الغوطه الشرقيه وحقيقه وقف إطلاق النار
جهينة نيوز -الغوطه الشرقيه وحقيقه وقف إطلاق النار
منذ سنوات سيطرت فصائل المعارضه السوريه على مناطق متعدده قريبه ومحيطه بمدينه دمشق ومنها مناطق الغوطه . وقد استطاعت قوات النظام استرداد معظم هذه المناطق من قوات المعارضه بأستثناء الغوطه الشرقيه ومنطقه جوبر التي تعتبر حي من احياء دمشق والتي لا زالت تحت سيطرة قوات المعارضه وعلى الأخص تنظيم جيش الاسلام وفيلق الرحمن . كما تتواجد في المنطقه جبهه تحرير الشام وهي تحالف تنظيم النصره مع التنظيمات الرافضه لمفاوضات السلام . كما ان هنالك تواجد لتنظيم احرار الشام وتنظيم الفسطاط واللذان كانا احياناً يتحالفان مع جبهه تحرير الشام واحياناً اخري يختلفان معها . وقد شهدت هذه المنطقه معارك كر وفر ما بين قوات النظام والمعارضه مما أوقع الكثير من الضحايا وخاصه بين المدنيين والحق بها دماراً كبيراً وشاملاً .
وقد عُقدت عده اتفاقات لوقف أطلاق النيران في المنطقه وعلى فترات مختلفه مابين النظام والمعارضه برعاية روسيه ولكن لم يكن يجري الالتزام بها حتى ولو لبضع ساعات وسط دعوات دوليه على شبكات الأثير لوقف إطلاق النار والسماح بأدخال المساعدات الى المنطقه . وأخيراً تم طرح اقتراح لفرض وقف لإطلاق النار في المنطقه لمده ثلاثون يوماً عن طريق مجلس الامن تم الاتفاق عليه بالإجماع بعد ان نُزع منه الدسم . وصدر القرار رقم ٢٤٠١ تاريخ ٢٤ /٢ /٢٠١٨ ولكن دون آليه لتنفيذه ومراقبه هذا التنفيذ .
ورغم اعلان المجتمع الدولي ترحيبه بالقرار وموافقه الأطراف السوريه عليه الا ان تنفيذه لم يرى النور .
وهنا وقبل ان نقول لماذا لم يطبق هذا القرار فيجب ان نعرف فيما اذا كان هنالك من يريد تنفيذ هذا القرار سواء من الاطراف المتقاتله في سوريه على اختلافها او من الاطراف الدوليه المتداخله بالشأن السوري والداعمه لأحد اطرافه .
واي نظره شامله على الوضع السوري فأننا سنجد انه لايوجد طرف من هذه الاطراف له مصلحه بتطبيق وقف اطلاق النار هذا ، وذلك لأن لكل طرف مصالحه وحساباته الخاصه .
وسوف اتحدث عن مواقف الأطراف الرئيسيه في هذا الموضوع بدايه من الموقف الامريكي .
