تداعيات الهجوم ألأمريكي وقتل سليماني والمهندس ورفاقهما 2

اللواء المتقاعد مروان العمد

ما ان سُمع دوي الانفجارات التي حصلت في مطار بغداد وقبل ان يُعرف الهدف المستهدف بالهجوم حتى أعلنت الولايات المتحدة الاميركية ان طائرات مسيرة عن بعد قصفت سيارتين مدنيتين عند خروجهما من مطار بغداد وان جميع من فيهما قد تم قتلهم وان احدهم هو قاسم سليماني قائد فيلق القدس والذي كان خلال السنوات الماضية أكثر شخصية عسكرية في المنطقة يدور حولها الجدل والذي كان دائم التنقل ما بين إيران والعراق وسورية ولبنان للتنسيق للعمليات العسكرية التي كان يديرها المحور الشيعي في تلك الدول والذي اصبح هو الذي يقوم بالدور الرئيسي في ادارتها والتخطيط لها والإشراف على تنفيذها ، ورغم ذلك لم يتم اغتياله الا في هذه الأيام . وهنا تطرح مجموعة من الأسئلة ومنها لماذا الآن ولماذا في بغداد دون غيرها وهل هناك خفايا وراء هذا الاغتيال . وعلى ضوء الأحداث والظروف والتوقيت والأماكن وتحليلها فأنه يمكن استخلاص بعض التصورات والاستنتاجات سأتحدث عنها .

وفي البداية سوف اتحدث عن مكان الاغتيال ، فمن المعروف ان خطة أغتيال على هذا المستوى تحتاج الى عمل استخباراتي كبير جدا ، بعضه تكنولوجي وبعضه بشري وقد يكون من ضمن الدائرة الضيقة المحيطة بالشخص المستهدف . وهذا يتطلب معرفة تحركات المستهدف بالاغتيال وهو هنا قاسم سليماني وأنه سوف يذهب من دمشق لبغداد ، ثم تقرير المكان المناسب لتنفيذ عملية الاغتيال .

. وهنا يطرح سؤال وهو لماذا لم يتم اغتياله في دمشق ؟ وكرد على هذا السؤال أقول ان ذلك ربما قصد به عدم اقحام الموساد الإسرائيلي في هذه العملية حتى من مجرد الاتهام . فمن المعروف ان الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية الصهيونية قامت بالكثير من عمليات الإغتيالات لعناصر إيرانية من الحرس الثوري وفيلق القدس في سورية بالإضافة الى الكثير من الغارات على معسكراتها وعلى مخازن اسلحتها وشحنات هذه الأسلحة ولكنها لم تحاول إغتيال قاسم سليماني مع انه كان متواجداً فيها مرات عديدة . وأنه لو تمت عملية اغتياله في دمشق لوجهت أصابع الإتهام للموساد الإسرائيلي بأنه من فعل ذلك حتى لو أعلنت أميركا مسؤوليتها عن عملية الاغتيال . وهنا اود ان أشير انه عند قيام الموساد باغتيال القيادي بحزب الله اللبناني عماد مغنية وعند اقترابه من السيارة الملغمة المعدة لاغتياله تبين ان قاسم سليماني كان يسير برفقته بعد خروجهما من اجتماع ضم عناصر من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وقيادات فلسطينية من المتواجدة في سورية ، وكان الأصبع على زر التفجير عندما تم رصد ذلك من عناصر المراقبة وقبل ان تتم عملية التفجير اصدر إيهود أولمرت رئيس وزراء الكيان الصهيوني ان ذاك امراً بتأجيل تنفيذ هذا العملية إلى وقت لاحق بنفس اليوم وعندما اصبح مغنية لوحده . وقد يعود ذلك ألى ان الكيان الصهيوني كان يتوقع ان المذكور سوف يقدم لها خدمات غير مباشرة في المستقبل ، وهذا ما حدث فعلا فقد ادى تدخله في دول المنطقة إلى تدميرها من غير ان يكلف هذا الامر الكيان الصهيوني شيئاً . كما يمكن ان يكون هناك سبب آخر لعدم قيام الولايات المتحدة بهذا العملية في دمشق ، ولعل ذلك يعود إلى الشعور بأن بشار الأسد يكاد ان يحسم الأمور في سورية لصالحه وأنه لم يبقى عليه لتحقيق ذلك سوى أدلب وما حولها والتي أخذ يقضم منها قضمة بعد قضمه . وأنه إذا تحقق له ذلك فسوف يصبح بإمكان الأسد ان يستغني عن التواجد الإيراني في سورية في سبيل ارضاء الأطراف الدولية الأخرى وخاصة بأنه لابد قد لاحظ زيادة نفوذ قاسم سليماني في بلاده وعلى حساب نفوذه ، وان القيام باغتيال سليماني على الأراضي السورية الآن ربما يجعل الأسد يخالف هذا التوقع ويزيد من ارتمائه بالحضن الإيراني.

