"التعلم عن بعد" بين الحاجة والضرورة

جهينة نيوز - مواقف تربوية(2)
"التعلم عن بعد" بين الحاجة والضرورة
بقلم : زيد ابوزيد
تداعت أكثر من 70 دولة من دول العالم لعقد مؤتمر عبر تقنية الفيديو بتنظيم من اليونسكو لدراسة سبل ضمان استمرارية التعليم عبر العالم بسبب انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)المستجد، أما في الاردن فقد أكد وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي أن على وزارة التربية والتعليم وكافة مؤسسات الدولة أن تكون جاهزة لأي أمر طارئ، من خلال وضع خطة متكاملة للتحول للتعلُم عن بعد في في حال وجود قرار على المستوى الوطني بتعطيل المؤسسات التعليمية، وبخاصة المدارس في إطار الحرص على صحة الطلبة وسلامتهم.
إنَ هذا المنحى في التفكير يقودنا جميعا للتفكير بكيفية إيجاد الحلول لكل مشاكلنا وبخاصة إشكالية التعليم والتعلُم والمعضلات التي تواجهها النظم التعليمية في زمن الكورونا وغيره، وعن استعداداتنا على صعيد بنية النظام التعليمي ومجتمعات التعلم وتمكين المعلمين لاستثمارها في زمن الازمات، فعالم اليوم يشهد تطورات هائلة وهذه التطورات تقودنا بالضرورة إلى ايجاد الحلول لمشاكلنا كافة ، ليس على صعيد التكنولوجيا والتقنية فقط، بل يتعدى ذلك إلى كافة جوانب الحياة ، فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا وتربويًا ، فالثورات العلمية الجبارة القادمة بوتائر سريعة، صبغت عالم اليوم بلونها، ووقف الإنسان مذهولاً أمامها على الرغم من أنه هو الذي أوجدها وطورها ، فنحن نرى ونعيش اليوم عصر الذرة والأقمار الصناعية ، وعصر الكومبيوتر والإنترنيت ، والاتصالات وأجهزة الاستقبال التي حولت العالم بل والكون كله إلى قرية صغيرة ، ومكنت الإنسان من الحصول على كل ما يحلم به من المعلومات والبيانات بدقائق معدود، ولكنه أيضا حمل أوبئة جديدة كإيبولا و فيروس كورونا (كوفيد-19)، وتعقيدات وفوارق هائلة بين مجتمعات التعلم والتعليم.
إن التطور العلمي والتقني لم يقتصر فقط على الاختراعات و الصناعات المختلفة ولكنه أيضا شمل العلوم الانسانية والتربوية، ورغم أنه كانَ تطورا مفيداً في جوانب كثيرة، ولكنه أيضا كان مخيفاً ومربكا في جوانب أخرى، وعلى كل حال فقد كان لابد أن يحدث التطور في المجال التربوي والتعليمي جنباً إلى جنب مع الجوانب التكنولوجية، لأن المجالين يكمل بعضهما بعضاً ، ولأن التطور التقني يتطلب قدرات متطورة وعالية لدى العاملين لكي يستطيعوا مواكبة التطور التقني في العصر الحديث، وهكذا ارتفعت أصوات المفكرين والعلماء العاملين في المجال التربوي لإجراء ثورة في أساليب التربية والتعليم في مدارسنا ، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية والوسائل التي تمكن المدرسة من أداء عملها على الوجه الأكمل، واتفق الجميع على اهمية استخدام التكنولوجيا كأساس ورافعة مهمة في نجاح العملية التربوية ، لأنها تمثل ضرورة في جميع مناحي الحياة ،إلا أنها في التربية والتعليم ذات أهمية قصوى، فلا تعلّمّ حقيقي اليوم دون استخدام التكنولوجيا ومصادر المعرفة وادواتها العالمية.