فقد فرضت اميركا نفسها كلاعب رئيسي في الاحداث السوريه ان لم يكن كصانع رئيسي للأحداث . لكن على الارض فقد كانت تُمارس تدخلاتها عن طريق وكلاء من دول المنطقه من حيث التمويل والدعم وعن طريق تنظيمات سوريه داخليه من قوى المعارضه وحتى من قوى الاٍرهاب . وكانت لها الكلمه الاولى الى ان ألقت روسيا بثقلها العسكري والسياسي في الازمه السوريه مما أدى الى سحب البساط من اليد الاميركيه . لذا فقد غيرت نهجها الى التدخل المباشر واقامه عده قواعد عسكريه لها في سوريه وخاصه على الحدود العراقيه . كما قامت بدعم المكون الكردي المتحالف مع بعض التنظيمات العربيه السوريه ومن خلال قوات سوريه الديمقراطيه وقدمت لهذه القوات الدعم اللامحدود ودفعتها للأستيلاء على المناطق التي كانت تسيطر عليها داعش بعد ان قلبت ورقتها مما ادى الى سيطرة هذه القوات على مناطق شاسعه من المناطق الشماليه والشماليه الشرقيه من سوريه بما فيها محافظات دير الزُّور والرقه والحسكه ومنبج وعفرين وادخال قواتها العسكريه الى معظم هذه المناطق . وبنفس الوقت فقد سعت الى سحب ورقه المفاوضات والحل السلمي من اليد الروسيه والتي كانت قد سيطرت عليه وعملت على إخراجه من نطاق جنيف الى استانا ثم اللى سوتشي التي كان من المفروض تكتب فيها خطوط النهايه . وهنا تدخلت الاداره الامريكيه وقلبت الطاوله الروسيه في سوتشي من خلال تصليب موقف قوى المعارضه السوريه المشاركه فيه مما افشل هذا المؤتمر ونتائجه مما دفع الكرامه الروسيه وما تبقى لدى النظام ومن يناصره منها الى السعي للحسم العسكري وكانت البدايه في منطقه الغوطه الشرقيه . وبالرغم من الدعوات الامريكيه لوقف الهجوم عليها ورغم سعيها لاصدار قرار من مجلس الامن بوقف إطلاق النار فيها ، الا انها لم تُمارس أي فعل إيجابي بهذا الخصوص وذلك بهدف زياده التورط الروسي فيها من خلال العمليات العسكريه الدمويه التي تقوم بها قواتها ، وكذلك بهدف تعبئه الرأي العام السوري ضد الموقف الروسي وقطع كل اتصال ما بين روسيا وقوى المعارضه السوريه وبالتالي دق آخر مسمار في نعش المحاولات الروسيه لفرض سلامها على سوريه وإعادته الى مسار جنيف والامم المتحده وانتقاماً منها لتجاهلها الدور الامريكي حتى لو كان الثمن سقوط المزيد من الضحايا من أبناء الشعب السوري .
اما وعلى الجانب الروسي فأنه وبعد ان وصل تدخله بالشأن السوري الى هذه المرحله وبعد الانتصارات التي حققها على الجانب العسكري والسياسي . وبعد ان أصبحت كل الأوراق في يديه وبعد ان أضاف اليها الورقه التركيه وخاصه بعد ان اطلق يديها في منطقتي عفرين ومنبج ، وبعد ان كاد ان يطوي ورقه المقاومه السوريه من خلال مفاوضات السلام ومسقطاً من اعتباره الورقه الاميركيه ، وبعد ان كاد ان يحصد نتائج ما زرع فقد كان ما حصل في سوتشي ضربه قويه له ولذا ما ان عُرض مشروع قرار وقف إطلاق النار في الغوطه الشرقيه من خلال مجلس الامن الا ان وافق عليه بعد ان أدخل على مشروع القرار ما يفقده قوته التنفيذيه ، ويبدوا ان ذلك تم بالاتفاق مع القوى الأخرى . الا انه من المؤكد انه لم يكن ينوي الالتزام بهذا القرار وكان يعلم انه لا احد سوف يلتزم بتنفيذ هذا القرار . ولذا فقد أعلن اللجوء الى الحسم العسكري في الغوطه الشرقيه بالاشتراك مع قوات النظام والقوى الحليفه له وعلى رأسها ايران وحزب الله وباقي المليشيات الشيعيه . كما أعلنت روسيا ان الغوطه الشرقيه غير مشمولة بقرار وقف إطلاق النار . وذلك في محاوله منها لتسويه حساباتها مع تنظيمات المعارضه السوريه التي انقلبت عليها بتأثير من اميركا بأللحظات الاخيره مما احبط إتمام المصالحه خلال مؤتمر سوتشي ، وليستكمل اختبار اسلحته العسكريه ومدى فتكها والتي قال عنها بوتين صراحه انها اثبتت فعاليه ، ولأثبات مقدرته العسكريه على حسم الأمور لصالح أصدقائه مما يفتح أمامه أسواق العالم لتسويق سلاحه ، ويبقي على وجوده بالقرب من الشواطئ السوريه وحقول الغاز فيها حتى لا تقع تحت أيد قوى معارضه له وتأثير ذلك على الغاز الروسي ودوره في التحكم بالدول الاوروبيه ، حتى لو كان ثمن ذلك سقوط الكثير من أبناء الشعب السوري ضحايا .
