أقليات شمال العراق ترسم مصيرها بأيديها بعد دحر الجهاديين
صورة اخبارية
أقليات شمال العراق ترسم مصيرها بأيديها بعد دحر الجهاديين
برطلة / شمال العراق - ا ف ب
عند مدخل برطلة في شمال العراق، نصبت شجرة ميلاد عند تقاطع طرق تبدو عند أسفلها صور تمجد "شهداء" طائفة الشبك، واحدة من الأقليات الإتنية والدينية التي تسعى إلى تحديد مصيرها بأيديها بعد دحر الجهاديين.
في قرية باز جركان، حيث تضررت معظم المنازل أو دمرت بفعل المعارك، أعاد السكان من أبناء الطائفة الشبكية مدرستهم بدعم من مساهمين، فعج ملعبها مرة أخرى بأصوات الأطفال الذين عادوا للعب مجددا.
على بعد كيلومترات عدة من المكان، رمم هؤلاء مزارا للإمام علي الرضا، وهو الإمام الثامن لدى الشيعة الإثنى عشرية، الذي فجره مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعتبرون الشيعة كفارا.
يقول معتصم عبد (47 عاما) المنضوي في صفوف الحشد الشعبي لوكالة فرانس برس إنه "يجب أن نعيد بناء المزار (الإمام علي الرضا) أجمل وأكبر، كي نقول للدواعش إنهم لم يفوزوا".
عبد، الشبكي الذي التحق بالحشد الشعبي بعد فتوى آية الله السيد علي السيستاني، أعلى مرجعية شيعية في البلاد، للقتال في وجه تقدم تنظيم الدولة الإسلامية، يتطلع اليوم مع رفاقه إلى مستقبلهم.
ولأتباع الطائفة الشبكية، الذين يبلغ عددهم 60 ألفا في العراق، لغة خاصة، ويؤكدون أنهم جاؤوا قبل قرون عدة من شمال إيران.
وعلى غرار المسيحيين والأيزيديين وغيرهم من الأقليات، استهدف الجهاديون أماكن عبادة الشبكيين. ولذلك، أجبروا على الفرار من قراهم خلال ثلاث سنوات من حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
-قوات محلية لفرض الأمن-
لم يعد عدد المسيحيين في العراق اليوم يتخطى الـ400 ألف نسمة، في مقابل أكثر من مليون شخص قبل العام 2003، أي ما يزيد قليلا عن واحد في المئة من عدد السكان.
اليوم، وبعد أشهر عدة من استعادة السيطرة على كامل محافظة نينوى، أعيد ترميم كنائس وأديرة. وللمرة الأولى منذ أربعة أعوام، علت أصوات تراتيل عيد الميلاد هناك.
أما بالنسبة إلى الأيزيديين، الأقلية الناطقة بالكردية والتي تتبع ديانة توحيدية تقتصر على فئة معينة، فقد تمكنوا من إعادة بناء 20 من أصل 23 معبدا فجرها الجهاديون في منطقة بعشيقة، شرق الموصل.
ويقول أحد المسؤولين عن تلك المعابد هلال حسين علي لوكالة فرانس برس أن "عمليات التأهيل تمت بإمكانيات ذاتية وتبرعات خيرين من أهالي المنطقة من جميع الأديان والمكونات، سواء من الأيزيدية أو المسلمين أو المسيحين".
ومع عودة الحياة إلى المنطقة، أقيمت حواجز تفتيش في كل مكان تقريبا، لكن المسلحين المنتشرين هم من أبناء المنطقة، وعموما من منتسبي قوات الحشد الشعبي الآتين من إتنيات مختلفة، كالشبك والتركمان والمسيحيين والأيزيديين.
ولحفظ الأمن على الأرض، نشرت السلطات العراقية التي أعلنت في نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي "انتهاء الحرب" ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قواتها المحلية.
هذه القوات تعرف جيدا الأماكن والسكان، تتكلم لغتهم، وقادرة أن تكتشف بسهولة أي دخيل أو غريب، بحسب ما يقول القادة.
-"حتى قبل داعش"-
يؤكد زين العابدين جميل، وهو قيادي في الحشد الشبكي في سهل نينوى، لفرانس برس أنه "حتى قبل داعش، سعت تنظيمات إرهابية أخرى، كتنظيم القاعدة، إلى طرد الأقليات".
في تلك الفترة، كانت مناطق بأكملها، خارجة عن سيطرة القوات الحكومية.
يتذكر شرطي شبكي من برطلة، متواجد على أحد الحواجز في الموصل القديمة، السنوات التي لم يكن يذهب فيها إلى المدينة إلا مع مرافقة.
يقول لفرانس برس طالبا عدم كشف هويته "كنت أذهب إلى الموصل بدورية، وليس بصفتي الشخصية أبدا. أن يدخل شيعي المنطقة وحيدا، كان ضربا من الجنون".
يشكل السنة الذين يعتبرون أقلية في البلاد، غالبية السكان في الموصل.
عاشت جماعات سنية صغيرة في القرى المحيطة، لكن كثيرين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية وقتلوا في المعارك، في حين فر أو أسر آخرون، بحسب ما يفيد السكان.
يؤكد جميل أن اليوم، وبعد أشهر من استعادة نينوى وكبرى مدنها الموصل، "نحن مسؤولون مباشرة عن الأمن أمام المواطنين".
هؤلاء المقاتلون المحليون كانوا خلال المعارك سندا للقوات الحكومية، نظرا إلى معرفتهم للأرض. لكن لانتمائهم إلى عائلات تعرض أبناؤها للقتل بيد الجهاديين، يسود الخوف من أن يقدم هؤلاء على عمليات ثأر، وفق ما تحذر منظمات إنسانية.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية مؤخرا، مقاتلين عراقيين من الأقلية الأيزيدية باختطاف وإعدام 52 مدنيا ينتمون لقبيلة سنية انتقاما للظلم الذي تعرضت له هذه الطائفة على يد تنظيم الدولة الاسلامية.
شرح الصورة
شابان عراقيان من اقلية الشبك يسيران قرب منازل دمرها تنظيم الدولة الاسلامية في قرية باز جركان في شرق الموصل.