والدليل .. قالوله .. !!

د. هاني البدري

قصة انسحاب (الريتز كارلتون) من السوق، ليست الأولى في عهود الجهابذة.. ولن تكون الأخيرة، في بلد أطلق مؤسسة لتشجيع الاستثمار قبل ربع قرن من الزمان، أخفقت عن تشجيع موظفيها على العمل حتى بالحد الأدنى من الأداء والإنتاجية ..!

الصحيح انني في الربع قرن الأخير من عمري، وانا اسمع بعبارة "النافذة الاستثمارية" ولم اعرفها، بل لعلنا جميعاً لم ندرك ماذا تعني هذه العبارة الفلكية .. ذلك ان وراء هذه العبارة وهذه المؤسسة قصة لا بد ان تُحكى..!

(مهندس)متنفذ يضطر للتواجد في العاصمة الأمريكية لظروف عائلية محضة، فيُضطر من يقف وراءه لتعيينه مستشاراً اقتصادياً في واشنطن.. !

هو مهندس(تذكروا معي) .. !!

تمر الأيام ويبقى الباش مهندس مستشاراً اقتصادياً حتى بعد انقضاء سبب وجوده في واشنطن.. ثم يعود!!

طيبا!!

ماذا يفعل الباش مهندس بعد ان عاد..!؟

تُجيب الدولة، بشخوصها ومتنفذيها.. "نؤسس له مؤسسة"..!

وكانت قصة تأسيس مؤسسة تشجيع الاستثمار.. وبدأت حكايتي مع الزمان..!

تجارب ومحاولات ومشاركات خارجية وداخلية وموازنات ومؤتمرات وكوادر والنتيجة" يفتح الله"..!

على مدى الزمان، كان التجريب سمة المرحلة.. و (النافذة الاستثمارية) كانت موجودة أيضاً، لم تفارقنا يوماً..

مرت الأيام.. والرواية تحكي عن شخوص وادوار ومفارقات.. دراما وتراجيديا وكثير من الكوميديا و (النافذة) لسة..!

تفتت المؤسسة والتحمت كما (ابولو مع زيوس).. مع مجموعة من المؤسسات الأخرى.. بل تحولت الى وزارة تدير الفيلم و(النافذة) معاً.. ولم يتغير المشهد..

مزيدٌ من الانسحابات من سوق الاستثمار، لم يكن (الريتز كارلتون) اولها .. سبقتها استثمارات كويتية وسعودية وإماراتية وعالمية بسبب الشعارات والتجريب وسياسات الشخصنة وتعيين الباش مهندس والدكتور والمحامي وكل من هو من خارج اختصاص الاستثمار والاقتصاد..

لكن ثمة أسبابا جوهرية وراء هذا الفصل المسرحي الساخر الذي يحتوي كل هذه الإخفاقات.. على ذمة بعض الأخوة العرب من المنسحبين او الخاسرين من التجربة، او أولئك الذين يفكرون بالانسحاب.. وهذه بعضها بتساؤل البسيط المتواضع..

كيف يمكن لاستثمار ان يصمد أمام هذا المشهد الغريب من عدم استقرار القوانين والتشريعات وتغير قوانين الضريبة والعمالة والضمان والإيجار والاستئجار والقفزات النوعية في أسعار وتكاليف الطاقة ومدخلات الإنتاج ..؟

كيف يمكن لمستثمر ان يصمد أمام مجلس نواب لا يُشرع الا لنفسه وتقاعداته ومنافعه..وحكومة لا ترى فيه الا بقرة (هولندي) حلوب ..يمكن الإتيان على اخر نقطة في ثديها لصالح برنامج إصلاح لم تشهد الكرة الأرضية مثيلاً له على ذمة وزير التخطيط..!!

أهيَ المشكلة (الريتز كارلتون)..التي سمعنا قصته بسبب قدرة ملاكه على إيصال الصوت .. ماذا عن المستثمرين الصغار..!؟

ام ان وزراء الصناعة والتجارة والاقتصاد والاستثمار منذ عقدين من الزمان فشلوا في تقديم برنامج متكامل لجلب استثمارات عربية وعالمية في ظل ظروف اقتصادية وتشريعية مستقرة مستفيدة من قيمتنا المُضافة الوحيدة والذين يحاول اخرون اليوم زعزعتها ( الأمن والأمان)..!

