لا إكراه في الدين ...
إبراهيم أبو حويله
لا أكراه في هذا، هذا هو منهج الخالق ...
قال هل يعشق أصحاب العقائد شيئا كما يعشقون الإكراه...
قلت للإكراه ثمن تماما كما للحرية ثمن، والمجتمع سيدفع ثمن الأكراه كما يدفع ثمن الحرية، وكل شيء له ثمن، وهل عاشت الشعوب في حال من الفقر والتخلف والكراهية والإنحطاط، إلا لأنها كانت تدفع الثمن ثمن الأكراه ، قال الغزالي المحدث مرة إن الأكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل، كما أن الأكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن ، كم قصة اتذكرها الأن لمن أراد إكراه الناس على أمر وأنتهى به الأمر إلى ما كرهه ، ربما هي عدالة أن تعامل وفق المبدأ الذي إختراته أنت أولا .
قال في تلك اللحظة التي تصبح الحرية حقاً واقعا وأمرا مكتسبا، يولد النور والإبداع والفكر والإختراع والرفاهية والكرامة ويولد الإنسان...
قلت مع أن الظاهر أن الحرية هي تفلت فكري وعقائدي، ولكن يبدو أن الإنسان لا يعرف الإبداع إلا في ظل الحرية، وتلك الأفكار الرائعة لا تخرج إلا في رحم الحرية، لذلك أرادها الله حرية لا أكراه فيها، أراد أن يطلق في الإنسان أجمل ما فيه، وأراده أن يصل إلى الحقيقة بنفسه ليس مجبورا ومنقادا ، فكم هناك من بدأ تائها ثم وصل إلى الحقيقة فلو كان السيف مصلتا على الرقاب لكانت النهاية ...
قال وتبقى الأخلاق هي الضابط في هذه الفوضى الخلاقة أليس كذلك، فهي التي تدافع عن حقوق الفرد والجماعة والمجتمع، وتضع لها الضوابط حتى لا تنحرف المجتمعات ويغلب الشر فيها الخير ...
قلت هل تعادي الأخلاق الحرية او الدين، الأخلاق للإنسان هي الحماية، بدون إخلاق لا يصلح الفرد لبناء المجتمع، ولا يصلح أن يكون لبنة في المجتمع، نحن نحتاج إلى الصدق ليس من أجل الأخرين، ونحتاج إلى الأمانة ليس من أجل الأخرين، ونحتاج إلى الإخلاص ليس من أجل الأخرين، كل هذه الأخلاق نحتاج إليها ليس من أجل الآخرين، بل من أجلنا سواء آمن أم لم يؤمن، سواء أدرك أن هناك حساب أو آخرة أم لم يدرك، كلنا نحتاج إلى هذا العقد الأخلاقي الثمين، وأن يكون هذا العقد ملزم للجميع، الأخلاق هي الطريق الوحيد الذي يجعل الحياة في المجتمع ممكنة، والكل يحتاج إليها، لأنك بدونها تخسر كل شيء، ولن تستطيع أن تتعامل مع الآخر، ولا أن تشتري منه ولا أن تبيعه، ولا يمكن أن تعيش في مجتمع بدون أخلاق، كل مجتمع يحتاج إلى الأخلاق، وإلا أصبحت الحياة جحيماً، ولكن المؤمن يرجوا من هذه الأخلاق رضا الخالق ويسعى إليها ببعد آخر، هو يدرك فائدتها ويدرك المردود منها ويحعل مع ذلك نية أن يكون عمله لله ...
قال لذلك ترفض أن تكون القوة في أي أمر لا يتفق مع الأخلاق ...
قلت وهل عانت الأخلاق والمجتمعات إلا من تلك الفئة التي تظن أنها تملك القوة، أو تريد أن تملك القوة، آنسيت قولك أن الضعيف هو الذي يطالب بالفضائل، ولو أن كل من إمتلك القوة إلتزم الأخلاق، كيف سيكون وضع المجتمع، ولكن في لحظة تنسى أيها الإنسان أن كل شيء في هذه الحياة نسبي تماما وأنت اليوم لست أنت بالأمس ولن تكون أنت في الغد ، وحتى قوتك نسبية وحياتك نسبية، وعندما تمتلك القوة اليوم وتتجاوز حدك اليوم فأعلم بأن غدا لك بالمرصاد ...
قال لكن القوي يعتمد على قوته يا صديقي وينسى الأمس والغد ...
