ضغوط نفسية واجتماعية بالجملة: عندما تفاقم الثقافة المجتمعية أعباء المطلقات والأرامل

نزلتها وطلعتها محسوبة عليها”.. “الشاطر بدو يتحكم فيها”.. “سهلة الانقياد أو الانحراف”، هذه الكلمات هي بعض ما يتردد على مسامع كل من السيدات أم هاني وأم أحمد وأم علي (اسماء مستعارة)، بعد أن تغيرت حالتهن الاجتماعية من متزوجة إلى أرملة أو مطلقة، لتتغير معها بشكل مفاجئ نظرة المجتمع لهن.  تُمثل هؤلاء السيدات الأرامل أو المنفصلات شريحة من المجتمع يواجهن تحديات وظروفا صعبة، وتشكل نسبة السيدات الأرامل والمنفصلات في الأردن وفقاً لآخر إحصائية لدائرة الإحصاءات العامة للعام 2016 نحو 11 %.
 وعلى الرغم من فقدان المرأة لزوجها الذي يعد داعما معنويا ونفسيا وماديا لها، وما يتركه ذلك من أثر نفسي صعب عليها، يجعلها كأم تحاول جاهدة في مجتمع ذكوري بإمتياز أن تتغلب على ذلك لأجل نفسها ولأجل أطفالها الذين سيعيشون إما بعيدا عن الأب في ظل انفصال والديهما أو فقدانهم له بسبب وفاته، وهذا أصعب لأن الأم ستكون هي الأم والأب في نفس الوقت، وبالتالي يشكل ضغطا أكبر عليها؛ إلا أن المجتمع يزيد من معاناتها كسيدة أرملة أو مطلقة في صورة تحمل مضامين في أغلبها سيئة.
عدم استقرار
“أنت بتضلّي مرة، كبرتي صغرتي صرتي وزيرة شو ما صرتي بتضلّي مرة.. وسلطتك تحت جناحنا”.. تقول أم هاني هذا ما يقوله لها أحد أشقائها الذكور، عندما كانت مطلقة وترغب بأن تسكن وحدها مع أبنتها آنذاك، رغم أنها أكبر سنا منهم، الإ أنها كانت لا تملك إلا أن تستجيب لهم بحكم “هيك تربينا”. 
أم هاني سيدة أرملة في العقد الرابع من عمرها، مرت بتجربة الطلاق ثم بعد ذلك تزوجت من رجل متزوج يكبرها بعشرين عاما، توفي ولديها ثلاثة أطفال لا يتجاوز أكبرهم الـ13 عاما.
عندما توفي زوج أم هاني انتقلت للعيش لفترة هي وأولادها في بيت أهلها ولم تكن تشعر بالاستقرار لتدخل أخوتها في حياتها، ثم رجعت إلى بيت زوجها المتوفي وهي شقة مستقلة عن زوجته الثانية وأولادها، الذين هم أيضا فرضوا سيطرتهم عليها وتدخلوا بحياتها، الأمر الذي دفعهم كما تقول، أم هاني، إلى أن يضعوا كاميرا مقابل باب المنزل ليراقبوا من يدخل أو يخرج إلى المنزل، وعندما أخبرت أخوتها كان ردهم “حرصا وخوفا عليك”.
وإلى جانب التدخلات التي تفرضها العائلة ونظرة المجتمع على حياتهن، فالمسؤوليات والضغوطات أيضا تزيد على المرأة بمرض أحد أطفالها، كما هو الحال مع أم أحمد  وهي في العقد الثالث من عمرها ولديها طفلان، يُعاني أبنها أحمد الذي يبلغ سبع سنوات من فشل كلوي يستدعي زيارته للمستشفى من حين لآخر، بالإضافة إلى صعوبات في النطق والتعلم حيث يتم تأهيله من خلال مراكز خاصة، ونظرا لظرفه الصحي فأن ذلك يتطلب منها التغيب لفترات طويلة عن المنزل أثناء مراجعته للمستشفى والتنقل في المواصلات، الأمر الذي يجعلها تتأخر في العودة لتدخل في شجارات مع شقيقها وصلت إلى حد ضربها أمام الأطفال.
