الانتخاب والعدالة التصويتية وفوبيا الديمغرافيا

وليد حسني

لن ينصلح حال قانون الانتخابات النيابية أبدا إن ظلَّ محكوما بفوبيا الجغرافيا والديموغرافيا، وفقدان العدالة التصويتية والتمثيلية للأردنيين الذين يقدس الدستور الأردني مساواتهم أمام القانون.

قالت الحكومة إنها بصدد إجراء تعديلات على قانون الإنتخاب بعد ان تطلق حوله ماراثون حوار وطني ــ لم تعطنا أية تفاصيل عن هذا الحوار ــ، وكما فعلت الحكومات في مناسبات تصليحية متعددة للقانون فان كل تلك الحوارات كانت مجرد حفلات سمر تشبه "ليلة الحنة" في أعراسنا التراثية.

واعلن النواب أن المجلس سيقوم هو الآخر بإطلاق حوار حول تعديلات القانون فور وصوله الى البرلمان، وفي الحقيقة فأنا لا أتمتع بكل تلك الثقة لأومن بأن مخرجات حوار البرلمان مع الجهات المعنية ستجد لها مكانا في نص القانون حين تصبح مناقشته أمرا واقعا تحت القبة.

لم ترسل الحكومة مشروع تعديلات القانون الذي أشبع تعديلا وقصا ولصقا الى مجلس النواب، ومن المرجح أن يكون امام النواب في دورته العادية الرابعة والأخيرة لكنه لن يعرض على المجلس الا في مطالع السنة المقبلة ربما في شهر كانون الثاني او في شباط على ابعد تقدير.

وايا تكن الصيغة الجديدة التي سيخرج القانون بها فإن سيرته الذاتية ستظل جزءا من مأساة الديمقراطية الأردنية، ليس بسبب القانون نفسه وإنما بسبب النظام الإنتخابي الذي ينبني القانون عليه، ثم فوبيا الجغرافيا والديموغرافيا التي تحكم روح القانون وروح من يوحي به مما يؤدي وبالضرورة الى فقدانه للعدالة التصويتية للناخبين، وللقوة التصويتية التي تتمتع للأسف بمحاباة مناطق انتخابية على حساب أخرى.

ولن أذهب بكم الى التفاصيل فهي أمامكم واضحة لا لبس فيها، فلا يكفل القانون العدالة التصويتية والتمثيلية، ولا يوازي في القوة التصويتية للصوت الواحد، مما ساهم تماما في إنتاج مجالس نيابية لا تتوافر فيها العدالة التمثيلية.

والأهم من ذلك كله ان قانون الانتخاب الحالي او ما سيطرأ عليه من تعديلات يمثل في جوهره قانون كوتات وتخصيص مقاعد، فللمسلمين مقاعدهم، وللمسيحيين مقاعدهم، وللشركس مقاعدهم، وللنساء مقاعدهن، وللبدو مقاعدهم أيضا في ثلاث كوتات شمالا ووسطا وجنوبا.

إذن نحن امام قانون كوتات يمثل 7 مجاميع دينية وعرقية واجتماعية، وبين هذه الكوتات تضيع مباديء وقيم العدالة التمثيلية والتصويتية، ثم تطلع الحكومات والبرلمانات وتتحدث عن هذه القيم باعتبارها قيما متحققة تماما في قانون مشوه ساهم في تعزيز فقدان الثقة بالمؤسسة التشريعية وبكل منتجات الانتخابات.

اتفهم تماما اهداف ومرامي الكوتات في قوانين الإنتخاب الأممية لغايات مساعدة الاقليات الصغيرة والمهمشة للوصول الى البرلمان، لكن هل تنسجم هذه الغايات مع مجتمعنا ؟.

من المؤمل أن يترك القانون الحالي في ملفات الحفظ ويوضع قانون انتخاب جديد يعيد تفكيك وتركيب المناطق الانتخابية بناء على عدد السكان، ثم توزيع المقاعد التمثيلية على أساس القوى التصويتية لكل منطقة انتخابية، والغاء كوتات البدو الثلاث، وكذلك كوتة المرأة..

إن المعضلة الأساسية وبالنتيجة المحضة ليست في القانون وإنما في اختيار النظام الانتخابي الذي يناسبنا، وعلينا مغادرة محطة التجريب الموسمية، والأهم من ذلك كله الإستثمار في الأجيال المقبلة لتعليمهم وتدريبهم على السلوك والتفكير الديمقراطي، وبغير ذلك فاننا سنقضي ثلاثين سنة اخرى ونحن لا نبرح مكاننا إلا إذا كنا في حالة تراجع وانسحاب للخلف.

في الثلاثين سنة الماضية ومنذ سنة 1989 لم نفعل شيئا سوى تكريس المزيد من الخراب الديمقراطي، والفشل سيء النتائج للتجريب المقيت للتعديلات الموسمية لقانون الانتخاب..

ويبدو أننا سنفعلها مجددا..