قلت حتى ولو إستمرت قوتك فهل هناك ضامن على إستمرار القوة لمن بعدك، لا ضامن هناك، فكم من المجتمعات كانت مسيطرة، وأصبحت اليوم مسيطر عليها، وكم من قوي خلف بعده ضعفاء، لذلك لا بد للقوي من أخلاق، من أجل منفعته الشخصية قبل غيره...
قال ولكن حتى الأخلاق نسبية كما قلت ولن يتفق البشر على كل شيء فيها ...
قلت نسبية الأخلاق ، نسبية الصدق ، ونسبية الأمانة ...
قال هناك أخلاق تخضع للنسبية وأخلاق لا تخضع لها، هذه لا تخضع للنسبية، ولكن هناك امور أخرى في الأخلاق تخضع لها ...
قلت أدرك الغرب أهمية الأخلاق والإلتزام بها، ذلك بسبب الزخم الكبيرمن المفكرين والفلاسفة الذين حملوا راية الاخلاق، و بينوا أهميتها للمجتمع وما لها وما عليها وضرورة هذا العقد الإجتماعي وضرورة وجوده والحفاظ عليه، فكان لذلك وقع كبير على الإنسان الغربي، وشعر بفائدة كبيرة نتيجة لذلك، وعندما لمس الفوائد الكبيرة لها زاد إلتزامه بها ، وإن كان فصلها عن مصدرها وعن الدين وجعلها هدفا مجردا لذاته، مع ما يحمل هذا من تكليف كبير أحيانا ولكنه نجح في جعل الإنسان الغربي في المجمل وفي المعاملات البينية فقط فيما بينهم نجح في جعلهم يلتزمون بهذه الأخلاق فعادت الفائدة عليهم ،وان كانوا حرموا غيرهم من هذه المعاملة .
ولكن نحن وقعنا كعالم عربي في فصام نكد، فمن ربط الإخلاق بالدين جعل العقوبة عليها مبنية بإعتراف هنا أو توبة هناك، وذلك في الحقيقة يتجاوز حقيقة التوبة في الدين، ولا يعترف الدين بهذه التوبة إذا مست إنسان آخر أو حقه أو عرضه، فهي غير متعلقة لا بإعتراف ولا بتوبة ولكن بحق إنسان آخر، وإن كان الاصل واضحاً، ولكن التحريف أخرجه عن معناه، فلا توبة هنا ولن يقبل منك هذا الكلام بدون أن تعيد الحقوق إلى أصحابها، وتتكفل بما أحدثت من أذى، الحق في رقبتك لم يعد لأصحابه، لا إعتراف ينجيك من حقوق العباد ولا توبة في الحقيقة تنجيك، ورجل الدين هنا لا يملك أن يعفو عنك ولا أن يغفر لك، هذا كله في الأصل من الجانب الغيبي.
ومن الجانب الدنيوي كيف يستقيم أن تأكل حق إنسان آخر، أو تأخذ حياته، وهو في المقابل يسمح لنفسه بأن يأكل حقك مقابل إعتراف أو توبة هناك لا تغني ولا تشفع، هذا هو مقتل كبير في بناء المجتمع، ومجتمع كهذا لا يستقيم حاله، لأن سريان هذا في المجتمع يخلق تلك الفئة التي تسعى لأكل أموال الغير بغير وجه حق ويتبعها بتوبة وأنتهى الأمر، وإذا إنتشرت هذه في المجتمع عندها ينتشر الأحباط والكسل لن يكون هناك العمل ولا انتاج في مثل هذا المجتع، وستبقى هناك فئة تدافع عن حقها بالقوة طبعا ، وفي كلتا الحالتين يكون الوبال على المجتمعات كبير ونعود إلى مزارع هيجل ...
..مزارع هيجل هو الذي تم سرقة محصوله فامتنع عن الزراعة وجاع هو ومن سرقه ...
قال مخيفة الأخلاق، وحدها قادرة على بناء المجتمع أو هدمه من أساسه ...
قلت جدلية الأخلاق، لن يقوم شيء في المجتمع بدون الأخلاق، لن تقوم حضارة ولا ثقافة ولا علم ولا صناعة ولا تطور بدون الإخلاق، عندما ترى الصدق والأمانة والإخلاص والحب والتقدير والإحترام في المجتمع، تعلم بأنها مسألة وقت، قبل أن يكون لهذا المجتمع شأن في هذه الحياة، وقد تدفع الأخلاق ثمنا فادحا عندما ينتشر التدين الكاذب، لأن الكثير من الأخلاق السيئة تختفي تحت عباءة هذا الدين الكاذب، والدين بريء منها ومن أصحابها، فهؤلاء لم يعرفوا الأخلاق ولا الدين...
