امتحانات الثانوية العامة

أ.د.محمد طالب عبيدات

بدأت يوم أمس امتحانات التوجيهي أو الثانوية العامة ، هذا الامتحان العام والذي يشكل مفصلاً مهما في حياة الشباب صوب اختيار مستقبلهم ومهنتهم وحياتهم ، والامتحان تاريخياً مؤرق للطلبة وللأهل بالرغم من ثبات عدالته ومصداقيته التي نعتز بها ، والمطلوب التخفيف من الاحتقانات المصاحبة له من قبل كل الجهات ، وهذا العام يختلف عن سابقه من امتحانات التوجيهي حيث يتقدّم الطلبة للامتحان سنوياً لا فصلياً ، والتجربة تحتاج لحديث:

1. من القلب أدعو الله مخلصاً لأبنائنا المتقدمين للامتحان وأهليهم كل موفقية وتميز للوصول إلى ما يصبون إليه ، فقد بذلوا جهودهم للاستعداد للامتحانات وأخذوا بالأسباب والباقي عند الله تعالى.

2. الامتحان ومهاراته المطلوبة تراكمية لا فزعوية وخصوصاً في ظل بعض الأسئلة لبعض المواد التي تقيس مدى الفهم لا الصم أو الحفظ ، ولهذا فالراحة النفسية مطلوبة لبيئة الطالب دون ضغط أو إرهاص أو تأنيب.

3. وقوف اﻷهل واﻷصدقاء لجانب الطالب داعمين نفسياً له جلّ مهم ، لكن اﻷهم استعداد الطالب نفسه للإمتحانات ﻷن بقية العوامل عدا استعداد الطالب نفسه تأثيرها قليل على التحصيل الدراسي.

4. الامتحانات هذا العام سنوية وليست فصلية ، وتوزيع أوزان العلامات على المواد فيه من العدالة ؛ وبالرغم من بعض الحسنات لذلك لكني سمعت بعض الطلبة يشكون أن وجود ثمان مواد "دسمة" والتي تأخذ أكثر من شهر لمراجعتها ، بالإضافة إلى عدم وجود تجارب مسبقة بالإمتحانات الوزارية –كالإمتحانات الفصلية- سيؤدّي حتماً لأرق الطلبة ونسيانهم لمواد الحفظ وزيادة توتّرهم، وكأني أقول بأن التغييرات التي جرت على الإمتحان لم تنعكس على البيئة والراحة النفسية للطلبة.

5. الإعلان عن وجود دورة صيفية إضافية تتبع الإمتحانات بشهر بحيث يستطيع أي طالب أنّى كانت نتائجه التقدّم إليها خفف من هيبة الإمتحان من جهة للطلبة دون الوسط ، لكنه أربك الطلبة المتميزين حيث سيلغي التنافسية بين الطلبة الأوائل مما يعطي الفرصة للطلبة المُعيدين برفع معدّلاتهم وربما يحققوا علامات أكثر من الطلبة الأوائل وفق معايير صعوبة وعدالة الأسئلة، وأغبطهم في ذلك لكنه ليس عدلاً البتة، ولا يمكن أن تستوي الأمور إلّا إذا كانت قبولات الجامعات للمتقدمين للدورة الإضافية ليست بتنافسية مع الطلبة المتقدمين للدورة العادية لهذا العام، أي بتأجيل قبولات المُعيدين لعام قادم آخر، وكأنني أقول بأن الدورة الإضافية ستقتل الإبداع والتميز والتنافسية بين الطلبة وتُشجّع الطلبة غير المتميزين.

6. التوجيهي محطة مفصلية كمخرج للتعليم العام صوب التعليم العالي ووضع خريطة الطريق التعليمية لكل شاب، وما زال يشكّل نقطة إعتزاز وطني لكل أردني شريف قلبه على وطنه، والحمد لله عادت هيبته وسمعته الطيبة، لكننا بالمقابل نحتاج إستراتيجية وطنية وهبة وطن للنهوض بالثانوية العامة لتكون أكثر مصداقية وعملية من حيث تغيير أساليب التعليم من التلقين إلى العمل بالمشاركة والإبداع والميدانية والتقارير والشخصية الطالبية وغيرها، ونحتاج أن تقيس الإمتحانات مستوى التفكير الإبداعي والناقد لدى الطلبة وليس درجات الصم والحفظ، وكما نريد أن تعكس علامة الطالب بالثانوية العامة مستواه الحقيقي لا صمّه للدوسيات كالماسح الضوئي، ونحتاج لتغيير الثقافة المجتمعية لقبول التخصصات الجامعية المواءِمة لسوق العمل وخصوصاً التقنية منها، ونحتاج للكثير أيضاً.

7. ما زلنا نحتاج لثورة بيضاء لتجويد البرامج التعليمية وإمتحانات تحاكي العقل البشري لا ذاكرته فقط، وأستاذ يستثير التفكير الإبداعي لدى الطلبة، وبيئة مدرسية نموذجية، ونحتاج لتكاملية بين المدرسة والمجتمع المحلي لغايات إصلاح التعليم العام.

8. أسدي نصيحتي من القلب لأبنائي الطلبة الممتحنين أن ينطلقوا للاستعداد للامتحان القادم حال إنهائهم أي امتحان دون التقوقع في إجابة اﻹمتحان الذي مضى، ﻷن ذلك سيؤثر نفسياً على تحصيلهم للامتحانات القادمة، كما أطلب من الأهل مساعدتهم على ذلك.

9. نحتاج لخلق بيئة صحية حول طلبة التوجيهي دون ضغط أو كبت أو استعجال، فالتحصيل يحتاج لاستعداد ممنهج ومبرمج، ويبدو أن التنافس بالتحصيل بين اﻷهل أكثر من الطلبة أنفسهم.

10. للعلم يوجد في معظم البيوت توجيهي، ولذلك فتعاون الجيران والجميع مطلوب لخلق بيئة صحية للإمتحان، وتعاون الجميع في ميزان وطنيتهم وإنسانيتهم بحول الله تعالى.

11. مطلوب أن نؤمن بأن التوجيهي امتحان عادي رغم كل الظروف المحيطة به، لكن إرتباطه بفلذات أكبادنا يجعل منه 'بعبع' في كل بيت رغم محاولات وزارة التربية والتعليم وبعض الأهل الواعين للتخفيف من ذلك، ولذلك مطلوب تخفيف آثاره النفسية على الطلبة واﻷهل والمحيط.

بصراحة: التوجيهي هاجس كل بيت، وثقافة التحصيل الدراسي والمعدل وإرتباطه بالتخصص المستقبلي للطالب جعلت منه أمراً مقلقاً للأسف، والمطلوب البحث عن وسائل راحة لا قلق للطلبة قبل اﻹمتحان كي يبدعوا أكثر، والإستعداد والنوم مبكراً والبيئة الطبيعية دون إرهاصات هو إحداها، كما أن هذه الإمتحانات ليست نهاية الكون وخصوصاً أن التعليمات تُجيز الإعادة لتحسين التحصيل لكل الطلبة، مع أمنياتنا للجميع بالتميز والإبداع!