ولذا كان البديل الأخر المتوفر ان يتم ذلك في العراق وفي مطار بغداد بالذات حيث تمت عملية الأغتيال وما مقتل ابو مهدي المهندس وعناصر الحشد الشعبي العراقي الذين كانوا في استقبال سليماني ومرافقتهم له بالموكب الا لتواجدهم هناك .

وهنا ننتقل للسؤال الثاني وهو لماذا تمت عملية الاغتيال الآن وبالظروف التي تمر بها دول المنطقة ولتكون البداية من العراق حيث ان العراق يمر منذ بضعة اشهر بحالة عدم إستقرار سياسي ومن حركة شارع ملتهب ضد الأحزاب الحاكمة ومليشيات الحشد الشعبي والسيطرة الإيرانية على العراق وتدخلها بشؤونه . والملفت للنظر ان حركة الاحتجاجات هذه تقوم بها على الأغلب عناصر شيعية ولكنها تهتف ضد الحكومة العراقية والأحزاب المنطوية تحت ردائها ، وضد إيران وزعماء إيران وبالذات قاسم سليماني والذي اصبح هو الحاكم الفعلي للعراق وبنفس الوقت العدو الأول للحراك الشعبي العراقي.

ولكن ما الذي حصل بعد اغتيال سليماني ؟ لقد عادت الحركة في الشارع للتيار الشيعي الموالي لإيران ومليشيات حشده الشعبي والذي قام بمهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد . كما خفت صوت الشارع المعارض للنظام تحت ضغط الشعور الغاضب على الهجوم الأمريكي ، وتحت تأثير هيجان القوى المناصرة لإيران ومليشيات الحشد الشعبي وقيامهم بمهاجمة المعتصمين بالشوارع والميادين وحرق خيم اعتصامهم وإطلاق الرصاص عليهم . كما ان بعض من كانوا قد باعوا أنفسهم للولايات المتحدة الامريكية ودخلوا بغداد على ظهور الدبابات الأمريكية وكانوا يسبحون بحمد التدخل الأمريكي في العراق ويترحمون على قتلاه أصبحوا الآن يهاجمون الموقف الأمريكي ويطالبون قواتها بالانسحاب من العراق مثلما فعل احمد الجلبي . كما ان الكثيرون ممن كانوا يناصرون حركة الشارع تضامنوا مع احزاب السلطة وطالبوا بانسحاب القوات الأمريكية من العراق كما فعل زعيم التيار الصدري مقتضى الصدر الذي استنفر التنظيمات المسلحة التابعة لتياره والتي كان قد أعلن حلها في وقت سابق لتشارك بالدفاع عن العراق في مواجهة القوات الأمريكية .

وعندما عقد مجلس النواب العراقي اجتماعه الأخير لم يحضره الا النواب الشيعة على إختلاف احزابهم حتى التي كان انصارها يهتفون بالشارع مطالبين باسقاط النظام ويهاجمون إيران والذين صوتوا لصالح طرد القوات الأمريكية من العراق وتم دعم هذا القرار من قبل رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي والذي قال ان انسحاب القوات الأجنبية اصبح أمراً مطلوبا وملحاً ، وان العراق اصبح قادراً على الدفاع عن نفسه بالرغم من ان العراق لا يملك غطاءاً جوياً وهو يعتمد على قوات التحالف بتحقيق هذه الغاية كما ان قواته ينقصها التدريب والدعم لمحاربة ما تبقى من تنظيم داعش والذي كانت توفره له قوات التحالف . فيما اختفى صوت القوى الأخرى في مجلس النواب مثل العرب السنة والأكراد الذين لم يجدوا أمامهم الا ان يعترضوا على قرار مجلسهم أمام المحكمة الاتحادية بحجة عدم دستوريته لعدم حصوله على الأغلبية المطلوبة.

كل هذا يشير ألى ان ميزان القوى في العراق قد انقلب ليصبح بيد القوى والأحزاب الموالية لإيران فيما تراجع دور وتواجد معارضيها بالرغم من انهم لا يزالون في الشارع . فهل كان ذلك ليتحقق لولا اغتيال قاسم سليماني ؟ هذا سؤال قد يحمل الكثير من الإجابات . فهل استفاد النظام العراقي من مقتل سليماني عن طريق الصدفة ام انه ضحي به لتحقيق هذه النتيجة وبنفس الوقت التخلص منه ومن نفوذه الذي اصبح يهدد نفوذهم ؟ هل كان سليماني كبش فداء للنظام العراقي ؟ وهل تم ذلك بالتنسيق مع الجانب الأمريكي بالرغم مما يقال ويعلن من قبل الطرفين ؟

قد تظهر مؤشرات الإجابة على هذا السؤال بعد الحديث عن خلفيات وتداعيات مقتل قاسم سليماني في كل من إيران واميركا وعبارات التهديدات المتداولة بينهما ومدى جديتها في مقال آخر .