج لصديقه وحارسه ورفيقه.

ذات يوم انشغل عبد الصمد باجراء مراجعات لدوائر حكومية بشأن تقاعده وقد عانى كثيرا من البيروقراطية السيئة في الإدارة العامة، ووجد نفسه متاخرا جدا ولم ينجز أية معاملة، سأل عبد الصمد احد المواطنين الزبائن لتلك الدائرة الحكومية عن الساعة، وكمن مسه جن حين انتفض صارخا "الله اكبر الساعة ثنتين" انا تاخرت" وادار ظهره للموظف تاركا كل اوراقه متجها نحو الباب الخارجي، بينما صوت الموظف يعلو خلفه" يا حج .. يا حج".. لكن عبد المصد أدار ظهره تماما فقد كانت لديه مهمة أسمى إليه من تقاعده.

اتجه عبد الصمد الى مسلخ  ابو زينه للدواجن مباشرة، بعد ان اكترى سيارة أجرة دون اي اهتمام منه بكلفة نقله ، وفوجيء بان ابو زينه ترك له كيسه المعهود جانبا ، وقبل ان يتخذ عبد الصمد مكانه على كرسيه المكون من كرتون اطباق البيض ابتدره ابو زينه بالسؤال عن سب تاخره، وفيما اذا أطعم كلبه إلا ان عبد الصمد اكد له أنه خرج من بيته مبكرا جدا ولم يعتقد انه سيتاخر الى هذا الحد.

قال ابو زينه وهو يناوله فنجان قهوته" الحمد لله اليوم الشغل منيح، نفقنا بدري وبالعافية قدرت اجمع شوية زوايد الدجاج"، شكره عبد الصمد فهو يعرف تماما انه ليس الوحيد الذي يتردد على ابو زينه للحصول على بقايا احشاء الدجاج فهناك العشرات مثله، بعضهم يحصل عليها لإطعام كلابهم، وبعضهم الآخر يحصل عليها لطبخها وأكلها خاصة بقايا الأرجل ورؤوس الدجاج.

قبل ان يهم عبد الصمد بالمغادرة جاءت فاطمة ابنة الثماني سنوات تطلب من ابو زينه حصة عائلتها من بقايا الدجاج، "والله نفقنا يا عمي" بكره بتيجي شوي بكير يا عمي "..

التفت عبد الصمد لصديقه ابو زينه" لماذا لم تحسب حسابها؟" بدا السؤال الذي يطرحه عبد الصمد استفزازيا " والله ما انتبهت " رد ابو زينه، فيما كانت فاطمه تدير ظهرها "شكرا عمو، بكره باجي قبل هيك".

قبل ان تخطو فاطمة خطوة ثانية ناداها عبد الصمد "لا عمي، ما تروحي" شو راح تاكلوا اليوم، خذي هذا الكيس ".

أخذت فاطمة الكيس من عبد الصمد" شكرا عمو" قالتها فاطمة وهي تدير ظهرها لعبد الصمد، الذي لم يفكر للحظة أن يتردد في الإستغناء تماما عن طعام كلبه من اجل فاطمة وأمها وثلاث بنات صغيرات يعانين من الفقر والجوع بعد وفاة الأب بسبب انهيار حفرة امتصاصية كان يحفرها لأحد الزبائن.

" ضحك ابو زينه من عبد الصمد" شو راح ياكل كلبك اليوم" سأل ابو زينه عبد الصمد الذي أدار هو الآخر ظهره له مودعا"راح نشوف ربك يدبرها".

وصل عبد الصمد بيته المتهاوي خالي الوفاض، فلا طعام لكلبه الذي استقبله كالعادة هاشا باشا وذيله الطويل كثيف الشعر يتراقص في الفراغ كمروحة، إلا أنه أدرك بفطرته ان لا طعام يحمله له سيده ظهر هذا اليوم.

قبل ان ينتهي عبد الصمد من تمسيده ظهر كلبه خطرت في باله فكرة التخلص من كلبه.

بدات الفكرة تختمر في رأس عبد الصمد بسبب فاطمه" أيعقل ان يتساوى طعام البشر بطعام الكلاب، أيعقل أن نزاحم الفقراء الجوعى على طعامهم لنطعم الكلاب.."؟

ظلت تلك الأسئلة تدور في رأس عبد الصمد، صورة فاطمة وشقيقاتها الثلاث، بقايا احشاء الدجاج والأرجل والرؤوس، يتشارك فيها الفقراء والكلاب،ألهذه الدرجة يا عبد الصمد وصل الحال بنا؟؟ ألهذه الدرجة؟؟".

لم يتردد عبد الصمد للحظة واحدة أحضر حبلا وربطه في عنق كلبه الذي ظن ان سيده يلاعبه، وقاده الى قرب ماسورة المياه العالية في فناء منزله واخذ الحبل من طرفه لفه على الماسورة وبدأ يسحب كلبه بكل ما اوتي من قوة، ظل يسحب .. ويسحب وصوت كلبه ينوس وينوس حتى همد..

بينما ظلت صورة فاطمة وبقايا مسلخ الدجاج تتراءى امام ناظريه فيما صوت يهدهد في داخله، أحس عبد الصمد انه صوت كلبه يحدثه من اعماقه وعيناه تحدقان فيه" الجوع لا يسمح لك بقتلي يا عبد الصمد..الجوع هو السبب، انا بريء يا عبد الصمـ ........؟!!!".

حتى هذه اللحظة وبعد مرور سنوات على هذه الحادثة فإن احدا لا يعرف أين اختفى عبد الصمد، وكل ما يذكره الجيران انهم شاهدوه يركض باتجاه الشارع الرئيسي وهو يصرخ"أنا بريء يا عبد الصمد... بريء يا عبد الصمد..".

وكل الذي تركه عبد الصمد خلفه جثة كلبه الأثير معلقة على ماسورة وسط الفناء، دون ان يجد احد من جيرانه اي تفسير لما حدث مع عبد الصمد، وأين اختفى؟؟؟.

تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير