سلامة يكتب: الأوراق الأردنية: صراع أم مواجهة؟
كثرت في الآونة الأخيرة، من ذوات وطنية فينا،
المطالبة بالتحشيد والتجييش وعسكرة الشباب بتجنيدهم لاحتمالات خطيرة قد
تواجهنا بسبب أن الجنون في دولة يهود أضحى أداة الحكم الرئيسية. وأعرب بعض
هؤلاء المفكرين الاستراتيجيين عن درجة متوترة من القلق كهم وطني يجتاح
عقولنا وأرواحنا من تفكير الجيران بنا.
وهذا رأي عقلاني ووطني لا
يستطيع أحد تفنيده أو الرغبة في الوقوف بوجه دعاته، خاصة أنه صدر عن أناس
ذوي خبرة ومواقف مشهود لها في الوطنية الأردنية.
وتلك أول أوراق القوة
الأردنية التي بين أيدينا وهي توق وطني عارم يستطيع في لحظة واحدة التخلي
عن كل مظاهر اللامبالاة والترف والانتقال من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.
وتلك نقطة أحب أن أبدأ بها وهي أن (الأردنية) كحالة وطنية أخذت شكلها عبر
المئة سنة الماضية ظل يهيمن عليها فكرة التضحية تجاه مصالح الأمة.
تلك
رغبة وتوق كامنين. ومن المهم أن يدرك خصوم الأردن أنه فيما يتعلق بمشهد
(مشية سفير المملكة أمس في أروقة الأقصى)، لم تكن شرعية الثقة ورفع الراس
التي باهينا بها السماء أمس مستمدة من الضجة السياسية العاتية لأروقة وزارة
خارجيتنا وحسب؛ بل إنها شرعية مستمدة من دماء زكية تحت بلاط الأقصى، فهي
الأصل في رفع الهامة الأردنية. دم زكي تعانق فيه نداء بهجت أبو غربية مع
حداء حابس المجالي. كل بلاطة في الأقصى فيها صرخة دم أردنية كحق تراكمي
صنعه الهاشميون رسالة أردنية صوب أول قبلة ودافعت قيادتنا عنها بالصدور
وصانتها بالقبور.
يا لنبل (الشيبة الشريفية) التي صنعت الإعمار
الأول والرفض الأول والدم الأول والنفي الأول والقبر الأول "فدوى لعيون"
الأقصى والقيامة.
ثمة توق أردني سيندلع ليس بجنون بل ضاريا ضراوة
ما قاله عبدالله الأول الشهيد المجيد في الشونة لحظة وداع كوكبة من ضباط
الجيش العربي الأشاوس، وهمس لهم السر الهاشمي بالسير للجهاد وودعهم بالقول:
إما اللقيا في الجنة شهداء ترزقون وإما القبة والمسجد. ولقد كفوا ووفوا.
تلك
خلفية لا بد لأي محلل أن يضعها في اعتبار عناصر القوة في الموقف الأردني
وتبدأ بها. أما منصة الموقف الأردني وأول قوته تلك الحكمة المذهلة في فهم
الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لقوانين العلاقات الدولية. وأنه أول من
استوعب في المنطقة نظرية الدور للدول.
لقد أطاحت مغامرة الأمريكان
المعيبة والقاسية والمخزية سنة ٢٠٠٣ بنظرية قوة الإمكانات وتوفر الموارد
للدول. وسقطت الدولة العراقية رغم جبروت إمكاناتها، لأنها عجزت عن فهم
عناصر التغيير في لعبة الأمم. وجلالة الملك عبدالله حفظه الله ورعاه حصّن
الدور الأردني عبر اختراقه لضعف الموارد وهشاشة الإمكانات واستند على
عبقرية المكان وجعل منه حصنا وحصانة.
إن حجم القوة الهائلة التي
يتمتع بها أبو الحسين رغم نعومتها كعلاقات دولية أضحت بين أيدينا قوة نار
هائلة، وزنار صد يلجم من يود الاقتراب وسيحسب كثيرا تبعات الاشتباك مع
الأردن لأنه سيشتبك مع كل العالم تقريبا وقد يشتبك مع نفسه داخليا أيضا.
المنصة
الثانية هي الجيش العربي. لقد تفتتت جيوش المنطقة منذ لحظة انطلاق محنة
الربيع الأوبامي في دنيا العرب. وجيشنا العربي هو الجيش الوحيد في الشرق
الذي يجلل نواياه وقدراته الروحانية عنوانه وصفته: الجيش المصطفوي. وكل
جيوش الجوار مع كامل التقدير لها فإن عناوينها تخلو من هذا السمو الذي
ينتسب إلى محمد النبي عن طريق الرسالة والهدف، والذي حدده النبي وخليفته
لأي جيش ينتسب إلى الرسالة (المصطفوية)، قوة نار مدهشة تذيب الحديد عند
انطلاق الحناجر بــ (دعوة الحق إلينا) نحن دعاة الحق، وحين تزأر الأسود من
جنباتها (الله أكبر). وليتذكر الخصم والصديق ماذا جرى بعد ذلك في كرامة
الأمة حين بعثت من جديد بدم زكي استبسالي حد التماس الشهادة.
والمنصة
الثالثة في موقف الأردن هي فلسطين. فلسطين واجهة من واجهات التصادم
والصراع وفيها السلاح وفيها شباب يتوق للحظة مواجهة كلية، بظهير أردني.
الضفة ليست محايدة والضفة ليست بعيدة عن التكاتف والتعاضد والرمي المشترك.
وإن اختار الكيان اليهودي المواجهة، فإن كل عناصر التحريك ستدخل إلى
مواجهته، خاصة وأن ممثلي التطرف اليهودي (ما خلوا للصلح مطرح) في دموية
إيغالهم بالدم الفلسطيني. هناك إذا توق فلسطيني لمواجهة صارمة. وليس في
مصلحة اليهود افتعال مثل تلك المواجهة.
وثمة أوراق ضغط وقوة أخرى تضاف لهذه المنصات الرئيسة، لا بد من ذكرها:
أولا:
إن المجتمع اليهودي يعاني من حدة انقسام غير مسبوقة إلا لحظة أن اِنقض
اليمين اليهودي على اسحق رابين في أكتوبر ١٩٩٥، وكان خندق التحريض المتقدم
قد شغله الشاب المتغطرس المتهور بنيامين نتنياهو. لقد وصل الحال بزوجة اسحق
رابين (وهي مقاتلة عتيدة وليس مثل زمرة الحكم هناك الآن) إلى القول (إنه
لا يشرفني الإقامة في بلد هكذا أضحى حالها).
أحب أن أتخيل أن كل
ثارات أبناء المدن اليهودية منذ مقتل زعيمهم الذي كان مخلصا لفكرة سلام
التكافؤ والتعايش ستندلع في هذه الحقبة في مواجهة عصابة الثلاثة (نتنياهو
وابن الغفير والثالث سموتريتش). إن رعبا تستطيع أن تراه في العيون يوم
السبت الماضي في تل أبيب خاصة يهيء الأنفس للانقضاض على هدف مخيف لإيقافه
عند حده.
إن البناء على الغضب اليهودي في المعارضة والانتباه له يتوجب علينا التعامل معه كأولوية في مرحلتنا القادمة ودراسته باستمرار.