تدخل شقيقها بصفته الأخ الأكبر والمسؤول عنها بعد وفاة والدها وكبر سن والدته، جعله يضغط عليها ويطلب منها أن تتنازل عن حضانة الأطفال، وكانت عندما ترفض تتعرض للتعنيف من قبله، تسبب لها ذلك في إحدى المرات بدخول المستشفى وبقائها تحت ادارة حماية الأسرة التي لجأت إليها أكثر من مرة لتدخل شقيقها وتعنيفه لها وللأطفال.
نتيجة لهذه التدخلات بحياتها مرارا وتكرارا حاولت أم أحمد، رغم ظروفها المادية الصعبة أن تجد مسكنا خاصا بها لتقلل من حدة المشاكل بينها وبين شقيقها، ولتشعر بنوع من الاستقلالية مع أطفالها لكن أخوها كان يرفض من مبدأ “شو بدك يحكوا عنا الناس.. طرد أختو من البيت عيب بحق العائلة” تقول أم أحمد.
طلاق في تصاعد
بلغت عدد حالات الطلاق التراكمي المسجلة في المحاكم الشرعية في الأردن العام 2016 بحدود 21969 حالة طلاق، وفق المعهد الدولي لتضامن النساء. وبحسب الجنس والجنسية كان هناك 19919 حالة طلاق لذكور أردنيين مقابل 2050 حالة لذكور غير أردنيين، و19487 حالة لإناث أردنيات مقابل 2482 حالة لإناث غير أردنيات، وذلك حسبما جاء في الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2016 والصادر عن دائرة الإحصاءات العامة.
تشير جمعية معهد تضامن النساء إلى أن 21.2 % من الذكور المطلقين و51.8 % من الإناث المطلقات أعمارهم تقل عن 25 عاماً. وبالأرقام فإن 4674 ذكرا و11397 أنثى تم طلاقهم ضمن الفئة العمرية 15 - 25 عاما. علما بأن الربع الثالث (تموز وآب وأيلول) من العام 2016 شهد 28% من حالات الطلاق وبعدد 6050 حالة.
أم أحمد كانت قبل طلاقها تتعرض للتعنيف من قبل زوجها الذي تصفه بـ “غير المبالي أو المسؤول”.. حتى في مرض ابنه ومتابعة حالته الصحية، فالعمليات التي كان يُجريها ابنه كانت مُكلفة لعدم وجود تأمين صحي، لكن بجهود أم هاني استطاعت أن تحصل على إعفاء من إحدى الجهات لأبنها، “أكثر من مرة كنا بنأجل العملية لأبني لأنه كان بدهم توقيع طليقي وما يجي فكنت الجأ لحماية الأسرة ليجبروه على الحضور “، تقول أم هاني. حتى في هذه الظروف السيئة التي كانت تعيشها أم أحمد مع زوجها، إلا أنها لم تكن ترغب في الطلاق لأجل أطفالها كما تقول، الا أن قرار طلاقها كقرار زواجها لم يكن لها يّد فيه.
تحديات اقتصادية
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة  التي تشهدها البلاد، أظهر تقرير لتضامن نُشر مؤخرا  أن معدل نفقة الزوجة أنخفض ليصل 78 دينارا العام 2016 بينما كان 80.7 دينار العام 2015 شاملاً على القوت والكسوة والسكن والتطبيب، وانخفض متوسط نفقة الأولاد الى 52.6 دينار العام 2016 بينما كان 67.8 دينار الاعام 2015 ، وارتفع متوسط نفقة الآباء والأمهات الى 56.5 دينار خلال العام 2016 فيما كان 53.6 دينار العام 2015.
هناك تحديات كبيرة تواجه الأم الارملة أو المطلقة في وضع اقتصادي ضاغط، فراتبها إذا كانت سيدة عاملة لم يعد يكفيّ لإعالة الأسرة مع الأخذ في الاعتبار الفجوة في الأجور بين رواتب الرجال والنساء وتدني الأجور، وإذا لم تكن عاملة فالوضع يزداد سوءا، تقول الناشطة والمحامية هالة عاهد.
