مع المعلم...ضد الإضراب

 (سامي احمد بكري)

في يوم الأحد الموافق 29/09/2019 تدخلت السّلطة القضائية في أزمة إضراب المعلّمين حيث أصدرت المحكمة الإدارية الموقرة قراراً في طلب مستعجل في الدعوى المقامة من قبل أولياء أمور طلبة في مواجهة مجلس نقابة المعلّمين و وزارة التربية و التعليم، و قد قضـى القرار "أنه ولتوافر شروط القضاء المستعجل من حيث وجود خطر حقيقي محدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يستلزم درؤه بسـرعة دون تأخير أو تأجيل، وأن يؤدي تنفيذ القرار المطعون فيه إلى نتائج يصعب تداركها، وألا يمس القرار المستعجل موضوع الدعوى، فقد قررت المحكمة وقف تنفيذ قرار إعلان الإضراب المفتوح مؤقّتا إلى حين البت في الدعوى".

و في تصـريح صادر عن نائب نقيب المعلمين (ناصر النواصرة) –ردّاً على قرار المحكمة الادارية- أكّد فيه رفض النقابة الامتثال لقرار المحكمة الإدارية الموقرة و القاضي بوقف تنفيذ الإضراب، و و أن النقابة تعتزم الطّعن في القرار الصادر عن المحكمة الإدارية الموقرة المذكور أعلاه.

هذه المقالة تتضمّن إجابات على اسئلة قانونية جوهرية بهذا الخصوص:أولاً: ما مدى نفاذ قرار المحكمة الادارية بحق نقابة المعلّمين؟ثانياً: ما مدى قانونية هذا الإضراب، و هل يعتبر أسلوباً مشـروعاً للنقابة لتبَنّي مطالب المُعلمين ؟ ثالثاً: ما هي حدود المسؤولية القانونية لنقابة المعلّمين في حال أصرّوا على الاستمرار بالإضراب؟

أولاً، من حيث مدى نفاذ قرار المحكمة الإدارية، فقد نصّت المادة (28) من قانون القضاء الاداري على أنه: "لا يترتب على الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلا إذا أمرت المحكمة بغير ذلك". و بالتالي فإن القرار القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية هو قرار نافذ بِحقّ مَجلِس نقابة المعلّمين بمجرد علم المجلس بمضمونه، و بالتناوب، فإن الطّعن المقدم من قبل مجلس النّقابة في قرار المحكمة الادارية بالطّلب المستعجل لا يترتب معه وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه و القاضي بوقف تنفيذ قرار إعلان الإضراب المفتوح مؤقتا إلى حين البت في الدعوى.

ثانياً، إن الإضراب حق كَفله الدّستور الاردني، كما نصّ عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، و هو من المعاهدات الدولية المصادق عليها و النافذة في قوانين المملكة الأردنية الهاشمية. و هنا تجدر الإشارة إلى أن الحق في الإضراب حسب نص الدّستور الأُردني و العهد الدولي ليس حقّا مطلقاً، و إنما ترد عليه مجموعة من القيود. فقد نصّت المادة رقم (8/1/ج) من العهد الدولي المذكور على أنه "تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي: (ج) حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية، دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم”. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة (8/1/د) من العهد الدولي على أنه "تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي: (د) حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني".

من الظاهر عدم وضوح كيفية ممارسة إضراب "دستوري"وفقاً لما تنصّ عليه قَوانين المَمْلكة الأردنية الهاشمية بالنسبة لِنقابة المعلّمين. يظهر هذا جليّاً في تصـرفات و ردود أفعال نقابة المُعلّمين بأن صرّحت بأنه على الرغم من صدور قرار المحكمة الإدارية، لن يكون هناك تراجع عن الإضراب كونه حقّ للنقابة كفله الدستور الاردني. إلّا أنّ النقابة قد أغفلت بأن هذا الحق ليس حقّاً مطلقاً، بل ترد عليه عدة قيود، و التي لا بد من توافرها حتى يصبح الإضراب حقّاً مشـروعاً. و عليه،حتى نكون أمام إضراب قانوني، فلا بد من توافر شرطين: الأول؛ ألّا يمسّ الإضراب بالأمن القومي أو النظام العام أو بحقوق الأخرين و حرياتهم، و الثاني؛ أن تتمّ مُمارسة الإضراب وفقاً لقوانين البلد المعني.