ثمة
منصة أخرى مهمة وهي أن معاهدة السلام مضمونة من أمريكا وروسيا والمجموعة
الأوروبية والأمم المتحدة. ومهما تكن غطرسة الترويكا الحاكمة في تل أبيب،
فإنها ليس في مقدورها ولا أظنها ترغب في الدخول في مواجهة عالمية إن هي
نقضت بوابة الصلح مع الأردن. إن كيانا أنشأه العالم بقرار وما زال يعتاش من
دعم المجتمع الدولي بشقيه الأمريكي والأوروبي لا يستطيع أن يقدم على هكذا
مغامرة. إن فكرة التدين والتعصب للدين والاعتصام به وحده ليكون مدخل
العلاقات الدولية ليس في مصلحة يهود
أبدا، بل في مصلحة الأردن
ومصلحة فلسطين ومصلحة العرب أجمعين. ذلك أن حصة اليهود كدين في العالم
محدودة جدا ولا تذكر إن وقعت المواجهة عبر بوابة (الديني).
فاليهود في
التاريخ لم يكونوا في أية لحظة حلفاء جديين للمسيحية. ورغم التبشير
بالتلاقي من مجموعات دينية متصهينة في أمريكا تغلق ملف التفاوت بين
اليهودية والمسيحية، إلا أنها حشرجات من غير معنى وتظل كاثوليكية روما
وأرثوذوكسية موسكو واليونان وقبطية مصر ترفض سرا وعلانية التطابق، والحالة
في الإسلام أصعب بكثير.
ولذا فإن إلحاح الترويكا اليهودية الحاكمة
الآن إن طورت بالفعل آليات لاستخدام الدين في التقدم بالصراع إلى حالة
ميدانية فإنه سيكون مدخل فناء للكيان وليس حبل نجاة ليهود.
الأردن
أقوى وهو الأقوى في مواجهة الترويكا الحاكمة في تل أبيب في الراهن من هذا
الزمان المرّ. ولا نقول ذلك في باب الأمنيات بل في ذلك سرد لحقائق
المجتمعات والتي باتت تُنخر بالتسلل الماكر وتضعف مناعتها عبر الإشاعات
ونزع الثقة وافتعال التضاد الداخلي والمكابرة لدى البعض في اعتبار نفسه
(جانجويد الأردن) الذي يصير صوته فوق صوت مصلحة الدولة.
نحن لا أحد
أقوى منا في المنطقة وبنيتنا الداخلية أصلب وأمضى بكثير من هشاشة نخبنا
وطليعيينا ومنظرين أتباع السفارات الذين بانتظار الصافرة. نحتاج فقط إلى
غرفة فتية تضم حكماء وتقرأ الممحي وترفع الصوت بصراحة في وجه استبداد البعض
بالرأي والتفرد.
إن أخطر ما تواجهه مسيرتنا اليوم الاستعلاء على
الإعلام ومحو أثره والإبقاء على مروجي الإشاعات بصوتهم العالي والتخلي عن
سلاح عظيم بأيدينا هو خطبة الجمعة. خطبة الجمعة ليست منبرا لأفكار وزير أو
مفكر خفي، خطبة الجمعة سلاح علينا واجب وطني لاسترداده، والإعلاء من معنى
كلمة العدالة والمواطنة والتوقف عن ابتداع قصص من زمن أضحى خلف مسيرتنا
الصاعدة.
إن أكثر أمر حساس يواجهنا في هذي المرحلة البحث عن وميض
لرجال ونساء لديهم قدرة التشخيص وجسارة النصح ومهارة الإقناع. نحتاج أن
تسترد الأردن فتيتها القادرين. لا يصح أن يظل إعلامنا رهن طيش الطائشين
وجهل المتخاذلين وتنطح المكابرين. أعطوا الوطن حقه وارفعوا وصايتكم عن
إعلامه وخطبة جمعته وردوا للمليك وللوطن بعض ما صنع لنا.
الأردن
قوي فقط نحتاج إلى إعادة النظر في ترتيب عناصر القوة. قالت العرب قديما
(اللي ما عنده كبير يدور على كبير). وكبيرنا موجود، وليس أكبر من مليكنا في
الوجود، فقط هو بحاجة إلى قوة من رجال وعزيمة من نساء قادرة أن تتماهى مع
إحاطته بوعي لمعنى الوطن وكيفية حمايته.
