مهند العزة يكتب : الجندر وآفة التدليس ومتلازمة التفكير تحت الحزام
جهينة نيوز -تداول عدد من المتابعين منذ أيام نسخةً من كتاب موجه من حزب جبهة العمل الإسلامي إلى وزير التربية والتعليم؛ يستنكر تعميم أصدره الوزير يدعو فيه إلى ضرورة تدريب المعلمين على إدماج النوع الاجتماعي.
لم يكن المفاجئ في الكتاب "الموجه" افتتاحيته النمطية الماريشالية التشكيكية التي تتحدث عن: "القلق البالغ.. والاستهداف الواضح.. وخطورة الدعوات المشبوهة من الغرب والمانحين..."، كما لم يأت خارجاً عن المنهجية المألوفة لهذا التيار ؛ ما تضمنه الكتاب من تأثير متلازمة "التفكير تحت الحزام"التي تربط كل ما يتعلق بالجندر عموماً وبحقوق المرأة وحرياتها على وجه الخصوص؛ بهواجس ودلالات جنسية منحرفة.. فهذا كله بات علامة تجارية مسجلة استحقتها بجدارة حركات الفكر المتطرف التي وجدت في التعميم والخطاب المرسل والغمغمة والدندنة حول الجنس.. وسيلةً ناجعةً لإخراج الأمور عن سياقاتها وتجييش القطيع الذي باعهم عقله فألقى لهم السمع وهو مطيع.
الجديد في هذا الكتاب "الموجه" مستوى التدليس الذي انطوى عليه اعتماداً على أن الدراويش لا يقرؤون وإذا قرأوا فبالكاد يعقلون وإذا عَقَلوا فهم لا يفقهون، حيث ورد فيه عبارات منسوبة لمنظمة الصحة العالمية تقول نصا: "فالجندر كما عرفته منظمة الصحة العالمية (المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة على انها صفات اجتماعية مركبة أي لا علاقة لها بالاختلافات العضوية والتركيب البيولوجي"، ليتضح من خلال بحث بسيط أنّ هذا الاقتباس المنسوب للمنظمة مجتزأ حرفياً من مقال منشور على موقع "شبكة نساء سوريا" https://tinyurl.com/sxyytb2r بعنوان: "الجندر البداية... المفهوم وأنواع الهويات الاجتماعية" بتاريخ 22 شباط/فبراير 2016 ، ولا تحسبن أن من صاغ هذا الكتاب البائس قد قرأ المقال لا سمح الله، فغالب الظنّ أنه اكتفى بانتحال العبارة التي تظهرها نتائج البحث على محرك جوجل حال كتابة كلمات مفتاحية مثل: "تعريف الجندر منظمة الصحة العالمية"، إذ ستقفز في وجهك هذه الفقرة من المقال: "تعرف منظمة الصحة العالمية الجندر بأنه "المصطلح الذي يعني استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات اجتماعية مركبة لا علاقة لها بالاختلافات العضوية”". وإنصافاً لمن قصّ ولصق في كتاب الحزب، فإنه تجدر الإشادة بما بذله من جهد وابتكار حينما زاد كلمتي: "والتركيب البيولوجي" إلى آخر الفقرة المنتحلة، تماماً كما يدلّس بعض أصحاب محال بيع المأكولات الصغيرة الذين يطلقون على حوانيتهم أسماء محال كبرى تعلو اللافتة بخط كبير وتحتها كلمة أو اسم بخط صغير لخداع المستهلك وتجنب المخالفة القانونية، ولكم في "مطعم الحاج رضى" الشهير في مناطق عمان الشرقية ومطعم "نجوم الحاج رضى" النسخة المقلدة "First copy” مَثَل وعبرة.
لو قرأ أصحابنا حقاً المعلومات المبسطة المنشورة على موقع منظمة الصحة العالمية حول تعريف الجندر وسياقه https://www.who.int/health-topics/gender#tab=tab_1 لجاء كتابهم أكثر احتراماً لعقول الموجه لهم والمراد توجيههم به، ولأدركوا البعد الاجتماعي والحقوقي الذي يرد عليهما تعريف المنظمة للجندر، ولعاينوا البون الشاسع بينه وبين الدلالات الجنسية المشوهة التي اختزلوه فيها، ولعرفوا أن استخدام هذا التعريف يأتي في إطار الحديث عمّا تتعرض له النساء والفتيات من تمييز في مجال التمتع بحقوق الإنسان.