بتطبيق ما ذُكِر على إضراب المعلّمين الحالي يظهر جليّا عدم قانونية هذا الإضراب. و ذلك لافتقاره للشـروط التي من شأنها جَعله إِضراباَ مشـروعاً. من حيث الشـرط الأول، فإن إضراب المعلّمين الحالي من شأنه التعدي على حقّ دستوري مقدّس؛ و هو (الحق في التعليم) و المَنصُوص عليه في المادة رقم (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و هو حقّ كفله الدستور الأردني، بل و اعتبر التعدّي على هذا الحقّ جريمة يعاقب عليها القانون، و ذلك حسب نص المادة رقم (7/ب) و التي تنص على أنه "كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون".

أمّا بالنّسبة للشّـرط الثّاني،و هو أن تتم ممارسة الإضراب وفقاً لقوانين المملكة النافذة دون أيّ تعارض او مخالفة. فإن هذا الشّـرط غير متحقّق أيضاً، حيث أنّ إِضراب المُعلّمين القائم يمثّل جريمة سنداً لأحكام الدّستور الأردني المذكورة أعلاه. علاوة على ذلك،فإن الإضراب مخالف لقانون نقابة المعلّمين و الذي ينصّ في المواد رقم (5/أ و 5/ب و 5/ه) على أنه: "تعمل النّقابة على تحقيق الأهداف التّالية: (أ) المحافظة على متطلبات العمليّة التربوية ورعاية مصلحة الطالب وعدم الإضرار بحقه في التعلّم، (ب) مراعاة أحكام قانون التربية والتعليـم ونظام الخدمة المدنية والتشريعـــــات الأخرى، و (ه) اللجوء الى الأساليب المشـروعة في تبنّي مطالب المعلّمين وخاصّة الحوار". بهذا الخصوص فإنّ مُخالفة نقابة المعلّمين لقانون نقابتهم واضح و صريح؛فقد مسّ الإضراب–و لا يزال- يمسّ بحقوق و حرّيات المواطنين و المجتمع و المتمثلةبالمساس و الإضرار بحقّ الطلاب الدستوري في التعليم.

عطفاً على ما تقدم، فإن الإضراب جاء مخالفاً لأحكام قَانون التّربية و التّعليم و نظام الخدمة المدنيّة. حيث نصّت المادّة رقم (68/ج) من نظام الخدمة المدنية على أنه: "يحظر على الموظف و تحت طائلة المسؤولية التأديبية الإقدام على أي من الاعمال التالية: (ج) استغلال وظيفته لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية أو القيام أو الاشتراك في أي مظاهرة أو إضراب أو اعتصام أو التحريض عليها أو أي عمل يمسّ أمن الدولة و مصالحها، أو يضُـرّ أو يعطّل مصالح المواطنين و المجتمع و الدولة". و بما أنّ نقابة المعلّمين قد مارَست إضراباً من شَأنه الإضرار و تعطيل مصالح المواطنين و المجتمع و الدّولة، فإن إضرابها يغدو و هذه الحالة غير قانوني و غير دستوري، و يعرّض أعضاء النّقابة للمَسْؤولية التّأديبيّة و ذلك سنداَ لنظام الخدمة المدنية.

