جهد استثنائي في وقت عصيب
وزارة التربية والتعليم.. والعام الدراسي الجديد
بقلم: زيد أبو زيد
ها هو ذا مطلع أيلول في وطني الأردن تتهيّأ بشائر صُبْحِه، مُعلنةً بدء عام دراسي جديد في مدارسنا؛ لتستقبل ملايين الطلبة، وهم يستبشرون بتجارب جديدة وحياة مدرسية فاعلة؛ تتجسّد فيها رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله بأنْ تكون "مدارسنا مختبراتٍ تُكتَشَفُ فيها ميولُ الطَّلبةِ، وتُصْقَلُ مواهبُهم، وتُنَمَّى فيها قُدراتُهم في طريق الارتقاءِ والتغييرِ؛ فلا يتخرج الطلبة إلا وقد تزوَّدوا بكلِّ ما يُعينُهم على استقبالِهم الحياةَ، ومواجهةِ ما فيها من تَحدِّياتٍ، والمشاركةِ في رَسْمِ الوجهِ المُشرقِ لأردنِّ الغَدِ"، ولا سيّما في عالم أصبح بفعل التكنولوجيا قرية كونيّة ذات أبعاد ثقافية واجتماعية متعددة.
من هنا فقد عكفت وزارة التربية والتعليم على مدار الساعة، من أجل تهيئة كلّ ما من شأنه أنْ يجعل عامنا الدراسيّ الجديد ذا بيئة تعليمية تعلُّميّة رائدة، على صعيد الأبنية المدرسية، والمناهج الدراسيّة، وتوفير بيئة مدرسيّة جاذبة ومحفّزة، وبناء خطط منهجية محكمة لتفعليم التعليم ونشاطاته، وقبلَ ذلك كلّه تزويد الميدان التربويّ بكادر بشريّ يتمتع بكفايات مرموقة، لتكون مدارسنا على جاهزية عاليّة وكأنَّها مشغل كبير للإنجاز والعمل، بإدارة واضحة وإرادة حاسمة للتغيير نحو الأفضل، تتحدّى الظروف الاستثنائية ذات الطبيعة السياسية والاقتصادية الضاغطة، وفي واجهتها أزمة اللجوء السوري التي ألقت ثقلها على البنية التحتية وأرخت سدولها على مؤسساتنا التعليمية .
ورغم ذلك فقد جهدت وزارة التربية والتعليم بكلّ ما أوتيت من طاقات وطنية؛ للعمل على تذليل أيّ تحدٍّ يمكن أن يعترض سبيل التقدّم العلميّ؛ ليأتي أداؤها مُنسجِمًا معَ رُؤى سيِّدِ البلادِ جلالةِ الملكِ عبدِ الله الثاني ابنِ الحسينِ - حفظَهُ اللهُ ورعاه- في الورقةِ النِّقاشيّةِ السابعةِ؛ إذ دَعا فيها جلالتُهُ إلى بناءِ القُدراتِ البشريَّةِ وتطويرِ العمليَّةِ التعليميَّة؛ بوصفِها جوهرَ نهضةِ الأمم، واستكمالًا لما أكَّده الملك الباني الحسين بن طلال - طيَّب الله ثراه-؛ بأنّ النهضة الحقيقية للأوطان لا تكون بغير العلم ولا تصل مداها بغير المعرفة التي تنبع من همة الشباب.
