"الشعب غلطان"... دليل الناخبين للثقة بالنواب...
وليد حسني
هل يحتاج الشعب الأردني الذي يمارس حقوقه الدستورية السياسية بانتخاب ممثليه لمجلس النواب لدليل لكيفية التعامل مع نوابه، وكيفية قبوله لهم سواء لجهة التأييد أم لجهة المعارضة والإحتجاج؟.
لا اظن ان أحدا طرح مثل هذا السؤال من قبل، لكن الوقائع والمعطيات أصبحت تدفع بنا دفعا للتفكير بمثل هذه الموضوعات التي لا تخطر على بال احد إلا إذا تم اعتبار مثل هذا التفكير نوعا من التحطيب على مجلس النواب، وطريقة جديدة في السخرية من المجلس وهو ما لا نبتغيه أو نعنيه في سؤالنا السالف.
بالأمس كان رئيس الوزراء ينهي جولته الحوارية مع الكتل البرلمانية بلقائه مع رئيس واعضاء الكتلة الديمقراطية النيابية، واستمع الرئيس الملقي لمداخلات عدة كان من أبرزها اتهام جهات متربصة بالإساءة للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
لم ينقل احد لنا تفاصيل أوفى عن تلك"الجهات المتربصة" وكأن المجلس الحالي يحتاج لمثل هذه الجهات لتتربص وتخطط لتخريب علاقة الود المكشوف بين النواب وبين الحكومة.
المجلس النيابي الحالي من أقرب المجالس فهما وتفهما وعلاقة مع الحكومة، وبالرغم مما سمعناه وسنسمعه من خطابات شعبوية في نقد الحكومة وسياساتها إلا ان العلاقة في العمق أكبر بكثير من أية جهة متربصة قد تفسد الود بين السلطتين، مما يبقي كلام النواب في الكتلة الديمقراطية أمس مجرد حديث يستهدف تأكيد المدى الذي وصلت اليه علاقة الثقة بين الجانبين.
في الجانب الموازي تبدو هذه العلاقة على غير رغبة المواطنين وجمهور الناخبين الذين ينظرون الى مجلس النواب الحالي باعتباره سلطة خاضعة بالتوافق للسلطة التنفيذية، ولا يقوم بدوره المأمول منه بالانحياز للناخبين أنفسهم ولمطالبهم ومشاكلهم، مما أفقد المجلس الحالي التمتع بثقة عريضة من جمهور الناخبين وهي الثقة التي فقد معظمها في بواكير دورته العادية الأولى السابقة.
وفقا للمعطيات فمجلس النواب الحالي ليس سيئا لتلك الدرجة التي تبرر إدارة الظهر له، واتهامه، ففيه ظواهر برلمانية جيدة، وفيه خطاب برلماني مميز، وفيه منحازون للمواطنين ولقضاياهم، يقابلهم نواب منحازون للحكومة باعتبار ان مدى القرب من الحكومة سيساعد النائب في الحصول على خدمات أفضل وأوسع لجمهور ناخبيه.
بين الطرفين يقف الناخبون في حيرة من أمرهم، وإذا كان الجميع يريد مجلسا برلمانيا ثوريا وبصوت صارخ فإن هذا الطموح لن يتحقق لهم في مجلس النواب الحالي لعدة اعبتارات من أهمها سلسلة الحسابات التي على النائب التعامل معها وأخذها في حساباته.
تلك الحسابات هي التي تظهر النواب في نظر ناخبيهم وكأنهم انقلبوا على وعودهم، ودخلوا الجيب الحكومي دون أي اهتمام بهم، وهذا ما يدفع بجمهور الناخبين لبناء مواقفهم السلبية من النواب.
أمام هذه المعطيات البسيطة والمسطحة إلى أبعد حد ممكن فإن الحاجة ماسة تماما لوضع دليل إجرائي للجمهور لتعليمهم كيفية التعامل مع نوابهم، وكيفية دعمهم، وتفسيرهم، وتقبل كل ما يخرج منهم وعدم النظر مطولا الى حكمة"الصمت من ذهب" أو"من كلامك أدينك" ..الخ.
الدليل الذي أتصوره يجب أن يتضمن كيفية قبول النائب في كل حالاته في الرضا والغضب، في مدى تفانيه في العشق الحكومي وفي مدى كراهيته للحكومة، في اتجاهات تصويته لصالح سياسات رفع الأسعار وتمرير رفع الضرائب، أو في معارضته لها، كما يجب ان يتضمن الدليل تعليم الناخبين لكيفية اختلاق الأعذار للنواب فهم يمرون هذا الأوان بظروف في غاية الصعوبة مع اقتراب دخولهم للدورة العادية الثانية في الثاني عشر من الشهر الجاري وأمامهم عشرات الملفات الضاغطة من أهمها رفع الأسعار ورفع الدعم، والموازنة العامة للسنة المالية 2018 التي بنيت أصلا على قواعد راسخة من رفع الدعم ورفع الضرائب والتوسع في سياسات الجباية، وكأن المواطن يدفع الجزية للحكومة.
وأرى أن يتضمن الدليل تعليمات مباشرة للناخبين بعدم الغضب من اتجاهات تصويت النواب على الموازنة وعلى السياسات الحكومية الإقتصادية المقبلة، فكلها تصب عمليا في صالح المواطن من الطبقة الوسطى وما دونها، وعلى المواطن بموجب الدليل المقترح أن يؤمن يقينيا بان ثمة طبقة وسطى في بلده، وعليه ممارسة قناعته التامة بان مجلس النواب ينحاز للطبقتين الفقيرة والوسطى.
وعلى المواطنين وفقا للدليل المقترح ان يتعلموا كيفية الرضا المطلق بما يقولونه نوابه لهم، وعلى المواطن ان يتدرب كثيرا على تصديق كل ما يصله من نوابه، وعليه مغادرة خندق التشكيك والإتهام فهذه نمطية في التفكير لم تعد مقبولة تماما مع مجلس نيابي وحكومة عتيدة تريد سحق المواطن تحت ذرائع إصلاح الموازنة ومعالجة العجز المالي في موازنة ستقع هي الأخرى في مطب العجز الذي أصبح صديقا وفيا لنا..
بصراحة أكثر .. بدأت منذ ليلة أمس أتدرب على تصديق كل ما أسمعه، واضع كل ثقتي حتى بعامل النظافة في مكاتب مجلس النواب على خاصرة العبدلي..//