عندما تعارض فئات بالمجتمع الإصلاح!

بلال العبويني

تعلن الحكومة اليوم الحزمة التنفيذية الثانية للبرنامج الاقتصادي (الإصلاح الإداري)، وستشهد إعلانا عن دمج وإلغاء العديد من الهيئات المستقلّة والتنظيمية في مختلف القطاعات.

إلغاء هيئات مستقلة ربما يكون التحدي الذي تجنّبت حكومات سابقة الاقتراب منه، باعتبار أن التهمة الحاضرة دائما، وربما تكون صحيحة، أن بعضها أنشئ دون دراسات مستفيضة فاستفاد منها البعض بما تمنحه من امتيازات وظيفية ومالية.

الهيئات المستقلة، طالما ظلت حديث الشارع، الذي طالب الكثيرون بإلغائها، باعتبارها تشكل استنزافا كبيرا لموارد الدولة المالية، وباعتبار أن بعضها منعدم الفائدة والجدوى وهو ما اعترف به مؤخرا رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز.

غير أن الخطوة التي تعتزم الحكومة اليوم الإعلان عنها قد تواجه بانتقادات واعتراضات كبيرة، وتحديدا من قبل أولئك الذين ظلوا مستفيدين منها ماليا ووظيفيا، وهؤلاء من المرجح أن ينتصر لقضيتهم آخرون عبر الهجوم المبرمج وغير المبرمج على الحكومة.

لا أحد يتوقع اليوم أن تقدم الحكومة على "تفنيش" أحد من الموظفين في الهيئات المستقلة المعرضة للإلغاء، وإنما الذي سيحصل إلحاق الموظفين في هيئات أخرى، بمعنى أن الكثير منهم سيحتفظون بما حققوه من امتيازات على صعيد الراتب على الأقل.

لكن، هل هذا الإجراء يحل الإشكالية الكامنة في أن الهيئات المستقلة تستنزف ميزانية الدولة من ناحية ما تمنحه من رواتب مرتفعة للموظفين بالمقارنة مع أقرانهم في الوزارات المختلفة؟.

بالتأكيد أن الإجراء الحكومي سيساهم في ضبط النفقات بحدودها الدنيا، لكنه لن يحل المشكلة لأن عدد الموظفين سيبقى على حاله في الغالب الأعم ما يعني أن الخزينة ستدفع الأموال لهم سواء أكانوا في هذه الهيئة المستقلة أم تلك.

وهنا، لا ندعو إلى تخفيض رواتب الموظفين المرجح نقلهم لوزارات وهيئات أخرى، لأنه ليس ذنبهم أنهم توظّفوا في هذه الهيئة أو تلك، حتى وإن توظفوا بدفع من واسطة مسؤول نافذ هنا أو هناك.

لأن ما حصلوا عليه أصبح حقا مكتسبا لهم، وقد رتبوا أمور حياتهم من قروض ومصروف وتعليم وصحة وما إلى ذلك وفقا للعائد الشهري الذي يحصلون عليه.

لكن ما قد نشير إليه هنا ربما يكون متعلقا بكبار الموظفين وبأصحاب العقود المحدودة المدة، وهؤلاء يمكن معالجة أمرهم إما بإنهاء عقودهم، وإن كان هذا إجراء قاس، وإما أن يعاد التعاقد معهم ضمن الأسس المعمول فيها في ديوان الخدمة المدنية.

وليس بعيدا عن هذا السياق، فإن الحاجة تكمن في معالجة رواتب مختلف موظفي الدولة، فمستوى التضخم مرتفعا جدا في وقت لم يجر فيه أي تعديل منذ سنوات طويلة على رواتب الموظفين وهو ما يعني أن الخلل كبيرا وسيظل قائما وسينعكس على مختلف القطاعات الاقتصادية التي تعاني اليوم من ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين.

ما أود قوله هنا، إن إجراء الحكومة اليوم قد يلقى اعتراضا كبيرا من قبل البعض كما أشرنا، وهؤلاء سيجدون من يتعاطفون معهم ويحملون قضيتهم ليفجروها في وجه الحكومة، ما يعني أن بعض فئات المجتمع تقف ضد الإصلاح وضد مكافحة الفساد إذا ما اقترب منهم أو من مقربيهم، وهذه معضلة عايشناها في تجارب سابقة وهي تشكل تحديا كبيرا أحيانا وسلوكا غير مفهوم في أحيان أخرى.