عندما يدفع الصحفيون إلى البطالة دفعا

بلال العبويني

ليس جديدا القول إن واقع الإعلام المحلي مترد، من حيث التأثير والحضور وإثارة اهتمام جمهور القراء والمستمعين والمشاهدين، أو من حيث واقع العاملين في غالبية المؤسسات الإعلامية إن لم تكن جميعها، وهو الواقع الذي يؤثر بشكل جلي على قيمة ونوعية المنتج الإعلامي.

ما لدينا من مؤسسات إعلامية، ورغم أنها مغرقة في المحلية إلا أن ثمة الكثير من انعدام الثقة بين ما تقدمه من منتج إخباري وبين اهتمامات الناس، ما يجعلها متشابهة إلى حد بعيد لا فضل لإحداها على الأخرى سواء أكانت تتبع للحكومة عبر مؤسسة الضمان الاجتماعي بشكل كلي أو جزئي أو تتبع للقطاع الخاص.

وأمام ما نحن فيه من مشهد إعلامي مختل، فإنه ليس هناك من مؤسسة إعلامية قادرة على حمل رسالة الدولة وتسويق خطابها، رغم ما يُفرد من عناوين "حكومية" على الصفحات الأولى للصحف الورقية أو عناوين نشرات الأخبار في الإذاعات والتلفزيونات.

وبالتالي، وبما أن الواقع كذلك، فإن السؤال المطروح لماذا تحارب الحكومة مؤسسات لصالح مؤسسات أخرى؟، لماذا تُعاقب الحكومة صحفيين وفنيين ومستخدمين في صحيفة أو اثنتين لصالح انقاذ صحيفة أو اثنتين؟.

قبل أيام قال الناطق الإعلامي باسم الحكومة محمد المومني إن معدلات البطالة نتيجة للواقع الاقتصادي الراهن وصلت إلى مستوى غير مسبوق، وفي الحقيقة إن وصول تلك المعدلات في نسب البطالة مسؤولة عنها الحكومة بشكل مباشر في فشلها في انتاج برامج عملية وواقعية للتشغيل واستحداث فرص عمل سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام.

ندرك ان الفرص محدودة في القطاع العام، لكن الإشكالية تكمن في القرارات الحكومية التي تربك القطاع الخاص وتجعله مضطرا في كثير من الاحيان للتخفيف من الأيدي العاملة لديه، نتيجة تراكم الخسائر، وهذا لا ينطبق فقط على قطاع الصحافة والإعلام.

لكن وبما أننا نتحدث عن واقع الإعلام فإن قرار وزير العدل عوض أبو جراد بحصر الإعلان القضائي بثلاث صحف من شأنه أن يدفع الصحافيين العاملين في الصحف الأخرى إلى الأرصفة لينضموا إلى قوائم المتعطلين عن العمل قسرا.

قلنا إن لا فضل لصحيفة على أخرى في المشهد الإعلامي العام، وبالتالي ما معنى محاولات انعاش صحف على حساب أخرى بحصر هذه الإعلانات في ثلاث صحف وترك الأخرى نهشا للخسائر ومغادرة المشهد وهي التي يشكل الإعلان القضائي موردا رئيسيا لها تدفع من مردوده رواتب الصحافيين والموظفين وبقية كلف الانتاج.

القرار جائر، وفيه انحياز صارخ ضد كل قيم الإنسانية، وهو من قبل ومن بعد غير قانوني حيث ارتكب فيه وزير العدل خرقا واضحا للقانون الذي حصر الإعلان في صحيفتين الأكثر انتشارا عندما أضاف صحيفة ثالثة على أنها في ذات القائمة وترك الأخرى.

أكثر ما يؤلم الصحافيين في هذا المشهد هو البيان الذي صدر عن نقيب الصحافيين الزميل راكان السعايدة الذي انتخبوه، والذي اعتبر اضافة الصحيفة الثالثة انجازا عظيما، في الوقت الذي بدا فيه أن إغلاق مؤسسات صحافية وزج الصحافيين إلى الشوارع حدث عظيم .

عندما خرجت الصحيفة الثالثة من معادلة الأكثر انتشارا، هبت نقابة الصحافيين لضمها، بيد أنها لم تفعل ذلك وبذات الحماسة مع الصحف الأخرى، وهو ما يطرح سؤالا حول ما إذا كانت النقابة بيتا لكل الصحافيين أم لبعضهم فقط، وحول ما إذا كانت النقابة بيتا للصحافيين أم بيتا للمؤسسات الصحفية.

كان الصحفيون في الصحف التي حرمت من الإعلان القضائي، تعوّل على رفع نسبة الإعلان الحكومي على صفحاتها، كما وعد الزميل النقيب في وقت سابق، لكن هذا المطلب جاء متراخيا في بيانه، وهو ما فهمه الصحفيون على أنه تخل عنهم وتركهم وحدهم يكابدون التعطّل عن العمل.

حصر الإعلان في ثلاث صحف ليس انجازا ولا يمكن أن يكون كذلك، لأن فلسفة وجود النقابات من حيث الأساس ترتكز في الدفاع عن حقوق ومكتسبات المنضوين تحتها، كلهم دونما استثناء أو تحيز.

وهذا ما هو مأمول حتى اليوم في أن ينظر مجلس النقابة إلى عموم الصحافيين بعينين لا عين واحدة.