يستطرد هذا الكتاب "الموجه" من الحزب في التضليل والتدليس المخجل حينما ينسخ عن مقال منشور على موقع الجزيرة نت سنة 2017 بعنوان: "مفاهيم جندرية".. من ملكية الجسد إلى تطبيع الشذوذ" https://bit.ly/3BNWak5 تنسب فيه الكاتبة كذباً إلى الأمم المتحدة مصنّفاً عنوانه: "الأسرة وتحديات المستقبل" وتزعم أن الهيئة الأممية في هذا الإصدار: "تصنف الأسرة إلى 12 شكلاً ونمطاً من بينها أسر الشواذ جنسيا"، ليقوم أصحابنا برعونة واستخفاف -لا يليقان- باقتباس هذه العبارة من هذا المقال الهزيل وتضمينها في كتابهم الرسمي إلى وزير التربية والتعليم على أنها حقيقة موثقة.
الرجوع إلى المصادر الرسمية للأمم المتحدة وبصفة خاصة إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وما تنشره من معلومات وأدلة إحصائية اجتماعية وديمغرافية حول الأسرة https://unstats.un.org/unsd/demographic-social/sconcerns/family/ تظهر أن تصنيف الأسرة ليس بالتسطيح الذي ينتحله الكتاب الصادر عن الحزب من مقالة مفككة مرسلة تعج بالكذب، فالأدبيات الأممية إذ تعترف بأهمية الأسرة بوصفها عماد المجتمع، تفرق بين الأسرة (Family) باعتبارها كيان اجتماعي يضم شخصين أو أكثر تجمعهم صلة قرابة من خلال الدم أو الزواج أو التبني أو الاحتضان، وبين "السكنى/Household" حيث يقيم شخص أو أكثر أو أسرتين أو أكثر قد لا تكون بينهم جميعاً أو بين بعضهم صلات قربى لكنهم يتشاركون مكان السكن، لذلك فإن كل أسرة تشكل "سكنى/Household" والعكس ليس صحيحا، دون وجود التصنيف الاثنا عشري الذي يتحدثون عنه.
منهجية التعويم من خلال تجهيل المصادر بل اختلاقها واستخدام أكلاشيهات: "يقول العلماء وأثبت العلم" التي اعتاد القوم استخدامها بوصفها مراجع موثوقة معتمدين على ألّا أحد من دراويشهم يجرؤ على سؤالهم عن أي علم تحديداً يتحدثون ومن هم العلماء الذين ينسبون إليهم القول؛ لم تعد منتجةً في عصر باتت فيه المعلومة تلاحق الناس بعد أن كانوا يبحثون عنها، وربما هذا ما اكتشفه في وقت متأخر ملك التعويم والتعميم الداعية زغلول النجار حينما أحرجه باحثون وطلبة أثناء زيارته للمغرب عام 2017 وسألوه بإلحاح ودقة عن مصادر معلوماته حول كثير من الروايات والمعلومات المغلوطة التي نشرها بين متابعيه على مدار عقود، كما يظهر في الخمس وثلاثين دقيقة الأخيرة من هذا المقطع https://www.youtube.com/watch?v=7tqs90i41Vo فغضب منهم ووصفهم بالأشرار واتهمهم طبعاً بأنهم متآمرون.
ليس صدفة أن يأتي كتاب حزب جبهة العمل الإسلامي إلى وزير التربية والتعليم متزامناً ومطابقاً لتصريح نشره رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان/الأمين العام لحزب زمزم الإسلامي على صفحته على فيسبوك، ليمضي ناموس الحركات الإسلامية دون تبديل ولا تحويل، فخلافاتهم السياسية الظاهرة ووظائفهم الرسمية لا تؤثر مطلقاً على منطلقاتهم الإيديولوجية الأصولية التي في منبعها وجوهرها لا ترى في حقوق الإنسان والديمقراطية والقوانين "الوضعية"؛ أكثر من "رذيلة" لكنها وسيلة لبلوغ الغاية "النبيلة" للوصول إلى السلطة وإقامة دولة الخلافة على أنقاض المكتسبات الدستورية والحقوقية.
ترا هل حقاً تكمن مشكلة المتطرفين فكرياً في تعريف الجندر وخشيتهم المزعومة من أن تتسلل المثلية الجنسية إلى المناهج والمجتمع؟ أم أن متلازمة "التفكير تحت الحزام " هي التي تدفع جهازهم المناعي الذهني لمقاومة كل طرح يتناول تعزيز حقوق المرأة وإنصافها؟