واليوم، وقد بدأت الانظمة التربوية تتداعى للتفكير في زمن الوباء المستشري كورونا، والجميع ينادي بضرورة إتاحة فرص التعليم للجميع بغض النظر عن الجنس أو مكان السكن ، أو الطبقة الاجتماعية، و في كل الاوقات، عادت مفاهيم التعلُم عن بعد، التعلم الالكتروني (E-learning) والذي يعتبر وسيلة من الوسائل التي تدعم العملية التعليمية والتعلمية الإلكترونية والإبداع والتفاعل وتنمية المهارات،واستخدام التكنولوجيا في التعليم لتحتل موقع الصدارة في اهتمامات المفكرين التربويين ليس على الصعيد الوطني فقط بل على مستوى العالم، وهذا بمجمله لن يحسن التعليم والتعلم بل وسيحسن كل مظاهر الحياة ، حيث يجب أن تتوافّر التكنولوجيا في المنهاج المدرسي، وفي غرفة الصف، وفي أساليب التدريس والأنشطة والوسائل التعليمّية- التعلميّة، إلى غير ذلك من الأمور التي تُلبي حاجات جميع الطلبة على اختلاف إمكانياتهم وقدراتهم، وهذا يتطلب توفير المحتوى المناسب ووسائل الربط الالكتروني ومصادر المعرفة الرقمية لمحاكاة مجتمع متنوع وضمان التعلُم للجميع ، ولأن التعلُم عن بعد لا يحقق الإنتاجية المطلوبة، إذا بقي متروكاً للجهود الفردية للمعلمين والطلبة وقدرتهم في الوصول إلى شبكة الإنترنت، وإمكانية استخدامهم لأحدث التطبيقات التي تساعد على شرح دروس تفاعلية وإنجاز الامتحانات، وهو ما يقودنا للبحث في مفهوم التعلم والتعليم ومفهوم التعلم عن بعد.
من المعروف بديهيا أنَ التعلم هو المحور الرئيس في العملية التعليمية، لكن المشكلة التي يواجهها الكثيرين هي الخلط بين مفهومي التعليم والتعلم، فالتعلم لغةً تحصيل المعرفة بالأشياء، أما اصطلاحًا فهو نشاط يهدف الى تحقيق خبرات مهارات ومعارف جديدة، والإنسان يتعلم ويقصد التعلم ويحققه إذا كان ما يتعلمه سيغير سلوكياته وأفكاره وقيمه وتوجهاته وفهمه للأمور، لكن هناك تغير تلقائي يحدث للإنسان محض الصدفة وتغير يستحدثه التعلم، وهذا التغيير لا يكون وقتيا وإنما يستمر مع الإنسان ونحكم عليه إذا كان صحيحا في حال تكراره، ومن هنا يعرف التعلم الذاتي على أنه تعلم يمارسه المتعلم بنفسه بالاعتماد على بعض المواد التعليمية التي تكون مصممة بشكل معين تساعده على التعلم، حيث يختلف عن التعليم في كون التعليم عملية يتم فيها تحفيز القوى والمهارات العقلية، بممارسة نشاط ذاتي عن طريق تهيئة مجموعة من الظروف حتى تكون مناسبة وتمكنه من الحصول على المعلومات، وهنا يمكننا القول بأن الهدف من ذلك كله هو انتقال المعلومات من شخص إلى آخر.
أما التعلم عن بُعد فهو أحد طرق زيادة كفاءة أشكال التعلُّم وأساليبه، و جاءت الحاجة اليه نتيجة التطوُّر الكبير في التقنية المعلوماتيَّة ووسائل الاتصال الحديثة مما أدى إلى رواج استخداماتها التعليميَّة وظهور أشكال وأساليب جديدة أكثر فعاليَّة منها، إذ يمكن ومن حيث المبدأ أن نفرق بين التعلُّم عن بُعد كبديل للتعلُّم التقليدي، إذ يترتب على الالتحاق بمناهج التعلُّم عن بُعد إكمال مرحلة تعليميَّة أو الحصول على مؤهل، وبين التعلُّم عن بُعد كمكمّل للتعلُّم التقليدي ، وبما يضمن تحقيق القيمة الأكاديمية لها بما يتماثل مع نظيراتها من البرامج الأكاديمية التقليدية والتي تؤدي إلى تخريج طلبة ذوي كفاءة عاّلية في المجالات المعرفية المتوفرة ،وهذا يتطلب اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لإدارة برامج التعلم الإلكتروني بما يضمن جودة نتائجها واستمرارية أدائها من خلال تقييم نتاجات العملية التعليمية والتعلمية الإلكترونية وذلك على مختلف مكوناتها، كما يجب التحقق من جودة الآليات المستخدمة لإدارة العملية التعليمية والتعلمية وتوثيقها وضمان تحقيق أهداف ومخرجات التعلم المرجوة.
