موجة بحر :الانتفاضة.. في ذكراها.

المهندس عامر الحباشنة

يصادف اليوم الذكرى الثانية والثلاثون لانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 87، يومها كانت الضفة والقطاع محكومة بأمر الحاكم العسكري المحتل، الانتفاضة التي شكلت نقلة نوعية في الصراع مع المشروع الصهيوني في فلسطين عموما وما تم إحتلاله 67 خصوصا، فبعد عشرون عاما على النكسة فاق العالم على جيل من الشباب ولد وعاش تحت الاحتلال، فإذا به ينتفض بالحجارة والمقلاع على سطوة المحتل بعد تغلل اليأس إلى كثيرا من النفوس والقلوب، وبعد أن راهن الكثير على ولادة جيل اعتاد الاحتلال وتأقلم معه، فإذا به امر جيل أقوى إرادة واندفاعة نحو الحرية والانعتاق.

نعم، جيل الحجارة قلب المعطيات والترتيبات وكل برامج التسوية انذاك، طامحا للحرية في مسيرة استمرت ما يزيد عن ثلاث سنوات، قادها الشباب بأحلام الكبار، سقفها عال وقيادتها تظللها بيئة حاضنة عنوانها "قاوم".

ثلاث سنوات تم احتواء أحلامها بتسويات قادت إلى تسويات بالجبر والخيار بالذاتي والموضوعي، لكن الشعلة وان خبت نارها لم تنطفىء جمارها وبقيت كامنة تتحين ظرفا وزمنا كما انتظرته سابقا.

اليوم وبعد ثلاثة عقود على نقطة التحول، تجدنا نستحضر تلك الشعلة مع ان مياها كثيرة جرت في وادينا، من مدريد الممهدة إلى أوسلو المظلمة وصولا للانقسام القاتل، تلك المحطات التي هدفت فيما هدفت وتهدف لاطفاء الجمر بعد أن أطفأت الشعلة، أطفأت الشعلة بسلطة اقل من إدارة وأكبر من بلدية، واطفات الشعلة بالحصار وعبثية والانقسام للاستفراد الذي غيب المشروع الوطني المعزول عن بيئته.

فهل نجعل من الذكرى محطة للتأمل والتعلم واستشراف القادم إذا ما استمر هذا الطريق والافق المغلق، فكما هب أولئك من أبناء جيل النكسة دون سابق توقع وانذار، سيهب جيل عقود السلام بنهج الاستسلام ليعلن تمردا على هياكل الوهم والانقسام ويعيد البوصلة لاتجاهها الطبيعي، سيهب بلغة أخرى وشعارات أخرى وأهداف ابعد وسيكون قد تعلم الدرس جيدا، فالدرس خلال ثلاثين عاما كان قاسيا، تهودت به القدس وتشرذمت أوصال الضفة واصبحت غزه سجننا بلا عنوان لسجان..

أخيرا ،رحم الشهداء أولئك الذين ارتقوا بأجمل لحظات أحلامهم والأسرى الصابرين القابضين على جمر طموحاتهم، وامهات الشهداء اللواتي ما زالت بحة تكبيرهن وترانيمهن تصدح في الآفاق، وليكن للجميع في الذكرى عظة وثقة، لمن حادوا عن طريق الفطرة، عظة بمألات رهاناتهم وثقة بشعبهم وقدراته التي لا حدود لها إن خلت من عبثهم.فالرهان كان وسيبقى على خيار المقاومة ولا غير المقاومة.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.