و نأتي الآن الى تركيا فبعد ان تحولت من حاضنه لقوى المعارضه السوريه وحتى الارهابيه منها الى الدفاع عن حقوقها ومكتسباتها الشخصيه في سوريه ، وبعد ان اصبح همها القضاء على الخطر الكردي الذي أخذ يمتد على طول حدودها الجنوبيه الى ان اقترب من الوصول الى شاطئ البحر الأبيض المتوسط و منطقه الاسكندرون ممتداً من الحدود العراقيه وبحمايه اميركيه ، وبعد ان أطلقت اميركا يدها في عفرين لطرد الأكراد منها لتتحول بعدها الى منطقه منبج لتكرر نفس المحاوله وبدعم روسي لنزع هذه المنطقه من السيطره الاميركيه فقد اصبح الوضع في غوطه دمشق آخر همها كما سبق وان حصل في حلب الشرقيه ، بل على العكس فأنه من الممكن ان يؤدي سقوطها في يد النظام الى مد منطقه أدلب بالمزيد من المقاتلين السوريين الذي يمكن ان تستخدمهم في حربها على أكراد سوريه ولزيادة قوتها في محافظه أدلب من خلال وجود اكبر عدد من المقاتلين السوريين المعارضين في سوريه فيها وخاصه لأن هذه المحافظه وضعت تحت الإشراف التركي لمراقبه مدى الالتزام بقرار وقف التصعيد العسكري بها . ومن ناحيه أخرى لزياده اظهار النظام كقوه قمعيه لا تبالي بأرواح مواطنيها . وليكون ذلك مبرراً لأعلانها بدورها بعدم شمول منطقه عفرين بقرار وقف إطلاق النار لتستمر في هجومها عليها بالرغم مما يوقعه هذا الهجوم من خسائر وأضرار في الجانب السوري وخاصه بين المدنيين
اما بالنسبه للنظام فأن معركه الغوطه الشرقيه هي معركه حاسمه بالنسبه له . فهو في حاله سيطرته عليها سوف يحقق الامن لمدينه دمشق ويبعد عنها أي تهديد من قبل المعارضه ويكون قد قطع خطوه كبيره في استرداد الكثير من المواقع التي كانت تحت سيطره المعارضه ، بحيث لن يبقى تحت سيطرتها الاجزراً معزوله من الاراضي في ريف حلب وحمص وفِي المناطق الجنوبيه حول مدينه درعا وبالقرب من الحدود الاردنيه ونقاط التماس مع دوله الصهاينه . بألأضافه الى منطقه أدلب التي هي القصة القادمه في سوريه . ولذا فأن قوات النظام شنت هجوما عنيفاً على منطقه الغوطه بهدف دفع قوات المعارضه اما الى الجنوب وأما الى أدلب ، وهو لن يوقف إطلاق النار حتى يحقق هذه الغايه مهما كانت الخسائر وأعداد المدنيين الذين يلقون حتفهم .
