بصمة المعلم و"الحجة مسعودة"
جهينة نيوز -
وليد حسني
لن أستذكر "الحجة مسعودة" عصا استاذنا طيب الذكر الرؤوف الرحيم المعلم والأب"الأستاذ حماده" استاذنا في الصف الثالث الابتدائي، فقد كانت عصاه ذات اللونين الأصفر والأسود وكأنها النحلة تعرف تماما مداخلها الى أيادينا حين نخطىء إذ نقرأ أو حين نكتب، أو حين تنحرف كلماتنا قليلا.
الاستاذ حماده وعصاه كان ولم يزل جزءا من خوالي وقادمات ايامي لا يمر يوم دون ان أذكره بالخير واترحم عليه إن كان ميتا، وادعو له بالصحة ان كان حيا، فقد ظل صاحب الفضل الأعظم في تعليمنا أنا واولاد صفي الابتدائي ذات سنة في مدارس وكالة مخيم البقعة حين قرر مدير مدرستنا اختبار تجربة تتلخص بتخصيص صف للطلبة من ذوي التحصيل القرائي الضعيف.
كنت ــ لحسن حظي ــ أحد هؤلاء، وقد تم اختبار قوتنا القرائية وضعفها من خلال ورقة مثقوبة من الوسط يقوم المدير بوضعها على كلمة في كتاب القراءة فإن قراها الطالب بطريقة صحيحة نجا من الصف الجديد، وإن فشل أصبح من أعضاء "صف التيوس" وهي الصفة التي ألصقها الطلبة والأساتذة بنا في تلك السنة.
تم حشرنا نحو 40 طلبا في صف جديد بعد ان تم تجميعنا من عدد من صفوف الثالث الإبتدائي، وقبل أن تهدأ خواطرنا وتخوفاتنا دخل علينا استاذ نراه لأول مرة، أشيب الفودين قصير القامة اظنه كان في الخمسينيات من عمره.
وضع عصاه على الطاولة وقال لنا كلاما كثيرا أبكى بعضنا حين اخبرنا اننا لم نعد طلابا في الثالث الإبتدائي، وإنما رسبنا الى الصف الأول الابتدائي، ثم لوَّح لنا بعضاه قائلا هذه اسمها الحجة مسعودة ولها نشيد هو:
إن الحجة مسعودة
على الطاولة مصمودة
تنزل على ظهر التيس
كأنها المغناطيسي
وظل يرددها معنا حتى حفظناها تماما واصبحت لازمة لنا ننشدها في كل صباح، ومطلع كل حصة دراسية..
لن أستعرض تاريخ "الحجة مسعودة" والأستاذ حماده رضي الله تعالى عنه حيا وميتا، ولكن يكفيني التأكيد على اننا "الطلاب التيوس" أعدنا دراسة مناهج الصف الأول والثاني الإبتدائي ثم الصف الثالث الابتدائي بنجاح وبتفوق، واصبحنا من اكثر طلبة المدرسة تميزا، وفي تلك السنة كان الأستاذ حماده يصطحبنا الى مكتبة المدرسة لنقرأ القصص، وننسخها.
جاءت العديد من الوفود من وكالة الغوث لتقييم التجربة، لقد نجحنا ، وتفوقنا وتم تصحيح مسار حياتنا بالكامل بفضل بصمات الأستاذ حماده رضي الله عنه، وبفضل "الحجة مسعودة".
بعد ذلك ظل الاستاذ حماده يراقبنا ويزورنا في صفوفنا التالية بين الفينة والأخرى، ويجلس معنا ويمازحنا ويسألنا ويوجهنا، كان ولم يزل في خاطري أكثر من مجرد معلم، لقد كان أشبه بنبي يرعى حوارييه، وكنا عنده أكثر من أبناء له، وأكثر من مجرد عقول ساهم بصناعتها.
وفي كل زيارة كان يطلب مني الوقوف لتقديم نشيد الحجة مسعودة، وكان يقول لي مبكرا جدا.. "والله يا وليد راح تصير كاتب.."..
أسوق هذه الصفحة المشرفة من إبداع المعلم الأردني وأنا أرى وأسمع كل ذلك الجدل الذي يثيره المعلمون حول البصمة وغيرها..
البصمة ليست مشكلة أبدا، ولكن على المعلمين ان يدركوا تماما أن بصمة الأستاذ حماده تساوي الكون بأسره، وهذه هي البصمة الحقيقية للمعلم، وليست بصمة الإصبع أمام كاميرا..
واسمحوا لي استعادة نشيد إنشادنا..
إن الحجة مسعودة
على الطاولة مصمودة
تنزل على ظهر التيس
كأنها المغناطيسي
ورضي الله تعالى عنك أيها المعلم الأب الأستاذ حماده فقد "كان يعلمنا كمن له سلطان وليس كالكتبة" كما يقول الإنجيل المقدس..//