كما يمكن تطبيق استراتيجية جديدة اقترحها الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدان تسمّى: الصف المقلوب!!، ويمكن استخدامها كلياً أو جزئياً. وتقوم هذه الاستراتيجية على أساس مغاير وعكسي لما يتم في الصف التقليدي، إذ يتعلم الطلبة في المدرسة " في الصف التقليدي" كل ما يحتاجون ويطبقون في البيت بعض ما تعلموه بشكل واجبات مدرسية، وتكون النتيجة تعليماً تقليدياً: معلمٌ يعمل وطالب يستمع!! ، أمّا في الصف المقلوب، فيعمل الطلبة في منازلهم، ويأتون لمناقشة ذلك في صفوفهم. بينما يعد المعلم مواد الطلبة وواجباتهم ويرسلها إلى الطلبة، ويدير نقاشاتهم الصفية. وبذلك سيكون لدينا متعلم نشط، ومعلم غير ملقّن في سياق التعلُّم مُتعدِّد القنوات في كل الظروف والحالات الناشئة.
لقد أصبح التعلُّم عن بُعد، وتعدد قنواته التعليميَّة، عنصرين أساسيين ومهمين، في منظومة التعلُّم المتكاملة في المجتمعات المتطوِّرة، ومعروف أنَّ أسس التعليم في البلدان النامية تواجه أو تعاني أوجه قصور ومشاكل مُتعدِّدة تظهر أن التعلُّم عن بُعد خاصة في سياق التعلُّم مُتعدِّد القنوات يمكن أن يسهم في مواجهتها، ويقع على رأس قائمة أوجه القصور وهذه المشاكل الابتعاد عن التعليم التقليدي إما بسبب النوع ،وإمّا بسبب البعد المكاني، وإمّا بسبب العوز أو الفقر، أو كالحالة الناشئة بسبب الاوبئة أو الحروب، ولا يقل عن ذلك أهمية انخفاض نوعيَّة التعليم، وضعف العلاقة بين التعلُّم ومقتضيات التنميَّة والتطوُّر.
غير أنَّ مشاكل أسس أو نسق التعليم، وسمات السياق العام له في البلدان النامية، يمكن أن تُنتج أنماطاً أو أساليب عدة من التعلُّم عن بُعد قد تكون مشوهة وقليلة الكفاءة أو الجودة، إذا لم يخطط لها بدراية وخبرة ، فضلا عن توفير المستلزمات والإمكانات الكافية لها، ولذلك فإنَّ الاستثمار الناجح للتقنية المعلوماتيَّة ووسائل الاتصال الحديثة أثر كبير في التعلُّم عن بُعد.
لقد كانَ أول ظهور للتعلُّم عن بعد من خلال التعلُّم بالمراسلة، أي إنَّ الوسيلة له كانت الخدمة البريديَّة التي ساعدت على نقل المواد الدراسيَّة المطبوعة، أو المكتوبة، بين القائم بعمليَّة التعلُّم (المُعلِّم) والفرد المُتعلِّم. وبعده بدء البث الإذاعي ومن ثم استخدام الراديو في التعليم. وبتقدم الصناعات الكهربائية والإلكترونيَّة ازدادت أهمية دور الصوتيات بشكل عام في هذا المجال من خلال أجهزة التسجيل، ثم ظهر التلفزيون، وتلاه الفيديو. وازدادت أهمية أشكال البث التعليمي، سماعاً ورؤية، مع شيوع استعمال الأقمار الصناعيَّة و تطوُّر التكنولوجيَّة الحديثة وانتشار الحواسيب الشخصيَّة وشبكات الحواسيب، بدأت دائرة التعلُّم عن بُعد تتسع لتشمل مجموعة كبيرة من تطبيقات الحواسيب ووسائط الاتصال الحديثة. فتوفير التطبيقات الخاصة بالحواسيب في الوقت الحاضر من أهم وسائل التعلُّم عن بُعد، وأكثرها فعاليَّة، وعلى وجه الخصوص في ميدان التعلُّم الذاتي، فضلا عن إنها تعد أيضاً من أهم سبل أو وسائل نقل النص الدراسي، والصور، والحركات أو المهارات، والخبرات الحسيَّة بوساطة أساليب مُتعدِّدة، كأساليب للاتصال تظهر من خلالها أحيانا ما يوفره أقدر المُعلِّمين في الصفوف الدراسية التقليدية.
