د. أيوب أبو دية يكتب:إشكاليّات التدريس عن بُعد
جهينة نيوز إشكاليّات التدريس عن بُعد
د. أيّوب أبو ديّة
هناك ثلاث إشكاليات فيما يتعلق بالتدريس عن بُعد، هي: أولاً إمكانية الأسرة المادية في توفير أجهزة الحواسيب الكافية بعدد أبنائها، إضافة إلى توفير الوقت للاشراف على ابنائهم، وكذلك توفير نفقات الاشتراك بالنت، بشرط أن يكون بالسرعة والاستدامة الكافيين؛ وثانياً إشكالية عدد ساعات التدريس عن بُعد في ظروف غياب الرقابة المباشرة بين المعلم والطالب؛ وثالثاً إمكانية عودة بعض الطلبة الأصغر سناً إلى مدارسهم، فيما يمكن أن يظل الأكبر سنا منهم في المنزل للتعلم عن بُعد.
فيما يتعلق بمسألة توافر أجهزة الحواسيب اللازمة، والمطابقة لعدد الطلبة الأخوة في البيت الواحد، فيمكن اعتبارها مشكلة بحد ذاتها، خاصة إذا افترضنا أن البيت أيضاً غير متصل بشبكة إنترنت سريعة تمهّد للاتصال عن بُعد بكفاءة عالية. ومن سخرية القدر أن نستذكر كيف وزعت وزارة التربية والتعليم الحواسيب على الناس قبل أكثر من عقد من الزمان عندما لم يكن ذلك ملحاً مقارنة بحاجة الناس إليها الآن، فلماذا لا يتم اليوم رفد الأهالي غير القادرين على توفير الحواسيب لأبنائهم بحواسيب؟ طبعا بشرط أن تكون ذات كفاءة وصلاحيتها نافذة!
وإذا دمجنا الإشكالية الأولى (توافر أجهزة الحاسوب المناسبة نوعا وكما) بالإشكالية الثالثة بشأن عودة بعض الطلبة الأصغر سناً إلى مدارسهم، فإننا نستطيع القول إنه من الأفضل أن يتم اقتصار التدريس عن بُعد على طلبة الصفوف العليا لأنهم قادرون على الانضباط الذاتي أكثر من الطلبة في الصفوف الأولى، لذلك، فإننا نقترح أن تنقسم المدرسة إلى نصفين: نصف الطلبة، وهم من المنتسبين إلى الصفوف العليا (من الصف السابع حتى الثاني عشر، مثلا)، يأخذون دروساً عن بُعد من بيوتهم، فيما طلبة الصفوف الدنيا (من الصف الأول إلى السادس) يذهبون إلى المدرسة كالمعتاد، وعندها يتم توزيعهم على الغرف الصفيّة بنصف الأعداد السابقة، وذلك اذا تم توزيعهم على الصفوف المتوافرة كلها، وبذلك يكون التباعد ممكناً، وتغدو المخاطر الوبائية أقل بكثير.
بمعنى آخر، فإن ما ينطبق على المؤسسات العامة في الدولة، بخفض أعداد موظفيها إلى النصف، يمكن أن ينطبق أيضاً على المدارس بخفض عدد الطلبة إلى النصف أيضاً، وهكذا يكون التباعد ممكناً، ويغدو التعليم أكثر سهولة. ولكن، لا ريب سوف تظهر هناك مشكلة جديدة، وهي الحاجة الى أعداد جديدة من المدرسين لتغطية حاجة الصفوف التي تضاعف عددها في المدرسة بعدد طلاب أقل طبعا، الأمر الذي سوف يرفع من نوعية التعليم وسويته. ولكن، سوف تغدو هناك ضرورة لتوظيف أعداد أكبر من المعلمين للسيطرة على الوضع وتغطية الصفوف كلها. وهذه مسألة لها ايجابياتها فيما يتعلق بخفض نسبة البطالة في صفوف المعلمين، وخلق فرص عمل جديدة في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة .
أما فيما يتعلق بجدول تدريس الطلبة عن بُعد، فمن غير المعقول أن يبدأ التدريس بساعات كاملة تفصلها بضع دقائق بين حصة وأخرى، كما كانت الحال في المدرسة سابقاً، وذلك لصعوبة انضباط الطلبة بتوقيت الحصص الاعتيادية في غياب الاشراف المباشر للمعلمين، وغياب رهبة المعلم وهو ينظر إلى أعين الطلبة مباشرة بدون واسطة الكترونية، وبالتالي فمن المعقول أكثر أن تبدأ الحصص بالتدرج في الأسبوع الأول.
فعلى سبيل المثال، يمكن البدء بأربع حصص مع تخصيص فترات راحة كافية، حتى يتجول الطالب براحته في بيته بين حصة وأخرى لقضاء حاجته وغير ذلك؛ ثم بمرور الوقت يتم زيادة عدد الحصص عندما يعتاد الطالب عليها بصورة تدرجية. وهناك حاجة ملحة لتطوير منهجية جديدة في التعليم عن بُعد، بأن يُطلب من التلميذ أن يسهم في التحضير وشرح المادة لزملائه، وبذلك يندمج أكثر في الحصة وتصبح المشاركة العامة أكثر اندماجا وفائدة وتشويقا.
بناء على ما سلف، فمن المتوقع أن يكون الضغط عن الأهل قد انخفض أيضاً، فمن غير المعقول أن تتابع الأم أطفالها كلهم دفعة واحدة وهم يتلقون التعليم عن بُعد من المنزل، بينما عندما يكون نصف أبنائها في المدرسة والنصف الأخر في البيت تصبح المهمة أكثر يسرا وسهولة.
وأخيرا، تظل اشكالية الأم العاملة، فهل سوف تضحي بوظيفتها في سبيل الاشراف على أبنائها خلال التعلّم عن بُعد؟ مسألة بحاجة إلى بحث مستفيض، ولا أظن أنني أمتلك الاجابة عنها في الوقت الراهن!!