الحلفاء التقليديون سبب رئيس في أزمات الأردن السياسية والاقتصادية

المملكة تواجه تحديات منذ 50 عاما والهاشميون قادرون على تفكيكها

 الملك يواجه التحديات بدبلوماسية هادئة وبدعم شعبي لمواقفه الثابتة

الأزمة تكمن في رفضه قرارات فرضتها أكبر دولة تقدم مساعدات للمملكة

 – عمان - بلال العبويني

تواجه الدولة الأردنية تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي ، فالأول مرتبط بشكل رئيس بسعي الإدارة الأمريكية إلى رسم خارطة جديدة للصراع العربي الإسرائيلي بالإنقلاب على ما تم انجازه من اتفاقيات منذ العام 1993.

فيما الثاني ، يتمثل بالتحدي الاقتصادي ، والذي لا يشك المراقبون أنه مرتبط بالأول من حيث ضعف المساعدات والمنح الخارجية واشتراط بعض القليل المتبقي منها ، كقروض تصرف على بعض المشاريع مثل دعم برامج الطفولة والمرأة وغير ذلك.

ويكمن التحدي الأكبر ، في أن ما يعانيه الأردن اليوم من أزمات سببها حلفاؤه التقليديون، الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، والتي يحصل الأردن منها على مليار دولار سنويا ، ومن ناحية أخرى حلفاؤه العرب الذين تكاد تكون مساعداتهم المالية للأردن معدومة.

يعتقد مراقبون أن الأردن يقع على مفترق ، باعتبار أن ما يعانيه من أزمات سببه سياسي كما أشرنا ، وباعتبار أن أمريكا وبعض دول التحالف التقليدي ينسقون لتنفيذ صفقة القرن التي ترفضها الأردن، كما ترفض أي مساس بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.

"فهي إن استمرت في رفضها ما يدفع حلفاءها التقليديين إلى تنفيذه، فإنها ستواجهه المزيد من المشاكل ، وسيزداد الضغط الاقتصادي عليها" كما يقول مراقبون ويضيفون " أو أنها ستكون أمام تحدّ داخلي يتمثل في الرفض الشعبي في تنفيذ أي إملاءات خارجية تتعلق بالتخلي عن الثوابت الوطنية العليا للدولة الأردنية".

الملك عبدالله الثاني، كان واضحا عندما أعلن لاءاته الثلاثة قبل أشهر "لا للتخلي عن الوصاية الهاشمية، "لا للتوطين، لا للوطن البديل"، وهي اللاءات التي كان يعتقد وما زال الكثيرون أن تطبيق صفقة القرن سيكون على حساب الدولة الأردنية التي ستواجه تحديات جديدة عندما تتغير المعادلة الديموغرافية وعندما يتم الانقلاب على ما تم الاتفاق عليه في معاهدات السلام وفي ما اتفق عليه العرب في قمة بيروت عام 2002.

غير أن ما يواجهه الأردن اليوم من تحديات لا يعتبر طارئا على الدولة الأردنية ، بحسب ما أشار إليه المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية والخبير الأمريكي بروس ريدل ، فقد واجهت الأردن تحديات متلاحقة ومتنوعة منذ أزيد عن خمسين عاما ، وكان قادرا بحكمة الملك الراحل الحسين بن طلال على تخطي التحديات في كل مرة وقيادة الدولة رغم قلة الموارد إلى بر الأمان، وبحكمة الملك عبدالله الثاني من بعده.

منذ أن تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية قبل عشرين، واجه الأردن العديد من التحديات السياسية مثل انهيار محادثات كامب ديفيد ، واندلاع الانتفاضة الثانية ، التي وضعت ضغوطا على اتفاقية السلام الأردنية مع إسرائيل. والاقتصادية مثل استقبال موجات من اللاجئين العراقيين ومن ثم السوريين وما حدث بينهما من أزمة طالت الاقتصاد العالمي، والأمنية مثل تفجيرات الفنادق عام 2005، والتهديدات الإرهابية في إربد والكرك والسلط وغيرها.

يقول ريدل في تقرير نشره معهد "بروكينغز" إن "النجاة في منطقة خطرة هي أهم ملمح من قوة الهاشميين".

حيث يواجه الملك عبدالله التحديات اليوم بالتفاف شعبي حول موقفه وبسياسة حكيمة تمتاز بالهدوء عبر محاولة التأثير على دول في العالم لتبني وجهات النظر الأردنية في إدارة عملية السلام في المنطقة ، وبدا ذلك واضحا في رفض 128 دولة في العالم قرار الرئيس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لدولة الاحتلال.

كما بدا ذلك واضحا في الاعتراف الإسرائيلي ، كما نشرت صحيفة "جروسليم بوست" أمس الأول، بفشل حكومة نتنياهو في استثمار الاعتراف الأمريكي في التأثير على دول العالم وفي الضغط على العرب والفلسطينيين عبر فرض أمر واقع.

"صفقة القرن" تواجه اليوم تحديا يهدد مصيرها ، ويتمثل في الداخل الإسرائيلي الذي فشل فيه تنتياهو في تشكيل حكومة ائتلافية ، ما أدى إلى دعوة لإجراء انتخابات جديدة للكنيست الإسرائيلي ، وليس محسوما اليوم ما إذا كان قادرا على تشكيل حكومة بعد الانتخابات المقررة في أيلول المقبل.

غير أن الشق الآخر من الصفقة والمتمثل في ورشة البحرين المقررة في 25 حزيران الحالي، تشكل تحديا جديدا أمام الأردن على وجه التحديد باعتبار أن موقفه واضح من الصفقة وأنه أعلن استعداده تحمل تداعيات الموقف الرافض لأي مشاريع تسووية تأتي على حساب الحق الفلسطيني والثوابت الأردنية.

غير أن هناك من يدفع إلى ضرورة المشاركة في الورشة ولو بمستوى تمثيل متدن لغايات الاستكشاف ، أو تحت مبرر أن المشاركة لا تعني الموافقة على ما هو مطروح ، وثمة من يذهب باتجاه المشاركة لتجنب ردات فعل الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة من ناحية تقليص المساعدات وغيرها ، وهو ما قد يتسبب بمزيد من التحديات الاقتصادية ، حيث نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 41% فيما يبلغ مستوى الدين العام 95% من الناتج المحلي الإجمالي.

وهنا بالتحديد، يرى مراقبون أن التحدي الأبرز يكمن في تنسيق بعض دول التحالف التقليدي مع الإدارة الأمريكية فيما تعلق بصفقة القرن ، وفي أطماع مرتبطة ، كما تشير تقارير غربية ، في مزاحمة الهاشميين على الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة.

ومع ذلك، ومع ما تواجهه الأردن من جفاء من قبل حلفائها التقليديين وتحديدا العرب ، فإنه لا يبحث عن حلفاء جدد على حساب حلفائه التقليديين كما أشارت تقارير سابقا ، غير أنه يسعى للبحث عن شركاء جدد وعن تحقيق مصالحه الوطنية العليا مع دول تناصب دولا في حلف التقليدي الجفاء أو العداء ، مثل قطر وتركيا ، وربما مع إيران في المستقبل القريب ولو على المستوى الدبلوماسي.