كثرت في الآونة الأخيرة، من ذوات وطنية فينا،
المطالبة بالتحشيد والتجييش وعسكرة الشباب بتجنيدهم لاحتمالات خطيرة قد
تواجهنا بسبب أن الجنون في دولة يهود أضحى أداة الحكم الرئيسية. وأعرب بعض
هؤلاء المفكرين الاستراتيجيين عن درجة متوترة من القلق كهم وطني يجتاح
عقولنا وأرواحنا من تفكير الجيران بنا.
وهذا رأي عقلاني ووطني لا
يستطيع أحد تفنيده أو الرغبة في الوقوف بوجه دعاته، خاصة أنه صدر عن أناس
ذوي خبرة ومواقف مشهود لها في الوطنية الأردنية.
وتلك أول أوراق القوة
الأردنية التي بين أيدينا وهي توق وطني عارم يستطيع في لحظة واحدة التخلي
عن كل مظاهر اللامبالاة والترف والانتقال من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.
وتلك نقطة أحب أن أبدأ بها وهي أن (الأردنية) كحالة وطنية أخذت شكلها عبر
المئة سنة الماضية ظل يهيمن عليها فكرة التضحية تجاه مصالح الأمة.
تلك
رغبة وتوق كامنين. ومن المهم أن يدرك خصوم الأردن أنه فيما يتعلق بمشهد
(مشية سفير المملكة أمس في أروقة الأقصى)، لم تكن شرعية الثقة ورفع الراس
التي باهينا بها السماء أمس مستمدة من الضجة السياسية العاتية لأروقة وزارة
خارجيتنا وحسب؛ بل إنها شرعية مستمدة من دماء زكية تحت بلاط الأقصى، فهي
الأصل في رفع الهامة الأردنية. دم زكي تعانق فيه نداء بهجت أبو غربية مع
حداء حابس المجالي. كل بلاطة في الأقصى فيها صرخة دم أردنية كحق تراكمي
صنعه الهاشميون رسالة أردنية صوب أول قبلة ودافعت قيادتنا عنها بالصدور
وصانتها بالقبور.
يا لنبل (الشيبة الشريفية) التي صنعت الإعمار
الأول والرفض الأول والدم الأول والنفي الأول والقبر الأول "فدوى لعيون"
الأقصى والقيامة.
ثمة توق أردني سيندلع ليس بجنون بل ضاريا ضراوة
ما قاله عبدالله الأول الشهيد المجيد في الشونة لحظة وداع كوكبة من ضباط
الجيش العربي الأشاوس، وهمس لهم السر الهاشمي بالسير للجهاد وودعهم بالقول:
إما اللقيا في الجنة شهداء ترزقون وإما القبة والمسجد. ولقد كفوا ووفوا.
تلك
خلفية لا بد لأي محلل أن يضعها في اعتبار عناصر القوة في الموقف الأردني
وتبدأ بها. أما منصة الموقف الأردني وأول قوته تلك الحكمة المذهلة في فهم
الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لقوانين العلاقات الدولية. وأنه أول من
استوعب في المنطقة نظرية الدور للدول.
لقد أطاحت مغامرة الأمريكان
المعيبة والقاسية والمخزية سنة ٢٠٠٣ بنظرية قوة الإمكانات وتوفر الموارد
للدول. وسقطت الدولة العراقية رغم جبروت إمكاناتها، لأنها عجزت عن فهم
عناصر التغيير في لعبة الأمم. وجلالة الملك عبدالله حفظه الله ورعاه حصّن
الدور الأردني عبر اختراقه لضعف الموارد وهشاشة الإمكانات واستند على
عبقرية المكان وجعل منه حصنا وحصانة.