"هِر هِر وعينه على الزلالية".. مَثَل قديم استَحْضَرَتهُ الذاكرة لوصف العلاقة بين وزراء المالية ومدراء عام الضريبة وبين المستثمرين..

"عينه على الزلالية"..!

هربت الاستثمارات .. غادرت وهي تنعي تجربتها مع من يُشَرع ،ومع من يُنفذ..وما زالت الندوات والخطط والاستراتيجيات تتحدث عن البيئة الاستثمارية الخصبة كما تعرض أيضاً ل"النافذة الاستثمارية"..

ماذا بقي لدينا، سيداتي وسادتي.،!؟

بعضٌ ممن كلبشتهم الاتفاقيات بالخصخصة وشراء الحصص.. ماذا عنهم اليوم في ظل مجموعة الجزر المتابعدة التي تُشكلها وزارتنا ومؤسساتنا.. قوانين الضريبة لا تستقيم مع قوانين العمل والضمان لا يلتقي مع الإيجار والاستئجار..!

وزير سابق للاقتصاد في هذا المشهد البائس هاجر الى كندا بعد ان شعر بالغُبن لخروجه من الحكومة بعد ستة مناصب متتالية فقط.. آخر (عاف) البلد ويُنَظِر الان في دبي في استراتيجيات الاستثمار .. والباش مهندس اصبح يتحدث في السياحة بعد ان نسينا انه أصلاً خارج الحكاية منذ البداية..

اخرون ممن أوصلونا لهذا المشهد يتحدثون بكل ثقة في الصالونات السياسية ومآدب العشاء عن الإمكانات المُتاحة والبيئة الاستثمارية وطبعاً (النافذة الاستثمارية) التي "لو أُتيح لهم البقاء في المنصب لاستطاعوا أن" ( يفتحوها)..!!

أنغضب على مغادرة فندق عالمي..؟ اذهبوا إذن الى المولات الكبرى لتشاهدوا كم من الاسماء العالمية (البراندز) قد غادرت بسبب الجهابذة واخرهم فارس البنك الدولي الذي لا يُشَقُ له غبار في عالم المال والأعمال، بدليل انه وحكومته استطاعوا المحافظة على كل هذا الاستثمار العربي والعالمي المهيب..!!

مئات الخطابات الملكية والأوراق النقاشية وخطابات العرش والاجتماعات والتوجيهات نحو فتح الأبواب وتأهيل البيئة الاستثمارية.. (دون استفادة) او تَعَلُم، بل لعل جلالة الملك كان اكثر وزير للاستثمار فعالية حين واصل عرض الفرص الاستثمارية أمام الأمريكيين والصينيين والهنود والأوروبيين على مدى جولاته وزياراته.. ووزراءه فاغري افواههم .. ينتظرون النتائج..!!

أتذكرون المسؤولين الأردنيين حين كانوا يُصَرِحون في دافوس.." وقَعّنا اليوم اتفاقية للطاقة بقيمة ٣ مليار دولار"يقول وزير تخطيط من فريق العباقرة.. وآخر يؤكد "انهينا مفاوضات لتوقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بخمسة مليارات دولار في مجالات عديدة"..

أين هم الان.. ؟ اقصد المليارات لا الوزراء.. ولماذا أضحت سمة المسؤول الاردني ونظريته المُفضلة (اضرب واهرب) إما بالفساد او التجريب او (الجنوح نحو المبالغة الشديدة ) في دافوس..!

التصريحات والعبارات الرنانة البراقة، والاستراتيجيات الوطنية لتشجيع الاستثمار ، والبيئة و (النافذة) المُغلَقة ..

حكوماتنا لا سيما هذه التي تحصر أداءها بين خطي تماس النهضة والبنك الدولي.. تنطلق من قاعدة "خَلَف خَلَف الله خِلف خلاف المحامي" عكس عكاس..

محض أقوال لا أفعال.. ولا دليل على كل ما جرى في (اليوبيل الفضي) للإخفاق الاستثماري لجموع المسؤولين الاقتصاديين والمهندسين والاستثماريين.. إلا أقوال، على نحو شاهد ماشفش حاجة.. فالدليل على نجاحاتهم الوهمية الحنجورية.. "قالولوه"..!!

ينصر دينك يا أستاذ.. نفيسة!!