موجة بحر..التغيير الآمن.. للإصلاح المنشود.

المهندس عامر الحباشنة

في مرحلة حرجة تشهد تغيرات واسعة ومفتوحة الآفاق في المنطقة واشتباك متواصل نشهده منذ ما يقارب عقد من السنين، نتج عنه ما نتج من تحولات وتغييرات زالت خلالها أنظمة وشردت شعوب ودمرت مدن وحواضر، كان الأردن وبحكم موقعه الجغرافي وطبيعة نظامه السياسي جزءا متأثرا بما يحصل في محيطه الإقليمي، وان تجاوز المظهر الأسوء للتغيير المدمر ومراكز الزلال إلا أنه تأثر بكثير من الارتدادات والهزات التي عبرت عن نفسها في الشارع والمؤسسات، فانعكست إلى حالة من الاضطراب والتملل وفقدان الثقة بين المؤسسات التنفيذية ومواطنيها ،في ظل وضعا اقتصاديا وسياسيا ضاغطا ومربكا تطلب تغيرا وتبديلا وتعديلا في الحكومات خلال العقد الجاري.

في ظل هذا الحال انبرى الشارع عنصرا ضاغطا عبر عناوين عدة اهمها الحراك الشعبي، هذا الحراك الذي تراوح في حركتة وشدته ما بين الطروحات السياسية والمطلبية والاقتصادية يابعادها المناطقية والعشائرية وصولا للنقابية ، ومع ان الشعارات التي شهدها الشارع لامست في مجموعها واقع الناس وحاجاتهم وطموحاتهم إلا أنها لم تترتقي لمستوى البرنامح الوطني الشامل مما سهل السيطرة والاحتواء من السلطة التنفيذية، بل ان السلطة التنفيذية كانت في مراحل ما تحتاج وتستثمر في غياب البرنامج الوطني للقوى المعارضة لادعاء صوابية نهجها وعدم الحاجة الفعليه لتقديم او التعامل مع بدائل تحقق أهداف وطموحات الطبقات الأكثر تاثرا بنهجها وسياساتها ،بل بدا وكان الحكومات مرتاحة لهذا السقف والمستوى من الأداء المضاد، فالسقوف العاليه غير العملية استخدمت مبررا لعدم تقديم اية تنازلات لهذا الشارع، وهذا الشارع المستمر في الاحتقان وفقدان الثقة وجد نفسه في وضع اليائس من إمكانية التغيير، وهنا تكمن ردة فعل الحكومات مع شعارات الشارع المطللبية بالالتفاف من خلال شعارات وعناوين تبدو متجاوبة بالقول ومضادة في الفعل، فمثلا كثر الحديث عن الفساد ومحاربته في الوقت الذي تزداد القناعات ان الفساد والترهل الإداري يزداد طرديا بازدياد الحديث عن حكوميا، وهذه مفارقة يختلط فيها الواقعي مع الانطباعى، وهنا وصل التغيير والإصلاح المنشود لحالة من الانغلاق غير المفهوم وغير المبرر.

في الجانب الآخر، ازداد الحديث في المؤسسات التشريعية (مجلس الأمة) عن الإصلاح دون تقديم خطوات إصلاحية عملية مما زاد في الفجوة بين السلطة التشريعية وناخبيها ،بل وتحول البرلمان إلى هدف لشعارات الشارع بقدر استهدافه للحكومة، وهذه ايضا مفارقة تستوجب التحليل والدراسة، فكيف لمن مناط به الرقابة والتشريع ان يكون فاقدا للثقة حاله حال الحكومات المتعاقبة.

في ظل هذه الأجواء تشكلت حالة من عدم القدرة على الفهم واتساع في الفجوة بين خطاب الحكومة وشعارات الشارع وأداء النواب، فبدات حالة من الانفصام والخطاب النرجسي غير العملي والمنفصل عن الواقع، ينسحب على كافة أطراف المعادلة، شارعا وحكومة وبرلمان مبتعدين مع الوقت عن اجتراح الحلول ضمن ومن خلال المؤسسات، فالحكومة تعيش حالة ضاغطة فرضها الأداء التراكمي الداخلي والواقع الإقليمي واستحقافات التنافس العالمي، فهي مرتبكه وتعمل بالقطاعي وعلى نظرية ردود الفعل وكل يوم بيومه، والبرلمان كذلك يصارع بين تجاذبات مشهد الأداء الفردي بكل انعكاساته وبين ضغط الشارع ومتطلبات الحكومة، والشارع الحزبي وعناوينه الحراكية تحول إلى كانتوتات منفصلة بلا رأس ولا برامج متوافق عليها لحدود التغيير والإصلاح، فتاه الشعب بين هذه الثلاثية المرتبكة،

خلاصة القول ،ان التغيير والإصلاح الأمن هو منظومة متكاملة تتطلب تحديد ألاهداف والحدود المتوافق عليها بين القوى المؤثرة والفاعلة وضمن المؤسسات القائمة والإصلاح من داخل المنظومة هو الأصعب من حيث الممارسة والأكثر امنا لمنظومة الدولة والسلم المجتمعي، وهو السبيل الوحيد المتاح ضمن المعطيات المحلية والاقليمية والدولية القائمة، وهذا يتطلب من ثلاثية القوى الفاعلة والمؤثرة الحكومة كسلطة تنفيذية والبرلمان كسلطة تشريعيه والقوى المدنية من أحزاب وحراكات، يتطلب منها الالتقاء ضمن الحد المقبول وطنيا، فمن غير الممكن أن تسيير وتتصرف هذه الأطراف وكأنها جزرا معزولة والشعب هو الخاسر ومن يدفع الثمن، وغير ذلك فلا إصلاح ولا تغيير ولا ضمان لتجاوز المرحلة بأقل الخسائر والاثمان، فمن غير المعقول ان يتم الاستقواء على الدولة والتفرد بها في ظل سيادة حوار الطرمان ومسير العميان.