ملح الخزينة
وليد حسني
لم يعد "الملح " من أرخص الأطعمة في الأردن، وللحقيقة انا لا أفرق بين كونه من عائلة البهارات، أم من عائلة الغذاء، إلا أنه وأيا تكن عائلته النبيلة فإنه مثل الجوكر في لعبة الورق يدخل في تفاصيل كل شيء، ولا يستغني أحد عنه أبدا.
"الملح" هذا الأوان صار بالنسبة لحكومة السيد الملقي أحد مناجم الذهب الرئيسية التي ستنقذ موازنة الهلاك من كساحها، وكيف لا والسيد الملقي نفسه يرى بأم عينيه أن السيد"الملح" شريك استراتيجي في كل مناحي الحياة للأردنيين ولذلك وجب إخضاعه للجباية، لعله يتواضع قليلا هذا الملح ويتنازل عن ثروة حضوره البهي ويشارك في سداد ثمن حفلات البذخ التي ارهقت الموازنة المريضة.
أصبح"الملح" مهما في حكومة السيد الملقي، ليس لكونه فاعلا وصاحب قوة وتاثير على المائدة أو على ما سيتبقى للأردنيين على موائدهم، بل لكونه سيكون العنصر الأكثر إثراء للموازنة، ولعله يرتق خرقها، ويقيم عوجها، ويجبر كسرها، فهذا الملح فاعل ساحر، وله القدرة الفائقة على تغيير الإتجاهات والتأثير في الأذواق، وقد كان سببا في إذكاء الحروب، وسببا في نسيج السلام وبناء المدن والحضارات.
لقد شملت الحكومة"الملح" بعطفها واخضعته للضريبة البالغة 10%، لكن الحكومة لم تقل لنا كم ستكون القيمة العليا لوارداته في الخزينة، ومدى مساهمته في إصلاح عهن الموازنة المنفوش.
الملح اليوم يستثير الكثير من الشجن، ولا أعتقد ان الأردني سيجرؤ في قادمات لياليه الحالكات المهلكات على العبث بكرامة الملح ، ولن يكون كريما في بعثرة هذا الأبيض الجميل الذي أصبح أحد ضحايا سياسة الترقيع والتجهيل في الدولة .
خاض العالم قديما حروبا بسبب الملح، وفي التراث الشعبي الإنساني آلاف الحكايات عن الملح لعل من أهم ما استذكره هنا قصة ذلك الملك الذي اراد اختبار حجم حب بناته الثلاثة له ، فقامت كل واحدة منهن بوصف حجم حبها لابيها إلا أن الابنة الصغرى قالت له إنني احبك كما احب الملح، فلم يعجب والدها هذا الوصف، إلا انها وحتى تبرهن له على حجم حبها له صنعت له طعاما يخلو من الملح ، ولم يعجب أبيها الطعام طالبا إضافة الملح لطعامه، عندها ادرك الملك كم حجم اهمية الملح وتأثيره، وايقن بلا تردد أن ابنته الصغرى هي اكثر بناته حبا له..
أستذكر هذه القصة التي قرأتها صغيرا ربما منذ أكثر من اربعين سنة هذا الأوان، وأنا أقول لدولة الرئيس بكل احترام" نحن نحتاجك فينا بحجم حاجتنا لطعامنا بدون ملح..".//