لذا، لا بدّ من التأكيد على دور القيادة المؤثّرة والإدارة الفاعلة والإرادة الصّلبة، في العمل الجادّ الذي دأبت عليه وزارة التربية والتعليم جيلًا فجيلًا ، حيث قدّم كلّ من تسلّم شؤون وزارة التربية والتعليم جهده وبصمته، ليكون الخيار الحاسم متوجّها صوب فِكْر معالي الأستاذ الدكتور وليد المعاني، الذي تجلَّى فيه ذكاء الإدارة, وهمّة الشباب، وحنكة الكهول, وصبر العارفين، لنقول بكل ثقة واقتدار: حقًّا، لقد أخذ القوس باريها" يوم أنْ مُنِح الثقة الملكية السامية باختياره وزيرًا للتربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلميّ، بقلبه المؤمن بالتغيير وحبه الجمّ للوطن, المفعم بالإخلاص لمليكه وأمته؛ فانبرى - بكلّ همّة عالية وعزيمة أكيدة – بتقديم الرؤى الثاقبة والتطلعات الناجزة، في سبيل توجيه السفينة العلمية التربوية في مطلع العام الجديد إلى بر الأمان. واجتهد مشاركًا كلّ خبير وناصح في وضع السياسات الكفيلة بأنْ تصبح الوزارة شجرة وارفة ظلالها، يانعة ثمارها، زكيّة آثارها، تنهض بالوطن والمواطن, وتضع البلد في مصافّ الدول المتقدمة، فكانت خطوته الأولى والجريئة في استكمال إصلاح نظام الاختبارات المدرسيّة، ولا سيّما اختبار الثانوية العامة، الذي اعتراه كثير من الهناتِ فيما مضى. وانطلاقًا من أنّ المناهج التعليمية تعدّ فيصلًا في بناء المنظومة التعليمية بناءً وطيدًا، فقد أولى معاليه تطوير المناهج كل عناية واهتمام، على وفق أسس ومعايير عالمية، تكفل بإعداد مواطن منتمٍ ومنتج قادر على المنافسة عالميًّا. ثم انثنى يمحص ويفحص، فانقضَّ على الترهُّـل الإداري في الوزارة، الذي أوصل كثيرًا من الموظفين إلى مراكز لا يستحقّونها، فاكتظَّت بعض المكاتب فيما يعرف بالبطالة المقنّعة, فأصلح ووضع ما يمكن أن يوضع في نصابه, ثم عمد إلى الميدان فرأى بعض المديرين يضر أكثر مما ينفع، فأوعز بإعادة النظر في أسس اختيارهم, وهكذا كانت النظرة أيضًا إلى البناء المدرسي، وإلى فاعلية الحصة الصفية وانتظام الدوام، وإلى الشراكة المجتمعية، غير ناسٍ تفشّيَ الإرهاب الطائفي والعرقي بكل أشكاله في المنطقة والعالم، وضرورة إحداث نقلة تربوية في المفاهيم تستند إلى أركان توعوية اقتصادية وسياسية واجتماعية؛ لإعادة صياغة الخطاب بما ينسجم وتعقيدات المشهد العالمي والإقليمي والوطني، مع إعادة النظر جديًّا بطرائق التعليم وسُبل الاستفادة من تقنيات الثورة المعلوماتية علميًّا وتوجيهها الوجهة الصحيحة، بعدما أنْ كانت المعالجات في السابق انتقائية، نتج عنها اختلالات كبيرة ذات تأثير سلبيّ على البلاد والعباد... وهكذا وبحنكة الخبير، وبالحوار الهادف والمنطق البنّاء استطاع معاليه أن يضع لكل ذلك خطة طريق إصلاحية مؤسسّية مُحكمَة, ووطَّد التعاون مع نقابة المعلمين التي جهد المعلمون كثيرًا لترى النور؛ سعيًا منه إلى أنْ تكون العلاقة متوازنة تحدّد لكل طرف حقوقه وواجباته في صِبغة ديمقراطية ذات نفع عميم، للمعلم صاحب المصلحة الحقيقية من النقابة، والأمل معقود على معاليه للاستمرار بالإصلاح على مستوى المركز وفي مديريات التربية والتعليم، إنصافًا للمعلم والطالب والمستثمر، وسنّ التشريعات الناظمة لتطوير التعليم والارتقاء به؛ لينافس المعايير الدولية والعالمية للتعليم، بدءًا من مرحلة الطفولة المبكرة التي شرع معاليه في التوسُّع فيها؛ إيمانًا منه بأهميّة هذه المرحلة في صقل شخصية الطالب وبناء معارفه ومهاراته.
وفقك الله معالي الوزير إلى ما فيه خير الوطن، تحت ظلّ الرّاية الهاشمية المظفرة بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله.