جامعة الدول العربية لا تُلبي معدل التغيير في البيئة الأمنية العربية
جهينة نيوز -أنس الطراونة
يمكن إيجاز تطور المحطات الكرونولوجية لجامعة الدول العربية من خلال ربط هذا الجانب بجانب آخر لا يقل أهمية عن الاقتصاد والتنمية وهو ضرورة توفر مؤسسات مشتركة لتحقيق هذا المفهوم والمحافظة عليه لأجل العمل به حاضراً ومستقبلاً كضرورة إستراتيجية.
في عام 1945 نص ميثاق جامعة الدول العربية إلى أهمية صيانة الاستقلال للدول الأعضاء، وما يتصل بها من قضايا ذات صله , ولم تتغير الخريطة الأمنية منذ أن جاءت حرب 1973 التي كانت بمثابة آخر محطة تاريخية لمفهوم الأمن القومي العربي كمشهد مطلوب. بعد ذلك جاءت حرب الخليج لتضع المفهوم أمام خريطة متغيرة للمنطقة العربية سواء من الناحية الجغرافية السياسية أو من ناحية العلاقات الإقليمية إذ أرجعت المفهوم من قبيل الذكريات, وتركته حبيس الجدالات القومية القُطرية، وزادت درجة التمسك بمفهوم السيادة وهو ما أفقد الجامعة العربية وأفرغها من أي مضمون يحمل دورا أمنياً لمنظمة إقليمية , وخلاصة القول أن تنازع السيادات داخل منظمة جامعة الدول العربية عقد من مهمة تأصيل المفهوم الأمني العربي.
فإذا كان موضوع الخلافات العربية - العربية لم ينقطع منذ أكثر من ستين عاماً من القرن الماضي ، فإن ما يلاحظ عليه اليوم أنه ازداد حدة وضراوة وخطورة . حتى أنه أصبح يهدد مستقبل العالم العربي كله، فالمفروض أن هذا الأمر يجعل من نشاط الجامعة العربية في مجال حفظ السِلم والأمن في المنطقة ذو أهمية كبرى .
لكن الواقع يثبت عكس ذلك، حيث لم تكن المواقف العربية مبررة بكل المقاييس والأعراف , فعلى سبيل المثال لا الحصر , الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في فلسطين , والتي لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية , وما زاد من حدة هذا الوضع هو إسهامه في تعميق الهوة بين الدولة والمجتمع داخل الدول العربية، مما جعلها في حالة لا أمن اجتماعي , إذن فالنتيجة المتوصل إليها هي الضبابية المستمرة حول مفهوم الأمن القومي العربي، كون أن محاولة التأصيل له محفوفة بالصعوبات العملية التي تنعكس مباشرة على كونه انشغالاً بحثياً علمياً , بيد أنّ الخلافات القُطرية جعلت منه مفهوماً جدلياً يدور في فلك تصورات مرتبكة وغير ثابتة ، تخضع لسيطرة الأفكار والمضامين الضيقة للأمن، أضف إلى ذلك غلبة الشك المتبادل بين الدول العربية التي هي بحاجة إلى أطراف أجنبية لتطمئنها.
يمكن إثبات ذلك بوضوح من خلال المحطات الأمنية الحاسمة التي عرفتها المنطقة العربية على مدار أكثر من عقدين، بداية من حرب الخليج وظهور صعوبة الإقرار بوجود أمن قومي عربي، وهو ما انعكس مباشرة على دور جامعة الدول العربية بصفتها الإطار الإقليمي والتنظيم الوحيد لضمان وحفظ الأمن بالمنطقة ومنه مفهوم الأمن القومي ؛ إذن يتعين التذكير بهذه المحطات من منطلق أهميتها في تفسير عجز الجامعة عن تأدية دورها المنوط بها في حفظ الأمن حاضراً ومستقبلاً ؛ وبناء مفهوم أمني توافقي عربي يحد من شدة الإنفلات الأمني الذي تعيشه منطقتنا العربية.
إذن تأثير النظام العالمي أسهم في جعل جامعة الدول العربية في موقف يفرض عليها خيارين: الخيار الأول: التكيف الإيجابي، مع المتغيرات العالمية وبالتالي القدرة على البقاء والتطور والتقدم. والخيار الثاني: التراجع والإنزواء، ومواجهة خطر التحلل أو خطر الجمود والعجز .
في حقيقة الأمر إن ما آلت إليه جامعة الدول العربية كإطار إقليمي لم يتجدد , ويجعل الباحث يضعها في خانة الخيار الثاني كإطار معبر ومفسر لحالة الركود وعدم الفعالية التي تميز مواقفها السابقة والحالية من قضية الأمن القومي العربي كمسألة حيوية على جميع المستويات , وما يؤكد هذا التوجه هو التطورات التي تمثلت في الحراك الاجتماعي الواسع والموسوم الثورات العربية وتدخل إيران وزرع ميليشيات عربية لها داخل الدول العربية وانتهاك سيادتها . فإنه يمكن ملاحظة نقطة بارزة في مواقف جامعة الدول العربية وهي أن استجابتها لم تكن في مستوى التغيير الذي يحدث بالمنطقة .. إذ يمكن التعبير عن ذلك من خلال الصيغة الآتية :
((معدل التغيير في البيئة الأمنية العربية < معدل استجابة جامعة الدول العربية للمتطلبات))
فهذا ما يعمق الهوة بين المجتمعات العربية والأنظمة التي تمثلها على مستوى جامعة الدول العربية، فهي لا تعبر عن المطالب الأساسية لشعوبها التي يأتي في مقدمتها مطلب الأمن كحاجة أساسية , إذن فالنتيجة المتوصل إليها هي أن مواقف جامعة الدول العربية بشأن مفهوم الأمن القومي العربي لم تتعامل معه كمفهوم شامل واستراتيجي، يحمل معاني الخصوصية ، ويتوافق حول مصادر التهديد الداخلية والخارجية، إضافة إلى غياب الثقة بين أعضاء المنظومة العربية والذي عمق من حالة اللاأمن وجعلها سمة تطبع المنطقة العربية، وعليه يمكن القول أنه بالرغم من هذه الإشكالات العملية إلا أنه لا يمكن إغفال القاعدة الأساسية لهذا للمفهوم والمتمثلة في أنّ القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية في مواجهة التهديدات في السلم والحرب مع استمرار الانطلاق المؤمن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تحقيقا للأهداف القومية" , على أن لا يتم القفز على معطيات الواقع التي تفرض التعامل مع أبعاد جديدة للأمن القومي مثل الأمن المجتمعي وموضوع الديمقراطية التي تشكل أساساً لمقاربة حديثة للأمن القومي العربي , كضرورة إستراتيجية لبناء منظومة أمنية عربية تتكيف إيجابيا مع المتغيرات العالمية لتؤسس لبقاء مؤمن حاضراً ومستقبلاً.