كيف تعيش حياة صديقة للبيئة؟

د. ايوب ابو دية

بعد نقاش طويل حول كيف يمكن العيش حياة صديقة للبيئة ، يعترف صديقي بيتر، بأنه ترك آثارًا عالية الكربون والميثان في الطبيعة خلال فترة حياته في الولايات المتحدة. لقد حان الوقت، يتحدث وهو يتلعثم من الخجل والاحراج، أن هذه الأعمال غير المسؤولة وغير الواعية بشكل رئيس تجاه الطبيعة الأم يجب استبدالها بممارسات واعية رفيقة بالبيئة.

ينظر بيتر إلي باستفزاز واضح متوسلا ردود فعل من أي نوع لمواساته وللتقليل من حجم الضغط النفسي الذي بات يعاني منه، مضيفا أنه توقف عن أكل اللحوم الحمراء لهذا الهدف. فسألني:هل هذا يكفي للتكفير عن ذنوبي الماضية تجاه البيئة العالمية؟ بذلك السؤال شعرت أنه ألقى بالمسؤولية الأخلاقية في وجهي وغدا ينتظر الاجابة.

حرضني بيتر على التفكير بعمق في هذه المسألة التي تنطوي على مشاكل كبيرة ، وهي تتمثل في رد الديون التي استلفناها الى الطبيعة ، ديون طال انتظارها تمثلت في الضرر الناجم عن سلوكنا البشري الذي ألحق الاهوال بالطبيعة منذ الولادة، وبخاصة في ضوء المعرفة التي اكتسبناها مؤخرًا عندما بات متوسط ارتفاع ​​درجات الحرارة العالمية ملحوظًا بالفعل ، وأمسى يزداد تدرجيا ، بدءا من ثمانينيات القرن العشرين.

منذ الثورة الصناعية الأولى التي بدأت في نهاية القرن الثامن عشر، حرقت البشرية الوقود الأحفوري، بدءا بالخشب ، يليه الفحم ، ثم توسع استهلاكنا في نهاية القرن التاسع عشر عند اكتشاف النفط ، فضلا عن اختراع محرك الاحتراق الداخلي في عام 1872 م والكهرباء في عام 1879 الذي جعل استهلاكنا للطاقة أكبر بكثير ، سيما وأن هذه الأحداث تزامنت مع توسع الرأسمالية حول العالم.

انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية من حرق الوقود الأحفوري قد تصاعدت بنحو 20 مرة عام 2000 مقارنةً بعام 1900 ميلادي. وفقا لذلك ، فإن الزيادة في متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية للغلاف الحيوي للأرض وصل الى درجة مئوية واحدة على الأقل وزادت درجة حرارة أسطح البحار العالمية تقريبًا بنفس المقدار. وتتوجت جهود اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ باتفاقية باريس 2015 للحد من الزيادة إلى درجتين مئويتين بحلول نهاية القرن لتجنب العواقب الوخيمة. كما يتم اليوم تعديل هذا القرار لوضع الجهود اللازمة للحد من الارتفاع إلى 1.5 درجة مئوية إن أمكن.

مع إعلان الولايات المتحدة بشكل غير مسؤول عن التراجع عن الاتفاقية ، يتحمل الرأي العام الأمريكي ، بما في ذلك صديقي بيتر ، مسؤولية تغيير أنماط الاستهلاك والسلوك ووسائل النقل، من بين أمور أخرى. ولتحقيق التوازن في المعادلة دعونا نبدأ بالأولويات ، التي تبدأ بالسلوك البشري الأكثر تلويثًا أولاً ثم الانتقال الى الأقل ضررا.

من المتفق عليه أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد الواحد الأمريكي في عام 2015، بالنسبة للاستهلاك المنزلي قصير العمر، وفقًا لشبكة Global footprint ، كانت كما يلي:

وسائط النقل الشخصية 24٪

السكن (الكهرباء ، التدفئة ...) 22٪

الخدمات (المطاعم ، الرياضة ، المؤسسات التعليمية، الخدمات الحكومية...) 21٪

الغذاء (الأغذية والمشروبات) 17٪

السلع (الإلكترونيات ، الملابس ، ...) 15٪

في عام 2014 ووفقًا لبيانات البنك الدولي ، من حيث الكمية السنوية للكربون المنتجة لكل فرد ، كان الانسان القطري هو الأعلى ابتعاثا ، حيث بلغت 45.42 طنا لكل فرد ، وكانت الولايات المتحدة عند 16.49 طن ، والأردن عند 3 طن فيما كان ادنى رقم في القائمة الصومال عند 0.05 طن. تخيل أن الانسان القطري ينتج 900 مرة من الكربون أكثر من الصومالي! فاين العدل والانصاف في هذا العالم؟
لوضع هذه الأرقام كتجربة حية في العالم الحقيقي ، يحتاج بيتر ، كمواطن أمريكي ، إلى زراعة 8000 شجرة سنوياً، على افتراض أن الشجرة الناضجة الواحدة تمتص 20 كيلوجراما من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وذلك من أجل تحقيق حلمه لأغراض سداد ديونه البيئية لأمه الحنون الأرض. لكن هذا النهج غير واقعي بالنسبة له ، لذلك فهو بحاجة إلى تغيير أسلوب حياته جذريا، وليس فقط وقف استهلاك اللحوم الحمراء ، بل يجب عليه أن يبحث عن وسائل نقل أخرى أكثر رفقا بالبيئة، وأيضا بدائل للإسكان والخدمات والسلع التي يشتريها. وإذا كان صادقا فيما يدعي فلن يحقق أي تغيير جوهري على البيئة في حياته اذا لم يبدأ الآن.