إن حجم القوة الهائلة التي
يتمتع بها أبو الحسين رغم نعومتها كعلاقات دولية أضحت بين أيدينا قوة نار
هائلة، وزنار صد يلجم من يود الاقتراب وسيحسب كثيرا تبعات الاشتباك مع
الأردن لأنه سيشتبك مع كل العالم تقريبا وقد يشتبك مع نفسه داخليا أيضا.
المنصة
الثانية هي الجيش العربي. لقد تفتتت جيوش المنطقة منذ لحظة انطلاق محنة
الربيع الأوبامي في دنيا العرب. وجيشنا العربي هو الجيش الوحيد في الشرق
الذي يجلل نواياه وقدراته الروحانية عنوانه وصفته: الجيش المصطفوي. وكل
جيوش الجوار مع كامل التقدير لها فإن عناوينها تخلو من هذا السمو الذي
ينتسب إلى محمد النبي عن طريق الرسالة والهدف، والذي حدده النبي وخليفته
لأي جيش ينتسب إلى الرسالة (المصطفوية)، قوة نار مدهشة تذيب الحديد عند
انطلاق الحناجر بــ (دعوة الحق إلينا) نحن دعاة الحق، وحين تزأر الأسود من
جنباتها (الله أكبر). وليتذكر الخصم والصديق ماذا جرى بعد ذلك في كرامة
الأمة حين بعثت من جديد بدم زكي استبسالي حد التماس الشهادة.
والمنصة
الثالثة في موقف الأردن هي فلسطين. فلسطين واجهة من واجهات التصادم
والصراع وفيها السلاح وفيها شباب يتوق للحظة مواجهة كلية، بظهير أردني.
الضفة ليست محايدة والضفة ليست بعيدة عن التكاتف والتعاضد والرمي المشترك.
وإن اختار الكيان اليهودي المواجهة، فإن كل عناصر التحريك ستدخل إلى
مواجهته، خاصة وأن ممثلي التطرف اليهودي (ما خلوا للصلح مطرح) في دموية
إيغالهم بالدم الفلسطيني. هناك إذا توق فلسطيني لمواجهة صارمة. وليس في
مصلحة اليهود افتعال مثل تلك المواجهة.
وثمة أوراق ضغط وقوة أخرى تضاف لهذه المنصات الرئيسة، لا بد من ذكرها:
أولا:
إن المجتمع اليهودي يعاني من حدة انقسام غير مسبوقة إلا لحظة أن اِنقض
اليمين اليهودي على اسحق رابين في أكتوبر ١٩٩٥، وكان خندق التحريض المتقدم
قد شغله الشاب المتغطرس المتهور بنيامين نتنياهو. لقد وصل الحال بزوجة اسحق
رابين (وهي مقاتلة عتيدة وليس مثل زمرة الحكم هناك الآن) إلى القول (إنه
لا يشرفني الإقامة في بلد هكذا أضحى حالها).
أحب أن أتخيل أن كل
ثارات أبناء المدن اليهودية منذ مقتل زعيمهم الذي كان مخلصا لفكرة سلام
التكافؤ والتعايش ستندلع في هذه الحقبة في مواجهة عصابة الثلاثة (نتنياهو
وابن الغفير والثالث سموتريتش). إن رعبا تستطيع أن تراه في العيون يوم
السبت الماضي في تل أبيب خاصة يهيء الأنفس للانقضاض على هدف مخيف لإيقافه
عند حده.
إن البناء على الغضب اليهودي في المعارضة والانتباه له يتوجب علينا التعامل معه كأولوية في مرحلتنا القادمة ودراسته باستمرار.
