البُخاري.. مُحَطماً؟؟

وليد حسني

قضيت طيلة الأسبوع الماضي في ظلال صاحب "صحيح البخاري" محمد بن اسماعيل البخاري، من خلال أربعة كتب قرأتها دفعة واحدة اثنان منها ذهبا لتحطيم صورة صاحب "أصح الكتب بعد القران الكريم"، وهي" "جناية البخاري" لزكريا أوزون، و"صحيح البخاري.. نهاية اسطورة" لزكريا أيلال، بينما ذهب الكتاب الثالث للدفاع عن البخاري (أزمة البخاري ) لمعتز عبد الرحمن، وذهب الكتاب الرابع ( بيع الوهم ..تهافت طرح رشيد أيلال عن صحيح البخاري ) ليوسف سمرين للرد على أطروحات أيلال ونقدها وتحطيمها تكريسا لهالة الرجل الذي توفي سنة 870 للميلاد ( 256 للهجرة ).

ولست في هذه العجالة لمناقشة مضامين الكتب الأربعة فالمجال لا يحتملها هنا، ولكن ما دفعني للكتابة أن قضية مراجعة تراثنا لم تعد ضرورة بل أكثر من واجبة، وهذا الأمر لا يقتصر على علم دون آخر، بل يجب أن يطال كل الحقول المعرفية التي وصلتنا.

البخاري في كتابي اوزون وأيلال يظهر متهما تماما في نقله وفي منهجيته التي اعتمدها في الحكم على 600 الف حديث قيل إنه كان يحفظها وعمرها 16 سنة فقط، واختار منها أحاديث صحيحة، فضلا عن ذهابهما للتشكيك في سيرة الرجل، وفي مدى قدراته الذهنية الخارقة في الحفظ واسترجاع محفوظه.

ولعل أبرز ما يمكنني الإشارة العجلى إليه يتعلق بإخضاع اوزون وأيلال منطوق مرويات البخاري لمنتجات العلم الحديث في نقد النصوص وتقييمها كمدخل للتشكيك في مصداقيتها، ثم إخضاعها لمسطرة حكم العقل على ما لا يمكن للعقل تقبله لبعض مروياته، لإيمانهما بأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يمكنه مخالفة منطق العقل، ولا يتعارض مع معطيات العلم, وهذه مسطرة فيها وجهة نظر لا تحتمل المناقشة هنا.

يظهر البخاري في أبحاث اوزون وأيلال متهما، ومحطما، منزوع الثقة تماما، ويغرق في الشك العلمي، مما دفع بصاحب كتاب "أزمة البخاري" للتنبه لهذه المسألة التي يعتبرها خطيرة جدا قائلا في خواتيم كتابه "الدخان المثار حول صحيح البخاري وكتب السنة بشكل عام والذي يستخدم للتشغيب على الأصل الثاني للتشريع بل ولمحاولة هدمه كليا، مما يؤدي لتعطيل المصدر الأول أيضا وهو القران الكريم، وتفريغ الاسلام من مضمونه، ويضيف "إن الهجوم على صحيح البخاري بدون الالتزام بأي قواعد هو هجوم بالضرورة على السنة النبوية كلها ".

ولا اعتقد ان مثل هذا الكلام يمكن القبول به على عواهنه، خاصة وان أيلال وأوزون لا يعتبران البخاري وصحيحه حجة على النص القراني، وبحسب أيلال فإن القدسية التي منحت لصحيح البخاري تجاوزت القدسية على القران الكريم نفسه، ومن هنا تبدو المعضلة الأساسية في منطلقات الفهم، ومنهجية التحليل ، وربما في الأيديولوجيا التي يحتكم اليها أصحاب الكتب الأربعة في قديس البخاري، أو الرغبة في تحطيمه.

وبحسب قناعاتي فان ما قاله معتزعبد الرحمن صاحب"أزمة البخاري" لا يمكن التسليم به، فهو على الأقل يقدم لمنتقدي البخاري وجبة دسمة سهلة الهضم لتاكيد أطروحاتهم المتعلقة بحجم قدسية البخاري وكتابه، وهذا ما يرفضه اوزون وأيلال، في مواجهة عبد الرحمن ويوسف سمرين اللذان يتمسكان بقدسية النص البخاري وتقديمه على أي نص حديثي آخر، ولا يجيزان العبث او النبش في الصحيح بالرغم من أن الانتقادات للبخاري ولصحيحه قديمة جدا وتعود لنحو ألف سنة مضت، وهذا ما يدفع بصاحب "جناية البخاري" للقول(..واذا كان الامام البخاري لن يحرم من أجره عند الله ــ عز وجل ــ لأنه عمل واجتهد وسعه، فإن الانسان يحق له ان يقبل او يرفض عمله إذا لم ير فيه ما يحقق طموح ورغبات الأمة المشروعة في التطور والتقدم).

حين أنهيت قراءة الكتب الأربعة تباعا خطرت لي العديد من الأسئلة عن مدى قدسية المنطوق والناطق، وهل البخاري الان في أزمة ثقة، أم في أزمة تعليل، ام في أزمة تاويل، وهل هو في دائرة الإنكار أم في دائرة الشك والتحطيم..

أسئلة تحتاج للمراجعة، وقبل ذلك التخلص من عباءة التابوهات، وحمل المبضع العلمي وإعادة تشريح النص لمعرفة غثه من سمينه..