لماذا لا يوجد "KFC" في الطفيلة
عمر الكعابنة
إلى الجنوب البعيد، ترقد محافظة الطفيلة، تلك الجوهرة النائية في رحاب المملكة، حاضنة في جنبات سفوحها 112 ألف مواطن ، ناثرة قصصًا تاريخية وجمالًا طبيعيًا في كل ركن من أركان مناطقها الأربع التي تمزج بين تنوع ديموغرافي وجغرافي رصين، مكّنتها من تكوين هوية فريدة ومعمار تقليدي يتحدث عن ندبات عقارب الزمن فوق جبهة تاريخها الأزلي العريق.
أحد هذه المناطق هي قصبة الطفيلة، حيث ينبض قلب المحافظة بالحياة. ينسجم العمران القديم والحديث في شوارعها، وتتداخل العادات والتقاليد بين أهلها الودودين. تجمع بين بلدة عيمة والعيص والعين البيضاء، تروي لنا قصصًا تاريخية تحمل ماضيها الغني وثقافتها المتفردة.
أما قصبة الطفيلة الثانية، فتحمل بين جدرانها أسرار الأماكن القديمة والتراث العريق. حيث تلتقي الأزقة الضيقة والساحات الواسعة، وتندمج البيوت التقليدية مع البنية الحديثة. ليعيش فيها أبناء قبائل الجوابرة والثوابية والعين البيضاء بقلوب مليئة بروح العائلة والانتماء والأخوة والمحبة.
لا يمكن الحديث عن محافظة الطفيلة دون أن نتجه نحو لواء بصيرا، الذي يعيش فيه سكان بلدة غرندل والقادسية وريعا ورواث. هنا، تتلاقى السهول الخضراء والجبال الشاهقة، وتعكس الطبيعة الخلابة مزيجًا ساحرًا من الجمال البكر.
مياه الشرب أمر حيوي للمجتمع، وتوفيرها يعكس اهتمامًا برفاهية الافراد. الطفيلة معتمدة على مصادر مائيّة قيّمة، حيث تنبع بئرا الحسا وزبدة لترويان عطش قرابة واحد وعشرين ألف مشترك ضمن كشوفات عقد مياه الطفيلة. ومع ذلك، تواجه بعض المناطق تحديات في تأمين المياه، كبلدة القادسية .
المزارع والأغنام هي جزء من هذه الأرض الخصبة، ففي أحضان الطفيلة تجد ما يقرب من 110 ألف رأس ماشية تعيش بين مراعيها. وتتسابق النبعات المائية بأعينها الصافية لتروي الأرض وتسقي الحياة، وتعانق السدود والحفائر كميات هائلة من المياه، مما يسهم في تزويد المحافظة بـ مصدر أساسي للري والاستزراع.
ولا تقتصر ثروات الطفيلة على المياه والأراضي فقط، بل تمتد إلى الزراعة أيضًا. حيث تمتلك المحافظة حوالي 50 ألف دونم من الأراضي الخصبة، تتميز بزراعة الزيتون واللوز والتفاح والعنب، هذا العطاء الطبيعي كلّه يعكس رغبة سكان الطفيلة في الاستفادة من مواردهم الخصبة.
من جهة أخرى تجسد سلسلة مطاعم كنتاكي العالمية "KFC" وجودها في العاصمة عمان كرمز للازدهار والتطوير، منذ أن افتُتحت للمرة الأولى في منطقة الشميساني عام 1984، وامتدت أذرعها إلى مدن عديدة في الأردن، مثل إربد، والزرقاء، والعقبة، وبالرغم من ذلك، يظل السؤال قائمًا: لماذا هذا التفضيل لبعض المناطق على حساب الأخرى؟
هنا يبرز التمييز المناطقي كمفتاح لاستقطاب الاستثمارات العالمية. الأماكن التي تستقطب الاهتمام تصبح أماكنًا للاستثمار والنمو. ومع هذا التميز، تصبح مدن معينة مستعدة لاستقبال تلك الاستثمارات وتطوير بنيتها التحتية،مما يسهم في توفير فرص عمل وبناء مستقبل أفضل لأبناء المنطقة.
على الرغم من جمال وثقافة وإرث الطفيلة، إلا أن هذه المدينة لم تشهد نفس الانتعاش والنمو مقارنةً ببعض المناطق الأخرى، ويأتي هنا دور سلسلة مطاعم KFC” " كرمز للتغيير والتنمية، إذا ما افتُتح فرعًا منها في الطفيلة، أو المدن المظلومة الأخرى ، فإن ذلك سيعني بنية تحتية محسنة وفرص عمل واستقطاب الاستثمارات الكبيرة، ما سيُخفف من مشكلة الهجرة من هذه المدن إلى العاصمة عمان بحثًا عن فرص العمل.
لماذا لا تستحق "الطفيلة" مهد ولادة الشعراء محمد الشروش، ومشهور المزايدة، وبكر المزايدة، ومحمد العجارمة، و زكريا الزغاميم، وسالم الفحاجين ، والأدباء المرحوم تيسير السبول و سليمان القوابعة و فوزي الخطبا والدكتور أحمد عيال سلمان، أن تُرفع شعارًا عالميًا في مدينتهم؟ أليست الطفيلة جزءًا لا يتجزأ من الوطن ؟ تلك الأماكن تجمع بين قصص وأحلام أبنائها، وهي تستحق أن تكون على رادار الاستثمار العالمي،فرغبة أبنائها في تحقيق النمو والازدهار لا تقل أهمية عن أي مدينة أخرى.
في ختام هذه الرحلة في عالم محافظة الطفيلة، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيأتي اليوم الذي يرتفع فيه علم الاستثمار العالمي فوق مدنها وبلداتها؟ وهل ستكون الطفيلة محطة للاستقرار والازدهار، لتكتب بذلك فصلا جديدًا من قصتها المتألقة في خارطة المملكة؟