ثمة
منصة أخرى مهمة وهي أن معاهدة السلام مضمونة من أمريكا وروسيا والمجموعة
الأوروبية والأمم المتحدة. ومهما تكن غطرسة الترويكا الحاكمة في تل أبيب،
فإنها ليس في مقدورها ولا أظنها ترغب في الدخول في مواجهة عالمية إن هي
نقضت بوابة الصلح مع الأردن. إن كيانا أنشأه العالم بقرار وما زال يعتاش من
دعم المجتمع الدولي بشقيه الأمريكي والأوروبي لا يستطيع أن يقدم على هكذا
مغامرة. إن فكرة التدين والتعصب للدين والاعتصام به وحده ليكون مدخل
العلاقات الدولية ليس في مصلحة يهود
أبدا، بل في مصلحة الأردن
ومصلحة فلسطين ومصلحة العرب أجمعين. ذلك أن حصة اليهود كدين في العالم
محدودة جدا ولا تذكر إن وقعت المواجهة عبر بوابة (الديني).
فاليهود في
التاريخ لم يكونوا في أية لحظة حلفاء جديين للمسيحية. ورغم التبشير
بالتلاقي من مجموعات دينية متصهينة في أمريكا تغلق ملف التفاوت بين
اليهودية والمسيحية، إلا أنها حشرجات من غير معنى وتظل كاثوليكية روما
وأرثوذوكسية موسكو واليونان وقبطية مصر ترفض سرا وعلانية التطابق، والحالة
في الإسلام أصعب بكثير.
ولذا فإن إلحاح الترويكا اليهودية الحاكمة
الآن إن طورت بالفعل آليات لاستخدام الدين في التقدم بالصراع إلى حالة
ميدانية فإنه سيكون مدخل فناء للكيان وليس حبل نجاة ليهود.
الأردن
أقوى وهو الأقوى في مواجهة الترويكا الحاكمة في تل أبيب في الراهن من هذا
الزمان المرّ. ولا نقول ذلك في باب الأمنيات بل في ذلك سرد لحقائق
المجتمعات والتي باتت تُنخر بالتسلل الماكر وتضعف مناعتها عبر الإشاعات
ونزع الثقة وافتعال التضاد الداخلي والمكابرة لدى البعض في اعتبار نفسه
(جانجويد الأردن) الذي يصير صوته فوق صوت مصلحة الدولة.
نحن لا أحد
أقوى منا في المنطقة وبنيتنا الداخلية أصلب وأمضى بكثير من هشاشة نخبنا
وطليعيينا ومنظرين أتباع السفارات الذين بانتظار الصافرة. نحتاج فقط إلى
غرفة فتية تضم حكماء وتقرأ الممحي وترفع الصوت بصراحة في وجه استبداد البعض
بالرأي والتفرد.
إن أخطر ما تواجهه مسيرتنا اليوم الاستعلاء على
الإعلام ومحو أثره والإبقاء على مروجي الإشاعات بصوتهم العالي والتخلي عن
سلاح عظيم بأيدينا هو خطبة الجمعة. خطبة الجمعة ليست منبرا لأفكار وزير أو
مفكر خفي، خطبة الجمعة سلاح علينا واجب وطني لاسترداده، والإعلاء من معنى
كلمة العدالة والمواطنة والتوقف عن ابتداع قصص من زمن أضحى خلف مسيرتنا
الصاعدة.
إن أكثر أمر حساس يواجهنا في هذي المرحلة البحث عن وميض
لرجال ونساء لديهم قدرة التشخيص وجسارة النصح ومهارة الإقناع. نحتاج أن
تسترد الأردن فتيتها القادرين. لا يصح أن يظل إعلامنا رهن طيش الطائشين
وجهل المتخاذلين وتنطح المكابرين. أعطوا الوطن حقه وارفعوا وصايتكم عن
إعلامه وخطبة جمعته وردوا للمليك وللوطن بعض ما صنع لنا.
الأردن
قوي فقط نحتاج إلى إعادة النظر في ترتيب عناصر القوة. قالت العرب قديما
(اللي ما عنده كبير يدور على كبير). وكبيرنا موجود، وليس أكبر من مليكنا في
الوجود، فقط هو بحاجة إلى قوة من رجال وعزيمة من نساء قادرة أن تتماهى مع
إحاطته بوعي لمعنى الوطن وكيفية حمايته.