وأخيرا عن موقف تنظيمات المعارضه في الغوطه الشرقيه فأن هذه التنظيمات هي اكثر الأطراف حرصاً على عدم نجاح وقف إطلاق النار وهي صاحبه المصلحه الأكبر بأستمرار القتل والتدمير من قبل قوات النظام وانصاره والقوات الروسيه وذلك يعود الى اهميه الموقع بالنسبه لها والذي يقع في خاصره دمشق والذي يمكن منه ضرب أي هدف داخل دمشق ويمكن ايضاً التسلل منه الى داخل مناطق كثيره فيها . ولأن هذا الموقع من اهم وأخطر المواقع التي بقيت في ايدي المعارضه والذي يبلغ إعداد مسلحيها فيه الى حوالي عشرين الفاً أقاموا فيه الاستحكامات وحفروا الخنادق والانفاق ونشروا ترسانتهم من الاسلحه المتطوره والثقيلة في كل مكان ، في الشوارع وداخل المنازل وفوق أسطحها وبين المدنيين . ولذلك فقد دأبت هذه القوات المدعومه أمريكياً على شن الهجمات اليوميه على مواقع النظام وخاصه من منطقه حرستا منذ ان اعتبرت الغوطه منطقه خفض توتر حتى تفشل اتفاق وقف التصعيد فيها وحتى تفشل مباحثات السلام التي تقودها روسيا . وعندما تم إصدار قرار بوقف إطلاق النار من قبل مجلس الامن لثلاثين يوماً ، فقد بادرت بعض قوى المعارضه بقصف مواقع النظام مستدرجه إياها لقصف عنيف لمواقعهم بهدف استغلال وقوع خسائر بين المدنيين من اجل استعداء العالم على النظام وعلى روسيا ورافق ذلك الإعلان عن حصول حالات اختناق نتيجه ما قيل انه استخدام النظام لأسلحه كيماويه او غازات سامه لمعرفتها مدى حساسيه هذا الموضوع لدى العالم وفِي محاوله لجر المجتمع الدولي لاستخدام ألقوه ضد النظام لاستخدامه هذه الاسلحه بالرغم من انه لم يثبت دولياً استخدامه لمثل هذه الاسلحه ولعدم وجود مصلحه له بأستخدامها حيث انه يقوم بأيقاع الخسائر الجسيمه بقوى المعارضه من خلال استخدام اشرس وأعنف عمليات القصف البري والجوي بما فيها البراميل المتفجره بالتعاون مع القوات الروسيه والمليشيات الحليفه له والتي توقع كل يوم عشرات الضحايا بما فيهم المدنيين والأطفال دون ان يعرض نفسه لأحتمال التدخل الدولي ضده لأستخدامه الاسلحه الكيماوية او الغازية والتي اقتصر مفعولها على الاشتباه بوجود حالات اختناق نتيجه استعمالها .
ويعود هذا الموقف الا انه ليس امام تنظيمات المعارضه الا القيام بذلك والتمسك بوجودها في الغوطه الشرقيه مهما كلّف الامر لأن البديل الوحيد عن ذلك هو أخراجهم منها كما تم اخراج غيرهم من مناطق أخرى وان خروجهم سيكون اما باتجاه الجنوب وبالتالي قرب الحدود مع العدو الصهيوني مما سيكبل أيديهم عن العمل كما هي أيدي التنظيمات المتواجده في تلك المنطقه الآن . او الذهاب الى محافظه أدلب كما ذهب غيرهم وحيث ستقع المعركه الفاصله . ولذا فأن بقائهم في الغوطه وتمسكهم بمواقعهم فيها هي مسأله حياه او موت بالنسبه لهم سوف يحاولون التمسك به مهما كانت الخسائر ومهما بلغ عدد الضحايا وخاصه بين المدنيين الذين تمنعهم من الخروج من الغوطه .
لكل ذلك اعود وأقول ان الغوطه الشرقيه لن تشهد وقفاً لإطلاق النار وانه لا يوجد طرف يسعى لتطبيق وقف إطلاق النار هذا، وانه لن يكون هنالك الا الحسم العسكري للوضع فيها . ومن واقع الأحداث الجاريه الآن فأن الأقرب للحسم هو النظام وانصاره والذي أخذ يحقق تقدماً على الارض أعترفت به قوى المعارضه وان اختلفت على مداه وشموله الذي يتراوح مابين عشره بالمائة الى خمسه وستين في المائه حسب تصريحات بعض قاده فصائل المعارضه مما يشير الى ان الخاسر الأكبر ستكون تنظيمات المعارضه التي لن يكون أمامها سوى الخروج الآمن من المنطقه كماخرجت من مناطق أخرى وحسب الاقتراح الروسي المقدم اليها ، مالم تكن للقوى الاخرى المتداخله في الصراع السوري كلمه اخرى وموقف آخر في قادم الأيام وفي معرض الصراع ما بينها على تقاسم النفوذ على الارض السوريه . أما الشعب السوري على اختلاف مواقعه وانتشاره وانتمائاته فلا بواكي لهم .