مجتمع القاع و"حرب الفيديوهات"

بلال العبويني

في كل المجتمعات ثمة ما يمكن تسميته بمجتمع القاع، وهم أولئك الذين يرتادون أماكن الرذيلة من نواد ليلية وبارات وغيرها، والتي يتفق موقعها الجغرافي مع وصفها باعتبار أنها غالبا ما تكون في الطوابق السفلية للمنشآت السياحية.

ومجتمع القاع هذا، هو عالم بحد ذاته، قد يبدو للكثيرين من لم ينتموا إليه؛ أنه عالم غامض، حيث تجارة الجنس والمخدرات والسلاح وقد يصل نشاط القائمين عليه إلى الاتجار بالبشر.

هم عالم غامض بحق، ويمكن التنبؤ بأي سلوك قد يصدر عن مرتادي ذلك المجتمع، تحديدا إن كانت قضية الخلاف بنت ليل أو قطعة سلاح أو ما شابه ذلك من القضايا التي تتمحور حول مجتمعهم.

غير أن ما شاهدناه خلال الأيام الماضية من مقاطع فيديو، وإن كان مرفوضا، إلا أنه ليس غريبا وليس نادرا، فمثل هذه الحوادث تتكرر دائما وتشهد المجتمعات المحيطة والغربية أعنف وأقسى منها، بل وقد شهد المجتمع الأردني ما هو أشد وطأة منها خلال الأعوام الماضية.

وهذا بالتأكيد، ليس دفاعا عن ما جرى أو تهوينا من قذارته، بل إنه مدخل للحديث عن "حرب الفيديوهات" إن جاز التعبير، التي بدأت تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي وتحديدا "واتس آب" باعتبارها منصة بينية وبعيدة عن أعين الرقابة المباشرة.

مقاطع الفيديو هذه خطيرة جدا لأنها تصور مشاهد عنف خارجية على أنها جرت داخل الأردن، وهو ما يثير سؤال عن الهدف الذي يريده ناشروها من وراء ذلك.

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، كانت البلاد على موعد مع سيل من الشائعات الكاذبة، والتي وصلت آنذاك إلى مستويات غير مقبولة البتة، فانشغل البعض بها دون أن يمنحوا أنفسهم وقتا قليلا للتفكير والتمحيص بالمعلومة التي ترده من مصادر مجهولة.

آنذاك، كان ثمة ما يمكن تسميته بالإشاعة المبرمجة، وكان الهدف منها زعزعة ثقة الأردنيين برموزهم ومؤسساتهم الوطنية.

اليوم، المشهد يتكرر عندما تستهدف الفيديوهات الكاذبة، بشكل مبرمج، على ما يبدو، أمن الأردنيين عبر بث الرعب في نفوسهم والنيل من ثقتهم بأجهزتهم الأمنية بتصويرها بمشهد المتراخية أو غير القادرة على التعامل مع ظواهر العنف الليلي الناتج عن مجتمع القاع.

من المؤكد أن الأمن لدينا مشهود له في يقظته وفي تعامله مع الكثير من القضايا والتحديات بحزم من شأنه بث الطمأنينة في نفوس الآمنين.

لذا، مطلوب من الأردنيين اليوم ، أن لا يسمحوا للفيديوهات الكاذبة أن تنال من ثقتهم بأجهزتهم أو أن يسمحوا لها بزعزعة شعورهم بالأمن، كما أنه مطلوب منهم أن لا يسمحوا للإشاعة أن تتغلغل إلى دواخلهم وأن يدققوا قليلا بما يردهم من معلومات ومقاطع فيديو للتأكد من عدم صدقيتها بالإضافة إلى أنه مطلوب منهم أن لا يكونوا أداة هدم بإعادة نشر ما يردهم من معلومات دون تمحيص وتدقيق.

وبالمقابل، مطلوب أيضا من الأجهزة الأمنية أن تظل على يقظتها ساهرة على أمن الأردنيين ومؤسساتهم الوطنية، فالأمن لا شك قيمة عظيمة، وهذه حقيقة غير قابلة للإثبات وليست قابلة أيضا للتندر والمزاح كما يفعل بعض من يعلق على قضية "الأمن والأمان"، لمجرد حدوث مشاجرة هنا أو هناك.

بالنهاية مجتمعات القاع موجودة في كل مكان ، وهي مرفوضة ومنبوذة بكل تأكيد ، وإن كان لنا من مطلب هنا فإنه بإغلاقها أو أقله؛ بتشديد الرقابة عليها اكثر، والضرب بيد من حديد بكل من يحاول زعزعة الأمن أو بث الرعب في نفوس الآمنين.