وتضيف عاهد أن غياب وسائل الدعم النفسي والمجتمعي من حضانات ودور رعاية للأطفال في مكان العمل تُعد معيقات إضافية تواجه هؤلاء السيدات، إلى جانب معوقات قانونية تترتب على السيدة المطلقة في حالة سفرها  للخارج وأخذ أطفالها معها حيث لا يُسمح لها في بعض الحالات أصطحاب أطفالها معها الا بأذن من ولي أمر الأطفال.
أم هاني قبل أن يتوفى زوجها كانت تعمل في وظيفتين، موظفة في مدرسة عاملة نظافة، وبعد إنتهاء دوامها في المدرسة تعود للمنزل لتُبدل ملابسها وتذهب لعملها المسائي موظفة أمن في أحد المولات من الرابعة إلى الثانية عشره منتصف الليل ولأنها لم تكن تملُك سّيارة كانت تصل البيت الواحدة بعد منتصف الليل.
 لكن بعد أن تغيرت الحالة الأجتماعية لأم هاني من متزوجة إلى أرملة فقد فقدت وظيفتها المسائية التي كانت تُعد مصدر دخل يُغطي إلتزام العائلة. “ما بقدر أتأخر برا البيت لهيك وقت لأن الناس راح يحكوا هاي وين كانت “ تقول أم هاني.
يصل راتب أم هاني إلى 310 دنانير من عملها في المدرسة، يُقتطع منه 217 دينارا قروضا، ومن ما يتبقى لها من راتب زوجها المتوفى بعد تقسيمه مع عائلته الثانية 154 دينارا؛ ليصل دخل أسرتها إلى 247 دينارا لإعالة ثلاثة أطفال “من وين راح أكل وأصرف” تقول أم هاني.
تتشارك السيدة أم علي (أرملة) وهي أم لأربعة أطفال هذا الجانب مع أم هاني، فهي كانت في السابق موظفة إدارية في أحد المؤسسات. تركت عملها لأسباب تتعلق بالجهة التي تعمل لديها قبل وفاة زوجها، وبعد وفاته وللظروف الاقتصادية التي بدأت تترتب عليها، تبحث عن عمل يتناسب مع حالتها الاجتماعية، ولكنها كانت تتفاجأ من تعامل البعض معها بعد أن يعرف حالتها الاجتماعية كسيدة أرملة، أو أن يتم رفضها أو استغلالها، وهو ما حدث معها ذات مرة عندما طلب  منها رجل تعرفه أن ترافقه في نُزهة خاصة  “أنا ما بعرف شو بشوفوا الارملة سايبة على راسها”، تقول أم علي.
وبسبب محدودية الفرص قررت الأربعينية أم علي أن تعتمد على نفسها في أن تجد مصدر دخل خاص بها، فبدأت بعمل منتجات منزلية وبيعها.
تشكل الأردنيات الأرامل 90 % من مجموع الأرامل ذكورا وإناثا، كما تشكل الأردنيات المطلقات 72 % من مجموع المطلقين ذكورا وإناثا، وفق إحصاءات العام 2016. 
تقول عصمت حوسو، رئيسة مركز الجندر للاستشارات النسوية والاجتماعية، أن تلك النظرة للسيدات الأرامل والمطلقات جاءت من التقاليد والعادات والأعراف التي تكون في أغلب الاحيان أقوى من التعاليم الدينية والقانون، وأن هذه النظرة الذكورية التقليدية إتجاه هؤلاء السيدات تختلف من منطقة لأخرى. 
تضيف حوسو أن عدم عمل السيدات الأرامل والمطلقات ليس بالضرورة عائداً إلى الحالة الاجتماعية، بقدر ما هو عائد إلى عوامل أخرى مثل العمر المستوى التعليمي وعمل إحدى أفراد الأسرة .  
“دورنا كمختصين هو تمكين المرأة داخليا؛ من خلال توعيتها ودعمها نفسيا واجتماعيا لأن ذلك يقود إلى تمكينها خارجيا لتواجه التحديات بثقة أكبر وبالتالي تتغير الصورة النمطية عنهُن”، تقول حوسو.
وتتابع بأنه يجب علينا تركيز الضوء بشكل أكبر على هذه التحديات التي تواجه هؤلاء النساء وعلى نجاحهن في اجتياز هذه العقبات ليكن نموذجا يُحتذى به لنساء يعشن نفس التجربة.