قال الدين ...
قلت لا يا صديقي ليس هذا المقصود، ولكن المقصود أن يبقى الدين هو أصل الأخلاق، ولكن الذي يحدث من رجال الدين ومن يتلبس بالدين من غير أهله هو السبب، ولذلك يفرّ الصالحون احيانا إلى الجبال والصحارى هرباً بأخلاقهم ودينهم من هذا الدين المنتشر في المدينة والأماكن الحضارية، والذي هو دين فاسد يأكل أموال الناس وأعراضهم بغير حق ...
قال دين ودين ، ومتدين ومتدين، كيف وكيف ، وكيف نعرفهم وهم يختبؤن كلهم دائما تحت عباءة الدين ...
قلت ربما من ثمارهم كما قالوا، ولكن هذه الثمار قد تخدعك، فقد يغلفونها بطريقة تجعل من الصعب عليك إكتشافهم، وربما بتلك النفس التي تكلمنا عنها، وربما بأن لا يكون هناك رجال دين أصلا، وربما هذا هو الأفضل ...
قال وكيف ينتشر دين بدون رجال دين ...
قلت كنت أفكر في هذه منذ زمن، ثم أدركت بأن أصحاب النبي وحواريي الإنبياء وحتى الإنبياء كانوا اهل صنعة لم يكونوا رجال دين، كان منهم المزارع والنجار والحداد والتاجر، وهم حملوا الرسالة وأستمروا على ما كانوا عليه، فمن كان تاجرا إستمر في تجارته، ومن كان نجاراً إستمر في عمله، ولم تظهر هذه المسميات والمؤسسات إلا بعدهم بقرون طويلة، ولذلك لم يكن هناك إنحراف في بداية الرسالة، الإنحراف ظهر مع هذه المؤسسات والمسميات عندما أرتبطت المنفعة بالدين...
قال هذا يبدو صحيحا كل هذا ظهر لاحقاً، لن يصبح الدين عبء وتكاليف إضافية، وليس وظيفة ولا مهنة، فيحمل الدين تاجر ومزارع ومفكر وعالم بالإضافة إلى عمله، ربما لما وصل الأمر إلى هذه المرحلة لو كان الأمر كما كان عليه ...
قلت هي فكرة لا أدري مدى واقعيتها ...
قال ولكن إذا كان الأمر ممكناً في بداية الدين، كيف لا يكون ممكنا بعد أن إستقر الدين بين الناس، وأصبحت المعالم واضحة ...
قلت يكاد الفجر الثاني يا صديقي يبزغ من جديد، هدوء هذه القرى لا يشعرك بالوقت تكاد الحركة تكون معدومة هنا، هي الطبيعة وحدها من يتحرك هنا، تارة يشتد الهطول وتارة تهدأ السماء حتى تشعر بأنها صورة لا حركة فيها، وتارة تصفر الريح وتعزف الموسيقى الخاصة بها، وترفع صوتها معلنة وجودها ...
ها هو فجر آخر يبزغ هنا ونحن ما زلنا هنا وهنا ...
قال الوقت يمرّ مسرعا بالكاد شعرت بالوقت ...
نعم ...
قال أنا أعلم بأنك لا تحب أن تبقى مستيقظاً لما بعد الفجر ...
ألقيت نفسي على السرير ودماغي يكاد ينفجر من الأفكار، ثم قلت لنفسي هل لكل هذا معنى، هل سيكون لكل هذا أثر ...
إذا لم تجد مكانا تضع فيه هذه الأفكار فلن تجد لها زمانا يا صديقي ...
فلكل فكرة زمان تزدهر فيه وتنتشر ...
دقائق وسمع صوت أنفاس صديقه تخرج من الغرفة ، من قال أن الأجساد لا هالة لها، بل لها هالة وتشعر بهذه الهالة من الحب، كما تشعر بهالة الكراهية ...
نمت وعندما أستيقظت ، كانت الشمس تملأ المكان لم تشرق الشمس منذ أيام، ولكنها اليوم شمس قوية ، رغم تباعد البيوت عن بعضها، وبالكاد يرى بعضها الآخر، ولكنك كنت تشعر بأن هناك حركة قوية اليوم في القرية، كان الكل يستغل مثل هذه الأيام، لإزالة ما علق من ثلوج على الأسطح، ولفتح الطرق ولجلب ما يحتاجون إليه، أو لمجرد رؤية بعضهم بعضاً...
يبقى البشر بحاجة إلى هذا النوع من التواصل المباشر ...
يتبع ...