إنَّ التطوُّرات العديدة والكثيرة التي شهدتها نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين في المجال التكنولوجي ووسائط أو وسائل الاتصال" الثورة الرابعة" ساهم كثيراً في تقدُّم الجوانب التربويَّة والتعليميَّة، وبسبب الزيادة الكبيرة لعدد سكان العالم وصعوبة توفير فرص التعلُّم للجميع إلى جانب فوات الأوان للعديد من البشر عن انتهاز فرص التعلم، كل ذلك ساهم في ظهور طرائق أو أساليب جديدة للتعلُّم تلبي تلك الاحتياجات المتزايدة بخطوات سريعة، وانطلاقا وتعزيزا لمبدأ (التعلم للجميع) ظهر نظام التعلُم عن بُعد، وعلى هذا الأساس يتمكَّن المُتعلِّم أن يزاوج بين التعلُّم والعمل إن أراد ذلك، وأن يكيف المنهج الدراسي وسرعة التقدُّم في المادة الدراسيَّة بما يتفق والأوضاع والظروف الخاصة به، وأيضا فالتعلُّم عن بُعد نظام لتوفير التعلُّم للناس أو الأفراد سواء أكان هذا التعلُّم هو استكمالاً لنظام التعلُّم الصفي التقليدي أم نظاما مستقلا باستخدام أساليب مُتعدِّدة ومُتنوِّعة، وأيضا فالتعلُّم عن بعد ينص على التعلُّم الذي يعتمد على توظيف التقنيات التربويَّة سواء في إعداد النظام التعليمي القائم على الدراسة الذاتيَّة أم في إعداد المواد التعليميَّة القائمة على التعلُّم الذاتي أو في استخدام الوسائل أو الأساليب التقنية الحديثة أو في تقويم المناهج التعليميَّة أو تقويم تحصيل المُتعلِّمين.
إنَّ التعلُّم عن بُعد والذي يعد تعلما جماهيريا يقوم أساسا على فلسفة تُؤكِّد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليميَّة المتاحة، بمعنى تقديم فرص التعلُّم والتدريب لكل من يريد في الوقت والمكان الذي يريده دون التقيد بالطرائق أو الأساليب والوسائل الاعتياديَّة المُستخدَمة في عمليَّة التعلُّم التقليدية، ولذلك كانت خطوة وزارة التربية والتعليم في إجراءاتالتحول إلى التعلم عن بعد وقت الضرورة من خلال تفعيل المنصة الالكترونية التابعة لوزارة التربية والتعليم ” نور سبيس”، وجمع الموارد التعليمية المختلفة من فيديوهات ومواد الكترونية وتفاعلية و تحميلها على المنصة بعد ان عملت فرق الوزارة على تصنيف محتواها، وبحث كل البدائل المتاحة والجاهزية اللازمة للتحول للتعلُم عن بعد لضمان استمرارية العملية التعليمية في كل الظروف والتي ستكون مجانية، ولن يترتب على الطلبة أي مبالغ مادية لقاء الدخول عليها، وهنا يجب التركيز على الخدمات الإلكترونية المقدمة للطلبة والتي تضمن بيئة تعليمية موثوقة ومحفزة وتحقيق هدف التعلم عن بعد والذي يتضمن التطوير المعرفي والتربوي للطلبة، و تصميم محتوى المواد الدراسية، ومخرجات التعلم الإلكترونية، والتقييم، والتفاعل، وتحديد المؤشرات التي تضمن وصول الطلبة للمعلومات بأسرع وأدق الطرق وتوفير مصادر التعلم لهم، للإيفاء بحق الطلبة في التعليم كما كفله الدستور، وقانون التربية والتعليم باعتبار التعليم حق انساني واساسي للطلبةفي كل الظروف.