اختيار العدو.. ايران أو اسرائيل

 

وليد حسني

 

أصبح العالم العربي في الشرق الأوسط يعيش حالة صعبة بعد ان أصبح بحكم الضخ الإعلامي والسياسي يعيش في أزمة اختيار عدوه من بين اثنين أولهما ايران وثانيهما اسرائيل.

حالة اختيار العدو تقود الناس في الشرق الأوسط إلى الشعور بحالة التناقض الحياتية والسياسية والإجتماعية، وصولا الى التناقض في تحديد الأولويات والهويات، فبين مطرقة ايران وسندان اسرائيل لا تبدو الخيارات مفتوحة تماما أمام المواطن الشرق أوسطي لينتقي أعداء آخرين.

الماكينة الإعلامية الرسمية لا تكل أبدا في محاولة اقتياد شعوب الشرق الأوسط الى اعتبار ايران العدو الأول، وتصوير اسرائيل بالحمل الوديع أمام توحش ايران وتغولها ومخاطرها الدموية على العرب، بل ويذهب الضخ الإعلامي الموجه الى الدعوة لقبول اسرائيل على حساب رفض ايران وتجريمها وشيطنتها، فيما تظهر اسرائيل في المحتوى الإعلامي الرسمي الموجه كيانا وديعا مقبولا ومؤهلا للعناق، وتبادل قبلات الحب والإعجاب.

هذه الحالة لا تبدو انها تلقى الإخفاق، فالملايين أصبحوا اكثر اعتقادا بان ايران أكثر خطرا على عرب الشرق الأوسط وجغرافيته من اسرائيل، مثقفون في مختلف الحقول المعرفية لم تعد لديهم أية مشكلة في الإعلان صراحة ان ايران عدو بشع مقابل اسرائيل الصديقة صاحبة القلب الطيب والتاريخ الإنساني الأنيق.

هنا تبدو المعادلة في الإختيار بين عدوين معادلة شوهاء تماما، يريد أصحابها تبرير حروبهم التي يخوضونها على أسس طائفية، في الوقت الذي لم يطلقوا فيه رصاصة واحدة على اسرائيل منذ زرعها في قلب الشرق الأوسط سنة 1948 ، وبدت اسرائيل هذا الأوان وكأنها تحصل على صك براءة مجاني تماما ، ففي الوقت الذي نعلن الحرب فيه على ايران فإننا نعلن الحب والتعاطف مع اسرائيل ونتركها في الصف الثاني في سلسلة الأعداء الذين يتناوشون العرب في شرقهم الأوسطي ويتعرضون لتهديد وجودهم وحياتهم ومستقبلهم.

ايران الان في معادلة السياسي الرسمي الشرق أوسطي عدو بشع يتوجب على الأوسطيين محاربتها ومواجهتها بل وقرع طبول الحرب تجاهها، بينما تظل اسرائيل في منأى عن أي تهديد عربي ، بل وصل الأمر بالسياسي العربي إلى وضع احتمال الاستعانة باسرائيل في حرب مقبلة احتمالا واردا، وهكذا تتجاوز اسرائيل تصنيف الدولة العدو الى الدولة الحليف والصديق.

اليوم شعوب الشرق الأوسط في حيرة قاتلة، لأنها لا تملك بوصلة واضحة لتحديد هوية عدوها باستثناء اولئك الذين يملكون تلك البوصلة ويتقنون قراءتها والتعامل معها، وهؤلاء في اغلبهم يرون ان اسرائيل هي العدو الأول والأخير وليست ايران، وتلك أيضا وجهة نظر مضادة فقسم آخر تقوده بوصلته أيضا لاعتبار ايران عدوا أولا واسرائيل عدوا ثانيا.

أمام هذا المعطى فإن اسرائيل ستبقى الأكثر استفادة من كل ما يجري في جغرافيا الشرق الأوسط، ثمة اتساع في مساحة الذين يقبلون باسرائيل دولة صديقة وحبيبة، وهذا في حد ذاته نصر استثنائي مجاني تحققه اسرائيل دون عبء يذكر، بينما تبقى ايران في صندوق الاتهام، وتجلس وحيدة في اعلى سلم الأعداء للشرق الأوسط خدمة لإسرائيل وطموحاتها البريئة.

ما أراه في كل هذا الخطاب الإستقطابي أن الذين يرفعون شعار ايران العدو الأول والأخطر من اسرائيل إنما هم مجرد تبع لحقن الإعلام  الرسمي الموجه، وينظرون بنصف عين للواقع وللوقائع، ولا تبدو بوصلتهم تعمل بشكل جيد.

ستبقى اسرائيل العدو الأول للعرب الشرق أوسطيين وعرب شمال افريقيا، وتلك حقيقة يتوجب قبولها باعتبارها الحقيقة الأكثر وضوحا وبروزا، وبعد ذلك يحق لكل طرف أن يختار عدوه الثاني أو الثالث، وله مطلق الحق في تحديد توجهاته تجاه عدوه شريطة ان تبقى اسرائيل العدو الأول في سلم اولوياتهم..

وبالنتيجة من المعيب تماما إزاحة اسرائيل من خندق العدو الأول للأمة العربية واستبدالها بايران، لتحل اسرائيل في المرتبة الثانية او بالأصح تختفي تماما ليصبح الحديث عن عدو واحد ويتيم هو ايران..

وبلنتيجة فان ما تنبىء عنه معطيات الماكينة الإعلامية الرسمية لكل ذي بصيرة أنها تستهدف تهيئة الرأي العام وخلق اللحظة السياسية المناسبة لتوقيع اتفاقات سلام بالجملة مع اسرائيل، وسنشهد في المدى المنظور سلسلة طويلة من تطبيع العلاقات مع الشقيقة اسرائيل وبسرعة غير مسبوقة، بحيث ستصبح اسرائيل جزءا من شرق أوسط  تضمه عائلة واحدة وشقيقة جديدة هي اسرائيل//..