عن الشخصية الاردنية الجديدة

عمان -جهينة نيوز - فرات عمر

منذ انطلاق ثورة العالم الافتراضي وامتلاك الاردني كغيره من سكان الكوكب منصته التفاعلية وصحيفته الخاصة ، اغفلنا كدولة فرصة قراءة الشخصية الاردنية ، وبقينا على مسلّمات القراءات السابقة ، رغم اختلالها ، فالتطور الشخصاني للفرد كان حارقا للمراحل بحكم الظروف الجيوسياسية ، فالهجرات الكبيرة فرضت انتقال المجتمع الاردني من البداوة الى المدنية دفعة واحدة دون مرور بالاطوار المعهودة ، رغم الاشارات القادمة من المجتمع منذ بواكير الثورة التكنولوجية من تغير في القيم السائدة وطبائع العمران والجريمة والثقافة والفنون ، وطبعا استحقاقات اعادة تعريف العدو التاريخي بعد معاهدة السلام وما فرضه هذا الاستحقاق من انقلاب على المناهج والسلوك السياسي العام من احباطات وتفاعلات مجتمعية افرزت تحولات جذرية في طبيعة علاقة المواطن مع الدولة او استقرار مفهوم المواطنة في دواخل كثيرين ، واذا اعدنا شريط الذاكرة قليلا ، نرى بداية تحول عميق في انحياز مكون كبير الى المسالمة والمواطنة ومغادرة مربع تصدير المعارضة بعد انهيار مفهوم السلام الشامل الضامن لحل الدولتين ، مقابل بروز معارضة في مخزن التأييد والدعم الدائم رأت في هذا التطور الاجتماعي بداية لمرحلة جديدة غير واضحة التفاصيل ومحاطة بالهواجس المحقة والكوابيس الاقليمية .

خلال هذا التحول او في سياقه ، ظهرت الخصخصة في الاقتصاد والتأميم في السياسة ، وظهر جيل جديد في مدرسة الحكم ، لا يؤمن بكل المفاهيم السائدة عن دور الدولة ومهامها وملكيتها لمواردها ، ولا يعرف شيفرة العلاقة بين الدولة والمواطن ، فتعاظمت السلطة على حساب الدولة ، وبدأت بوادر ادارة الظهر بين المواطن والدولة ، لصالح علاقة نفعية مع السلطة ، وانتهت مرحلة العلاقة الريعية التبادلية بين الدولة والمواطن ، وليس كما يقول سدنة الهيكل من طبقة الحكم الجديدة التي ما زالت تتحدث عن علاقة ريعية او مجتمع ريعي ، وأعمت الخصخصة المتزامنة مع ثورة اسعار العقارات والاراضي وتكدس الكاش ونمو القدرة الشرائية بحكم عوامل تعويضات العائدين من الكويت واموال العراقيين وتحويلات المغتربين عيون الجميع عن لحظة التغيرات ، فقيمة الارض انخفضت وجدانيا امام ارتفاع اسعارها وصارت الاحلام خارج العاصمة مرهونة بقدوم المكاتب العقارية بما تحمله من جنسيات واموال واذا رأينا ظاهرة الغضب العام وقرأناها بعمق فسنراها في الامكنة والمحافظات التي لم تصلها مكاتب العقارات واموالها .

وظلّت الاصوات التي تحذر من هذا الانقلاب النوعي والكمي على طبيعة الشخصية الاردنية والمجتمع الاردني نشازا او مثارا للتندر بانها ما زالت تستخدم الادوات والمفردات القديمة البالية ، وظل خطاب السلطة ممسكا على كلاسيكيات الزمن السابق بأن المجتمع الاردني وعاداته وتقاليده راسخة ، ولم يجبنا احد من السلطة واركانها عن كيفية ثبات العادات والتقاليد رغم التحولات الهائلة والتقلبات الديمغرافية والاقتصادية ، وهل هناك مطعوم خاص أخذه المجتمع الاردني تحفظ مناعته من اثار هذه التغيرات ؟ الجواب معروف بالطبع ، فالدولة تراجعت والسلطة تقدمت وتغولت والمجتمع خسر خصائصه وبنى ثقافته الخاصة بمعزل عن الدولة وارثها وتراثها ، وارتفعت مناسيب البغضاء والحقد والأنا القاتلة في انانيتها ، وقبلنا علاقة غير شرعية بين السلطة والاقتصاد اثمرت عن ميلاد برلمانات خاضعة لاشتراطات العلاقة غير الشرعية ، المقاول والتاجر والثري هم ممثلو الشعب ، الذي قبل ان يكون صوته مقابل رقم او طرد او خدمة ذاتية وسط صمت السلطة وتشجيعها لهذه الاشكال الطارئة .

وسط هذه الظروف العجائبية نمت الشخصية الاردنية الحديثة ، والتي تشكل ٦٢٪‏ من المجتمع الاردني والتي تشكل قرابة ال ٩٠٪‏ من مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي الذي كانت تعليقاتهم صادمة ، ولا اظن عاقلا متفاجئا من هذه التعليقات التي تكشف حجم الغربة عن الدولة وحجم تغول السلطة حدّ افقاد المواطن عطفه وتعاطفه مع الدولة رغم ثباته معها وعليها في الملمات والازمات ، وهذا مؤشر بحاجة الى مراجعة لتعظيمه ، فالاصل ان نكون مع الدولة في الرخاء والشدة ، وتعليقات الكثيرين على حادثتي السطو ليست مباغتة ولكنها كاشفة وهذه فرصة للوقوف مع الذات الوطنية ، وللحديث بقية كثيرة .//