ثالثاً، ما هي حُدود المَسؤولية القانونية لنقابة المعلّمين في حال أصرّوا على الاستمرار بالإضراب رغم صدور قرار المحكمة الإدارية المُوقّرة؟ الجَواب أنه في حال أصرّت نقابة المعلمين على الاستمرار بالإضراب و عدم الامتثال لقرار المحكمة الإدارية، فإنّ هذا من شأنه محاولة التشويش على احكام القضاء و المساس بهيبته، و إن هذا يعرّض المعلّمين للمَسؤوليّة الجزائية سنداً لنص المادة (473/1) من قانون العقوبات الأردني و التي تنصّ على أنه: "يعاقب بالحبس حتى أسبوع او بالغرامة حتى خمسة دنانير أو بكلتا العقوبتين من امتنع عن تنفيذ أي قَرار تُصدره أية مَحكمة نظامية من أجل القيام او عدم القيام بأي فعل".

إلى جانب المسؤولية الجزائية، فإن استمرار النقابة بالإضراب يعرّضها للمَسؤولية المدنية بحيث يحِقّ لأي شخص متضـرّر المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة الإضراب –غير المشروع- الذي لا زالت تُمارسه نقابة المُعلّمين.

و تجدر الإشارة إلى ما يعزّز جميع ما أسلفت، و هو القرار رقم (6) بتاريخ 15/09/2014 الصّادر عن الدّيوان الخاص بتفسير القوانين لبيان فيما إذا كان الإضراب أثناء الدوام الرّسمي يلحق ضرراً بمَصلحة الطّالب وحقّه في التعليم ، وما إذا كان الإضراب يعد أسلوباً من الأساليب المشـروعة لتبني مطالب المعلمين . بالإضافةإلى بيان فيما إذا كان الإضراب يشكل مخالفة لأحكام قانون التربية والتعليم ونظام الخدمة المدنية وقانون نقابة المعلمين. و بالنتيجة، قرّر الديوان الخاص بتَفسير القَوانين في قراره المذكور اعلاه "أنّ إضراب المعلّمين ألحق ضرراً بمصلحة الطلبة وحقهم في التعليم وأنه أسلوبٌ غير مشـروع في تبني مطالب المعلمين ويشكل مخالفة لأحكام قانون التربية والتعليم وقانون نقابة المعلمين ونظام الخدمة المدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".

على ضوء جميع ما سبق، قد يقول البعض بأن هذا المقال موجّهاً ضد المعلّمين، إلا أنه ليس كذلك. في حقيقة الأمر إن كرامة المعلّم من كرامتنا جميعاً، و لا يملك أحدالمساسبكرامته أو حقوقه، و إن الهدف من هذا المقال هو الوقوف على نقطة قانونية في غاية الأهمّيةو هي بأن الإضراب بالشّكل الذي تمارسه نقابة المعلّمين هو تصـرف غير مشـروع، يعزل الدستور، و لا يحترم حقوق الطالب. فنحن اليوم أمام نقابة معلمين تطالب بحقوقها المشـروعةباستخدام أساليب غير مشـروعة (الاضراب)، و هذا مخالف لمبادئ الديمقراطية و أحكام دولة القانون، و الذي من شأنه تعريض النقابة للمسؤولية القانونية على الوجه المبيّن أعلاه.

و في النهاية، أنه على الأجدر بنقابة المعلّمين أولاً، الامتثال لقرار المحكمة الادارية بوقف تنفيذ الإضراب، و ثانياً، فتح باب الحوار التفاوضيمع الحكومة،بأن تقدّم النقابة مقترح مقابل لما اقترحته الحكومة، و ذلك حسب ما نصت عليه المادة رقم (5/ه) من قانون نقابة المعلمين و التي تدعو و تحضّعلى استخدام الأساليب المشـروعة في تبني مطالب المعلمين و بالأخصّ عن طريق الحوار و ذلك بغيّة الوصول إلى حلّ مشترك. أمّا إذا لم يؤدي الحوار للغاية المرجوة، فيكون على المعلّمينالمُطالبة بحقوقهم باللجوء إلى القضاء الذيرسّخ الدستور الأردني مبدأ استقلالهوأرسى قواعد صونه من التدخل.