نظام الفوترة.. العودة إلى التصعيد

 بلال العبويني

لافت التعميم الذي أصدرته نقابة المحامين إلى أعضائها بعدم الالتزام بنظام الفوترة الذي أقرته الحكومة لمكافحة التهرب الضريبي واخضاع قطاعات مهنية طالما ظلت الشكوى حاضرة من أنها لا تدفع القيمة الحقيقية المترتبة عليها من ضرائب فضلا عن صعوبة مراقبة دخلها الحقيقي لضعف اعترى التشريع سنوات طويلة.

المحامون ليسوا وحدهم في ميدان رفض نظام الفوترة وهناك قطاعات مهنية أخرى ترفضه ومنها من دعا إلى تأجيل العمل به، تحت مبررات مختلفة، وهو ما يؤشر إلى أن المواجهة التي خاضتها النقابات المهنية مع حكومة الدكتور هاني الملقي رفضا لمشروع قانون ضريبة الدخل وأدى إلى رحيل الحكومة نتيجته مرشح أن يعود اليوم من بوابة نظام الفوترة.

الحكومة أعلنت يوم أمس أنها مصرة على تطبيق القانون وقالت على لسان مصدر أن على نقابة المحامين ألا تتوقع استثناءها من النظام، وفي الواقع مثل هذا التصريح استمعنا إليه من مسؤولين كثر في الجلسات المغلقة والذين كانوا يصرون على أن تطبيق النظام سبيل للحد من قضية التهرب الضريبي.

سوّقت الحكومة منذ البدء لنظام الفوترة عبر منح بعض إعفاءات للمواطنين على الفواتير بمقدار أربعة آلاف دينار عن الخدمات الصحية والتعليمية والقانونية وغيرها، شريطة أن يقدم المواطن فواتير حقيقية يظهر فيها اسم مقدم الخدمة بشكل واضح.

كما سّوقته عبر تأكيدها أن نسبة 88 في المائة من المواطنين لن يشملهم دفع ضريبة دخل، وذلك استباقا لأي حراك مهني أو اقتصادي من شأنه أن ينتفض في وجه الحكومة رفضا للنظام وتطبيق القانون، ومنعا لتعاطف غالبية المواطنين معهم كما حدث في الحراك الذي انتفض في وجه حكومة الملقي في آخر أيامها.

نقابة المحامين أعلنت في دعوتها لأعضائها عدم الالتزام بنظام الفوترة وأنها ستعقد مؤتمرا صحافيا توضح فيه مبررات رفض تطبيق القانون، وفي الواقع ثمة محامون يبررون الرفض في أن الاتفاقات الموقعة مع الموكلين على قيمة التوكيل قد تصطدم بعوائق أو بطول فترة التحصيل من المحكومين، ما يعني أن إصدار فاتورة بالمبلغ يحتّم عليهم دفع قيمة الضريبة عن مبلغ لم يُحصل بعد وقد لا يُحصل أبدا لأي سبب كان كهروب المحكوم إلى خارج البلاد مثلا.

مما لا شك فيه أن النظام يحتاج إلى بعض التعديلات لتطوير آليته بحيث يدفع المهني ضريبة من الأموال التي يُحصلها لا على الأموال التي قُيدت له قانونا دون أن يحصل عليها عمليا.

ضريبة الدخل هي حق للدولة، وواجبة على المواطن المُكلف بالدفع، ومن حق المواطن أيضا الاستفادة من نظام الحوافز والإعفاءات بحصوله على فواتير مصدقة عن مقدم الخدمة.

غير أنه وأمام إصرار نقابتي المحامين والأطباء وغيرهما على عدم الالتزام بالنظام، في وقت تصرّ عليه الحكومة، فإن القضية مرجحة للتصعيد، ما قد يُعيد حراك النقابات إلى مربعه الأول، غير أن المفارقة هنا أن التعاطف الشعبي قد لا يكون بذات الزخم الذي كان عليه إبان حكومة الملقي، ليس حبا بحكومة الرزاز بل لقناعة الكثيرين أن النقابات خذلتهم في الانتصار لقضاياهم، فضلا عن التسويق الجيد الذي لجأت إليه حكومة الرزاز عبر تضخيم أرقام التهرب الضريبي من قبل قطاعات مهنية مختلفة كالمحامين والأطباء.

وأمام حالة كهذه، فإن منطق العقل هو الذي يجب أن يسود من جميع الأطراف، فالبلد ليست محتملة حراكا شبيها بحراك رمضان قبل الماضي.