البدري يكتب : يا فيها .. يخفيها!!


د. هاني البدري


اللافت في علاقة المسؤول الأردني بالدولة ان قاعدة " يا لعيب يا خرِّيب" التي كنا نهدد فيها أصدقاء الحارة إشراكنا باللعبة أو ان نُجهز عليها برمتها وان نُخربها حتى لا ينعم الآخرين الاستمتاع بها .. هي جوهر القصة ..

وكأنما قدر الأوطان .. الفرض والواجب الذي على البلد ان تتحمله على مدى الزمان وامتداد الأمكنة ، ( الراكور) الذي لا يغيب عن المشهد كما في الدراما ..!!

أي دراما تلك التي لا يمكنها ان تصل الذروة أو تكتمل الا بوجودنا فيها .. وأي مسلسل ذلك الذي يمكنه ان يحتمل شخوص وابطال لا تغيب حتى وإن ظللت قابعة على صدور الجمهور..؟

هذا قدرنا في مسؤولين ترسخت لديهم قناعات زائفة باننا سنموت دونهم وتقاليد وظيفية بالية أعطتهم ثقة بلا حدود بان وجودهم في السلطة هو أكسجين المواطن الذي يتنفسه صباح مساء..وان تزويرهم جاء بسبب مواهبهم وسواد عيونهم..

يبقى المسؤول متنقلاً على مدى عقود قافزاً بين المناصب والمهمات من كرسي الى اخر ، من مؤسسة الى وزارة الى ديوان ( ماصاً) رحيق المكاسب والمنافع ، ودم الوطن ، حتى تأتي ساعة الرحيل فينتقل بعكس عقاربها، ليؤول معارضاً من عتاة المنتقدين والمتأفأفين من سياسات الدولة وبرامج الحكومة .. يتناسى بعبقرية يُحسد عليها انه كان بالأمس القريب جداً ، محورَ هذه السياسات وأحد راسميها بل عمودها الفقري..

في اكتوبر ٢٠١٢ وحين كانت شعوب عربية تلبس عباءة ربيع لم يُنتج الا خراباً ودماراً للمقدرات كان الملك عبد الله أعانه الله يتحدث لاسرته الواحدة في شأن امننا الذي هو قيمتنا المضافة وصمام بقاءنا .. وقتها قال بآسى ان بعض المسؤولين يؤكدون اثناء تواجدهم في السلطة ان "البلد يا سيدي بخير" وفور مغادرتهم تصبح " البلد خربانة".. !!
وكأن بقاءهم وديمومة وجودهم هو سر وجودنا وديمومة رفاهنا الذي لم نراه.. بل رأينا السيارات الفارهة والبعثات الدراسية في اكبر الجامعات العالمية للابناء وابناء المقربين والأحباب..والنمر الحمراء تصطف على أبواب المنازل الفارهة قيد أوامر معاليه وأسرة معاليه ..
علمتنا عِشرة العمر الإلزامية مع طابور المسؤولين المُمزمنين ان المسؤول يستهل مسيرته العملية (العطرة) بالإعلان عن فتح باب التهاني قبل ان يُغلق بابه أمام مطلبيات المواطن وحاجات الناس ويسارع فوراً لإطلاق شعارات الباب المفتوح والعمل على استراتيجيات " ناجعة" لقطاعه.. تضع حداً لاخفاقات خلفه، متوعداً بحلول لا تأتي .. وبرغدِِ لا يبزغ فجره..

يظهر علينا في الاعلام بتصريحات رنانة على نحو " وزير التربية يدعو الى تطوير المنظومة التعليمية" فنتساءل على استحياء .. معالي الوزير يدعوا مَن لتطوير منظومة التعليم طالما ان معاليه ما زال على قيد المسؤولية ..؟!

أو ان يؤكد وزير الصحة أهمية الارتقاء بالرعاية الصحية للمواطن..

مَن المطلوب منه ان يرتقي بهذه الرعاية .. الوزير نفسه ام المواطن الذي يتنفس الصعداء في طوابير الفحص والأشعة في مستشفيات الحكومة..!؟

قلبوا المعادلة وغيروا مفاهيم المسؤولية والراعي المسؤول عن رعيته ، حتى بات المريض هو المشكلة وتوجهت أصابع الاتهام للمواطن "الغَنوج" المفتقد للصبر و"طولة البال"..!

طوابير المسؤولين الذين تحولوا للمعارضة والانتقاد ما زالت تكبر طالما ان فهمنا المغلوط للمسؤولية والخدمة العامة هو أُس القضية ، وطالما بقيت الوجوه هي ذات الوجوه والمسؤول الفذ.. العارف في بواطن النقل والأشغال والاتصالات والعمل والأوقاف والثقافة والشباب والتنمية والأسرة واحلام الناس هو ذاته كابوس المواطن الطويل الذي لا نصحى عليه الا وقد اصبح معارضاً شرساً..لا يسعى الا لتخريب اللعبة التي غادرها!!